اعداد: رمضان أبو إسماعيل
انعدام وجود مؤسسات اقتصادية تقوم علي خلق أسواق شاملة للجميع
عدم احترام حقوق الإنسان والقانون ..تفشي الفساد والمحاباة ..وتراجع تكافؤ الفرص وغياب العدالة الاجتماعية
التفاوت الطبقي الحاد الذي يقسم المجتمع إلي طبقتين احداهما فاحشة الثراء وأخرى مسحوقة
وصفة علاجية متكاملة للخروج من دوامة الفشل..ورسم نماذج لهندسة الازدهار؟
وجود مؤسسات استحواذية مدعومة سياسيا تعيق وتمنع تحقيق النمو الاقتصادي
أصبحت قضية فشل الدول اقتصاديا أحد أهم القضايا الاقتصادية المطروحة علي مائدة النقاش، فالكثير من الاقتصاديين اجتهدوا للوقوف علي أعراض هذه الظاهرة وأهم أسبابها والسبل التي يجب أن تسلكها حكوماتها لمواجهة الفشل الاقتصادي.
هذه الدراسة محاولة بحثية للإجابة علي التساؤل الرئيسي: لماذا تفشل الدول اقتصاديا؟
وعلي الرغم من أن مفهوم الدولة الفاشلة كظاهرة قديم الوجود، فالدولة التي تعجز عن القيام بوظائفها العامة هي دولة فاشلة، إلا أن هذا المصطلح بدأ يطفو علي السطح كظاهرة بحثية في تسعينيات القرن العشرين، وخصوصا مع انهيار السلطة السياسية في دولة الصومال، ومن ثم بداية الحديث حول فشل الدولة الصومالية، ومن بعد ذلك استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون هذا المصطلح في إطار وصفه لعدد من الدول التي فشلت في القيام بوظائفها الأساسية مثل أفغانستان في عهد طالبان([1]).
تعددت فيما بعد الدراسات، التي تبحث في ماهيّة فشل الدولة ومحدداتها بل وتبعاتها، التي تفاقمت مخلّفة من ورائها كوارث إنسانية، حيث ظهرت دراستان لعبتا دوراً أساسياً في تشكيل مفهوم الدولة الفاشلة، كانت الدراسة الأولى لـ”جيرالد هيرمان وستيفن راتنر” عن الدولة الفاشلة، التي نُشرت في مجلة السياسة الخارجية الأمريكية عام 1993، أما الثانية فهي لـ”وليام زارتمان” عن الدولة المنهارة عام 1995.
المفهوم..والمعنى
- مفهوم الدولة الفاشلة
تعرف الدراسة الأولي مفهوم الدولة الفاشلة علي أنه يشير إلي تلك الدول، التي لا تستطيع أن تلعب دوراً ككيان مستقل مثل هايتي، يوغوسلافيا، والاتحاد السوفيتي، السودان، ليبيريا، وكمبوديا، فيما عرفت دراسة زارتمان حول الدول المنهارة، الدول الفاشلة بأنها الدول، التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية مثل الكونغو في الستينيات من القرن العشرين، وتشاد وغانا وأوغندا في أواخر ثمانينيات القرن نفسه، والصومال وليبيريا وإثيوبيا مع بداية تسعينيات القرن العشرين([2]).
وفي تعريف آخر، يشير مصطلح الدول الفاشلة إلي الدول التي تفتقد القدرة علي القيام بوظائفها، التي لا يمكن لجهة أخرى القيام بها، أي تعجز عن أن تقوم بإنتاج عوامل استمرارها في إطار حدودها الجغرافية المعترف بها ([3])، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار داخل إقليم الدولة، ويمثل هذا الوضع تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
وتعاطيا مع هذا الوضع، حرص صندوق السلام العالمي علي وضع مقياس كمي لترتيب الدول الفاشلة تحت مسمي مقياس الدول الفاشلة “Fragile States Index”، الذي يرتب الدول حسب درجة إخفاقها، وفقاً لمؤشرات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وأمنية، وتكون الدولة فاشلة عندما تفقد السيطرة على أراضيها أو جزء منها، أو تفقد احتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها، ومن ثم تعاني تآكل السلطة الشرعية ما يعجزها عن إتخاذ قرارات موحدة وتوفير الخدمات العامة والتفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي ([4]).
الاعراض..والمؤشرات
- متي تكون الدولة فاشلة؟
الدولة، وفقا لـ “ماكس فيبر” تمثل احتكار العنف المشروع في المجتمع؛ وأنه بدون مثل هذا الاحتكار، فإن الدولة لا تستطيع أن تلعب دورها كمنفذ ومطبق للقانون والنظام، ناهيك عن تقديم الخدمات العامة وتشجيع وتنظيم النساط الاقتصادي، وعندما تفشل الدولة تقريبا في تحقيق أي درجة من المركزية يتحول المجتمع عاجلا أو آجلا للفوضي، ومن ثم فإن فشل الدول يتحقق عندما يكون لديها مؤسسات افتصادية استحواذية، وتدعمها مؤسسات سياسية تعيق وتمنع تحقيق النمو الاقتصادي غير أن هذا يعني إن اختيار المؤسسات أي سياسات المؤسسات يعد جوهريا وهاما في فهم وادراك الأسباب المتعلقة بنجاح وفشل الأمم ([5]).
تكون الدولة فاشلة أيضا عندما لا تحترم حقوق الإنسان والقانون، ويزداد فيها الفساد والمحاباة، ويتراجع تكافؤ الفرص والعدالة، ما يخلق حالة من الصراع، الذي يولد الفوضى والتناقضات، ومن ثم تحتمي السلطة بأجهزة الأمن، التي تعطي لنفسها باسم حماية الدولة وأمن المواطن، حق التدخل في الشئون العامة والخاصة، وتتخذ من القمع والحلول الأمنية بديلاً عن القانون والحلول السياسية، ما يترتب عليها إلغاء الدولة لصالح السلطة، وتُلغى السلطة لصالح أجهزة الأمن، ولا تعود الدولة دولة، ولا الحكومة حكومة، فتغيب الدولة سياسياً وبنيوياً؛ فيكون الفشل الذي يتدرج بحسب تحقق هذه المعايير([6]).
- مؤشرات تصنيف الدول
يصنف صندوق السلام العالمي الدول، وفقا لـ12 مؤشراً فرعياً وهم: (الضغط الديموغرافي، اللاجئين والنازحين، انتشار الظلم، حق السفر والتنقل، الناتج الإقتصادي المتفاوت، الإنحدار الإقتصادي، شرعية الحكم، الخدمات العامة، جهاز الأمن، الفصائل والطوائف المختلفة، التدخل الخارجي)، وتتراوح قيمة كل منها بين (0-10)، وكلما حازت الدولة علامات أعلى كلما تصدرت قائمة تصنيف الدول الفاشلة، وتنقسم هذه المؤشرات إلي 3 مؤشرات رئيسية، وهي [7]:
- المؤشرات السياسية:
يتجسد هذا المؤشر الرئيسي في مدى درجة شرعية ومصداقية نظام الحكم، وقدرة هذا النظام علي على تقديم الخدمات العامة وإنفاذ القانون والدستور وحماية حقوق الإنسان وتحقيق الفصل بين سلطات الدولة الثلاثة، وتحقيق الاستقلال الوطني.
- المؤشرات الاقتصادية:
تتمحور المؤشرات الاقتصادية لفشل الدول حول عدم استدامة معدل التنمية الاقتصادية، وتهاوي وضع الاقتصاد الوطني، وزيادة معدلات الفساد وانتشار المعاملات العرفية.
- المؤشرات الاجتماعية:
تتجلي مؤشرات فشل الدول الاجتماعية في تصاعد الضغوط الديموجرافية، التي تتجسد في إرتفاع كثافة السكان، وانخفاض نصيب الأفراد من الاحتياجات الأساسية، وتزايد حركة اللاجئين بشكل كبير إلى خارج الدولة، أو تهجير عدد من السكان في منطقة داخل الدولة بشكل قسري، ووجود إرث عدائي لدى أفراد الشعب، انتشار ظاهرة هروب العقول والكفاءات.
- الدول الفاشلة اقتصاديا
علي الرغم من أن ظهور مصطلح الدول الفاشلة ارتبط منذ بدايته بالجانب السياسي، إلا أنه بمرور الوقت، ظهر اتجاه بحثي جديد يسلط الضوء علي الجانب الاقتصادي عندما تناولت دراسات فشل الدولة من منطلق أنه عندما تفقد الدولة السيطرة على وسائل العنف المشروع، فإنها تعجز عن تحقيق السلام والاستقرار لشعوبها، وتفقد السيطرة على أراضيها أو جزء منها، ومن ثم لا تستطيع ضمان النموّ الإقتصادي، أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية، وغالباً ما تتميز بانعدام المساواة الإقتصادية والمنافسة العنيفة على الموارد، وهذا ما يمكن أن يطلق عليه الدول الفاشلة اقتصاديا.
وأصبح الفشل الاقتصادي في الوقت الراهن أهم أسباب فشل الدول، ويتحقق الفشل الاقتصادي للدول عندما تفشل في توفير متطلبات الحياة الأساسية للمواطن من مأكل ومشرب ومسكن وعمل، وغيرها من الحقوق، التي لا يستطيع الانسان العيش بدونها، وأنه عندما تفشل الدولة في القيام بواجباتها ومسئولياتها تجاه رعاياها يبدأ المواطنين يفقدون الثقة بهذه السلطة ويحتجون عليها، وتكون بذلك قد بدأت تسير على طريق الانهيار والفشل([8]).
ويتم تصنيف الدولة ضمن قائمة الدول الفاشلة اقتصاديا، وفقا لعدد من المعايير الأساسية، أهمها([9]):
• التراجع الحاد في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، ومنها معدل نمو الدخل القومي،و أسعار صرف العملة الوطنية، وأداء الميزان التجاري، ومعدلات الاستثمار و الشفافية والفساد، والتزامات الدولة المالية.
• عدم القدرة على تقديم قدر معقول من الخدمات العامة للمواطنين موازاة مع تدهور الخدمات المتوفرة وعدم القدرة على التجديد.
• غياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية التي تقوم على مبدأ الجميع تحت القانون.
• غياب التنمية الاقتصادية العادلة في التعليم والوظائف والدخل، ومستويات الفقر، وتزايد النزعات الإثنية لهذه الأسباب.
• تهميش فئة الشاب التي تعتبر جوهر العملية الاقتصادية بإمكانياتها وقدراتها التي لا تنضب.
• التفاوت الطبقي الحاد الذي ينقسم معه المجتمع إلي طبقتين احداهما فاحشة الثراء وأخرى مسحوقة، ومن ثم غياب الطبقة الوسطى.
• غياب التوازن في الفرص الاقتصادية، وإرتفاع اعداد الفقراء.
• الضعف والتصدع في المؤسسات الاقتصادية والأذرع الانتاجية.
• غياب القدرة على تطوير وسائل الانتاج والموارد الاقتصادية.
• الريعية وغياب التنوع في الموارد الاقتصادية للدولة.
• ازدهار الفساد على نطاق تدميري، كذلك الإسراف في مشروعات دون جدوى، على حساب التعليم والإمداد الطبي.
• تمركز الموارد بالدولة في مؤسسات محددة مثل البنك المركزي واهمال باقي المؤسسات في الدولة.
• تحول الدولة إلي عنصر طرد للمشاريع التنموية القادرة على تحريك عجلة النمو الاقتصادي واستبدالها بمشاريع وهمية؛ لينتفع بها قلة من أصحاب النفوذ.
• الثراء على حساب الدولة، حيث تفشل عندما تفقد وظيفتها الأساسية، وتتقلص شرعيتها، وقد تنتقل من الفشل إلى الانهيار.
• اللجوء الى المساعدات الخارجية والقروض دون أن يكون هناك أي تطوير حقيقي ملموس، ما يرتب بدوره مديونية متصاعدة ترهق كاهل الموازنة العامة.
• عندما يصبح الاقتصاد عامل ضغط على الدولة ولي ذراعها من الدول الأخرى، فالعامل الاقتصادي عامل امان واستقرار للدولة، وقوة اقتصاد الدولة دليل على سلامة سياستها الداخلية وامتداداتها الخارجية، واقتصاد أي دولة هو محرك ازدهارها وتطورها وضمان كسب احترام الدول الاخرى، فيما يعد انعدام الأمان الاقتصادي قنبلة موقوته معرضة للانفجار في أي وقت إذا لم تتخذ الدول اجراءات تلبي حاجات مواطنيها وخصوصا الشباب.
- كيف يكون الفشل الاقتصادي؟
تتفاوت الدول وتختلف في حجم نجاحها وتفوقها الاقتصادي بسبب اختلاف مؤسساتها، والقواعد والنظم، التي تؤثر في الطريقة، التي يعمل بها الاقتصاد، وكذلك الفرص والمحفزات التي تخلق الدافعية لدي الأشخاص، فالدول الناجحة هي التي تملك مؤسسات اقتصادية شاملة تقوم علي خلق أسواق شاملة للجميع، والتي تمنح فقط الأشخاص الحرية في اختيار المهن والوظائف التي تناسب إلي أقصي درجة مواهبهم ومهاراتهم الشخصية، وإنما أيضا توفر مجال مشاركة متكافئة تمنحهم الفرصة في القيام بذلك ([10])، فيما تكون الدولة فاشلة من وجهة النظر الاقتصادية في حال انعدام وجود مثل هذه المؤسسات الاقتصادية الشاملة.
ويأتي فشل الدول –غالبا- على أصعدة متوازية، بحيث لا يمكن تحديد أيهما السبب وأيهما النتيجة، فالفشل في الجانب الاقتصادي قد يكون مسبباً لفشل في الجانب الإقتصادي، ما يترتب عليه من فشل المؤسسات السياسية في تدارك الفشل المترتب على الصعيدين السابقين؛ لتتصاعد احتمالات تدخل قوى خارجية في الدولة.
وبالفعل، قد تبدأ دائرة الفشل بالعكس، بحيث تكون العوامل الخارجية نقطة البداية في حلقة الفشل، فإمّا أن تتسبب العوامل الخارجية فيه، أو أن تُعَزِّز عوامل الفشل الكامنة داخل الدولة؛ فتظهر أعراضها الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والمؤسساتية ([11])، فهناك العديد من حالات الفشل الاقتصادي، التي منيت بها الدول نتيجة عوامل خارجية بالأساس، وخير مثال علي هذه الحالة الفشل الاقتصادي الذي تعرضت له عدة بلدان أفريقية تجسد في عدم القدرة علي توفير الغذاء للمواطنين جراء أزمة الغذاء العالمي 2008.
بذور الفشل
- بذور فشل الدول اقتصاديا
ووفقا للتجارب الدولية، فإن الدول لا تسقط بين عشية وضحاها، بل تنمو بذور الفشل داخل مؤسسات الدولة، وأن بعض الدول تفشل بعدما تنهار جميع المؤسسات، كما كان الحال في افغانستان بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من البلاد واعدام محمد نجيب الله علي عمود إنارة، أو مثلما حدث في سيراليون بعد حرب أهلية دامت 10 سنوات، حيث لم تعد الحكومة موجودة تماما، فبعد أن أنهكت الحرب الأهلية في سيراليون كافة الأطراف المتقاتلة، لم يجد المواطن حكومة مركزية تضع علي كاهلها إعادة الأمور إلي نصابها، بل دخلت البلاد في حالة من الفشل الذريع بسبب انعدام هذه السلطة.
ويؤدي الاعتماد علي المؤسسات الاقتصادية الاستخراجية إلي تقوية ثقافة الاتكالية، التي تدمر –بدورها- التحفيز وتقضي علي الابتكار وتستنزف مواهب وقدرات مواطني الدولة، لا سيما أن تلك المؤسسات تعمل لصالح النخب، التي تسفيد من موارد البلاد علي حساب الجميع ([12])، فمثل هذه المؤسسات الاقتصادية الاستخراجية تعمل علي تكريس كل الطاقات المتاحة لدي النخبة المتحكمة في هذه المؤسسات لتعزيز الطاقات الاستخراجية لزيادة ثروات هذه النخبة علي حساب الطبقات الفقيرة، التي تزداد فقرا بسبب هذه المؤسسات الاستخراجية.
وتتنوع أسباب فشل الدول بتنوع التجارب الدولية، فإنه من الممكن أن يتم التعامل مع كل دولة -بمفدرها- علي أنها نموذج متفرد في عوامل فشلها، لكن علي الرغم من ذلك، فإنه من واقع دراسة تجارب الدول المصنفة فاشلة خلال السنوات الأخيرة، يتبين أن انعدام النظام يأتي علي رأس مسببات فشل الدول، فإن الدولة التي تعاني انعدام النظام هي دولة فاشلة، وتجسد حالة الصومال هذه الحالة، فالفشل الذي تملك جسد الدولة الصومالية نتج عن انعدام قدرة النظام علي القيام بمهامه، فالحكومة الصومالية لا تمتلك القدرة علي فرض سلطاتها علي إقليم الدولة، بل تنحصر سلطة الحكومة علي مناطق متفرقة للغاية من الأراضي الصومالية.
ويساهم في فشل الدول أيضا استئثار النخبة بخيرات البلاد، فالدولة تفشل عندما تفتقد إلي وجود مؤسسات اقتصادية شاملة، وأنه بدون هذه المؤسسات الاقتصادية تستأثر قلة بمقدرات الدولة، بل تقاوم هذه النخبة أية محاولة لكسر هذه الإحتكارات، وربما تكون مصر أبان فترة ولاية الرئيس الأسبق مبارك نموذج مثالي لهذا الوضع، وكيف أن السنوات الأخيرة من فترة حكم مبارك شهدت استئثار رجال النظام بمقدرات الدولة، فهم من حرصوا علي تكوين احتكارات شكلت بدورها حاجزا أمام اقتحام عنصر أو شركة جديدة السوق، فكانت النتيجة أن حققت هذه النخبة ثروات ضخمة واتسعت دائرة الفقر، ثم كانت ثورة 25 يناير 2011.
ويسأل عن فشل الدول، كما في حالة كوريا الشمالية، حرمان المواطن من حق “الامتلاك”، ففي هذا البلد تمتلك الدولة –منفردة- كل مقومات الانتاج، سواء رأس المال أو الأرض، حتي الزراعة هناك تكون من خلال مزارع عامة للدولة، والجميع في هذا البلد يعمل من أجل الحزب الحاكم وليس من أجل أنفسهم، فالملكية الشخصية منعدمة في هذا البلد الشيوعي، مما تسبب في تخلف نمو كوريا الشمالية مقارنة بـ “كوريا الجنوبية”.
وكذا يترتب علي تطبيق سياسات التفرقة العنصرية فشل الدولة، فالتفرقة علي أي أساس تخلق حالة من الرفض المجتمعي، وأن هذه التفرقة كانت مسئولة عن فشل نظام جنوب أفريقيا العنصري السابق، واضطر مواطنو بوليفيا إلي الثورة في 1952 للخلاص من حالة الاستغلال السياسي، التي كانت مسئولة عن فشل الدولة، فكانت الثورة ضد النخبة من ملاك الأراضي والمناجم.
ومن عوامل فشل الدول، انتشار ثقافة عمل السخرة، التي تعني اجبار الناس علي العمل دون إرادتهم، فاعتماد ثقافة العمل بالسخرة أمر يعوق التقدم والنمو، وتصل بالبلاد للتأخر والسقوط في دائرة الفشل، وكذلك يساهم في إفشال الدول سوء الخدمات العامة، وحرص النخبة في الدولة علي حجب التكنولوجيا الحديثة عن المواطنين.
مؤسسات الافشال
- دور المؤسسات في الفشل الاقتصادي
تفشل الدول عندما يكون لديها مؤسسات اقتصادية استحواذية وتدعمها مؤسسات سياسية تعيق وتمنع تحقيق النمو الاقتصادي، غير أن هذا يعني ان اختيار المؤسسات أي سياسات المؤسسات يعد جوهريا وهاما في فهم وادراك الأسباب المتعلقة بنجاح وفشل الأمم، فلا تخلق هذه المؤسسات الحوافز والفرص اللازمة للأشخاص من أجل الادخار والاستثمار والابتكار. وتدعم المؤسسات السياسية الاستحواذية تلك المؤسسات الاقتصادية عن طريق تدعيم قوة أولئك المستفيدين من الاستحواذ، وعلي الرغم من اختلاف تفاصيل المؤسسات الاستحواذية الاقتصادية والسياسية بسبب اختلاف الظروف، إلا أنها تظل دائما تمثل جذور هذا الفشل ([13]).
تفشل الأمم اقتصاديا بسبب المؤسسات الاستحواذية المستخلصة للثروات، فهذه المؤسسات تجعل البلدان الفقيرة تظل فقيرة وتمنعها من المضي قدما نحو طريق النمو الاقتصادي، وهذه هي حقيقة ما يحدث اليوم في أفريقيا، في أماكن مثل زيمبابوي وسيراليون وفي أمريكا الجنوبية في بلدان كولومبيا والأرجنتين، وفي أسيا في كوريا الشمالية وأوزبكستان، وفي الشرق الأوسط، في دول مثل مصر.
وهناك اختلافات ملحوظة بين هذه الدول، فبعضها استوائي، والبعض الآخر في مناطق خطوط العرض المعتدلة، والبعض منها مستعمرات بريطانية أو يابانية أو أسبانية أو روسية، وتختلف فيما بينها بشكل كبير في التاريخ، واللغة، والثقافة، لكن الشئ الوحيد المشترك بينهم هم المؤسسات الاستحواذية، وفي جميع هذه الحالات، يتضح أن أساس هذه المؤسسات يتمثل في نخبة تقوم بتشكيل المؤسسات الاقتصادية من أجل اثراء نفسها واستدامة قوتها وسلطتها علي حساب الغالبية العظمي من الشعب.
الخلاص من الفشل
تستطيع الدول أن تعمل علي وضع السياسات وتنفيذ الإجراءات، التي تجنبها مغبة السقوط في هاوية الفشل، التي تمثل تهديدا خطيرا سواء للدولة أو الإقليم بل والعالم بأسره، فالدول الفاشلة تمثل –بالتأكيد- تهديدا للسلم والأمن الدوليين، ومن الضروري أن تبدأ تحركات الدول للخلاص من الفشل من بالعمل الجاد علي بناء مؤسسات ديمقراطية شاملة، لأن هذه المؤسسات الديمقراطية الشاملة ضمنت الرفاهية والاستقرار والثراء لعدد من الدول –بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها- فالغني الذي تنعم به هذه الدول هو حصاد ما تم زراعته من مؤسسات ديمقراطية شاملة قبل نحو 300 عاما. وبالفعل، استمرت هذه المؤسسات في الوجود من خلال عملية من الحلقات الحميدة، وأنها نجحت في توليد ديناميكيات ساهمت في خلق عملية تغذية مرتدة إيجابية.
وفي ظل وجود المؤسسات الاقتصادية الشاملة، لا تتركز الثروة في أيدي مجموعة صغيرة يمكنها بعد ذلك أن تستخدم قدرتها الاقتصادية في زيادة سلطتها ونفوذها السياسي بطريقة غير عادلة، وعلاوة علي ذلك، فإنه في ظل هذه المؤسسات يكون هناك مكاسب محدودة بدرجة أكبر لا تسمح بالسيطرة علي السلطة السياسية.
ويمكن أيضا مواجهة الفشل الاقتصادي والسياسي للأمم من خلال العمل علي تحويل المؤسسات الاستحواذية المستخلصة للثروات في هذه الدول الفاشلة أقتصاديا إلي مؤسسات ديمقراطية شاملة، لكن هذا التحويل ليس بالأمر السهل بمفهوم الحلقة المفرغة، ولكنه ليس بالمستحيل، وأن القانون الحديدي لحكم الأقلية ليس حتميا. يتم هذا سواء من خلال بعض العناصر الديمقراطية الشاملة الموجودة مسبقا في المؤسسات أو وجود تحالفات واسعة تقود الكفاح ضد النظام القائم أو لمجرد أنها الطبيعة العارضة للتاريخ.
وتستطيع هذه المؤسسات أن تكسر الحلقات المفرغة مثل الحرب الأهلية في سيراليون، وكذا ما حدث في بتسوانا عندما قاد حزب بتسونا الديمقراطي حركة تصحيح عقب الخلاص من الاستعمار بإنشاء المؤسسات الشاملة، ما جعل من بتسوانا حالة متفردة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بتحقيق معدلات نمو عالية جدا بعد الاستقلال، في ثورتها والصين التي نجحت بثورة دينج بداية ستينات القرن العشرين ([14]).
وتتجلي هندسة الازدهار في نمطين([15])، الأول: ما يلقي في الغالب دفاعا من جانب المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، حيث يري أن التنمية والتطور السيئ يرجع سببه للسياسات والمؤسسات الاقتصادية السيئة غير الفاعلة، ثم بعد ذلك يقدم قائمة من الاصلاحات والتحسينات، التي تحاول هذه المنظمات الدولية أن تستحث الدول الفقيرة لي تبنيها وتطبيقها، وتركز هذه الباصلاحات علي أمور معقولة، مثل الاستقرار الاقتصاد الكلي، واهداف الاقتصاد الكلي الجاذبة للاستثمار بشكل واضح مثل تقليل حجم القطاع العائلي ومعدلات سعر الصرف المرنة وتحرير حساب رأس المال.
وتركز أيضا علي المزيد من الأهداف المتعلقة بالاقتصاد الكلي، مثل الخصخصة والاصلاحات والتحسينات في جودة وكفاءة الخدمات العامة، وربما اقتراحات حول كيفية تحسين طريقة عمل الدولة في حد ذاتها عن طريق التأكيد علي تفعيل قوانين وإجراءات مكافحة الفساد. وعلي الرغم من أن الكثير من هذه الاصلاحات قد تبدو معقولة بالنسبة لهم، فإن منهج المنظمات الدولية في كل من واشنطن ولندن وباريس وفي الأماكنن الأخري ما زال ينغمس في منظور غير صحيح يفشل في ادراك الدور، الذي تلعبه المؤسسات السياسية والقيم، التي تقدمها علي عملية صنع السياسات.
والمنهج الثاني لهندسة الازدهار هو الأكثر رواجا وشيوعا هذه الأيام إنه يري أنه لا توجد حلول أو أصلاحات سهلة لانتشال ورفع دولا ما من الفقر إلي الإزدهار بين عشية وضحاها، أو حتي خلال عقود قليلة، وفي المقابل، يري هذا المنهج أن هناك العديد من حلول الفشل السوقية المتعلقة بالاقتصاد الجزئي، التي يمكن أن يتم تداركها واصلاحها من خلال تقديم النصيحة المناسبة، وأن الازدهار سوف يتحقق إذا استفاد صانعو السياسات من هذه الفرص، التي يمكن أن تتحقق من خلال مساعدة ورؤية رجال الاقتصاد والأشخاص الآخرين([16]).
ويري هذا المنهج أن حلالات الفشل السوقي الصغيرة توجد في كل القطاعات في الدولة الفقيرة، علي سبيل المثال، في أنظمة التعليم الخاصة بهذه الدول وتقديم الرعاية الصحية والطريقة، التي يتم بها تنظيم الأسواق هناك. وهذا بلا شك أمر صحيح غير أن المشكلة تتمثل في أن حالات الفشل السوقي الصغيرة قد تكون فقط بمثابة طرف جبل الجليد، وأنها تمثل العرض المتعلق بالمشكلات المتأصلة جذورها بعمق في مجتمع يعمل في ظل المؤسسات الاستحواذية المستخلصة للثروات. إنه ليس من قبيل المصادفة أن يوجد لدي الدول الفقيرة سياسات اقتصاد كلي سيئة وغير فاعلة، وليس من قبيل المصادفة أن تكون أنظمتها التعليمية لا تعمل بشكل جيد ولا تأتي بنتائج مرضية.
إن حالات الفشل السوقي هذه تكون قد لا تكون بسبب الجهل فقط، وأن صانعي السياسات والمسئولين الحكوميين الذين يفترض أن يتصرفوا وفقا للنصيحة سليمة المقصد، قد يكونوا إلي حد كبير جزءا من هذه المشكلة، وأن المحاولات العديدة لتدراك ومعالجة الأخطاء قد تعطي بالتأكيد نتائج عكسية، لأن الأشخاص المسئولين لا يدركون بشكل واضح الأسباب المؤسسية للفقر في المقام الأول.
ويلعب الإعلام دورا تحويليا في عملية التمكين إن تمكين المجتمع علي نطاق شامل يعد أمرا صعبا من حيث التنسيق والاستمرارية بدون وجود معلومات منتشرة حول ما اذا كان هناك انتهاكات سياسية واقتصادية من جانب اولئك الاشخاص الموجودين في السلطة. ويمكن أن يلعب الإعلام أيضا دورا رئيسيا في تحويل وتوجيه عملية التمكين لقطاع واسع من المجتمع إلي اصلاحات سياسية أكثر ثباتا واستمرارية، إن الأنظمة السلطوية تكون في الغالب علي وعي ودراية بأهمية وسائل الإعلام الحرة، ولذا تحاول جاهدة أن تحاربها([17]).
وتتمثل معالم الدول الناجحة في أرض وموارد مناسبة وكافية للنجاح، تتطلب في أول الأمر انتماء موحدا وقويا يوحد الأهداف والطاقات والموارد، وتوافر عوامل بناء دولة المؤسسات والقوانين والانتماء القوي لا يكفي إذا كان هناك عوامل وظروف معادية كبيرة، فدول عديدة لم تستطع إلي الآن بناء دولة ناجحة مع أن أفرادها لهم انتماء قوي موحد فيما نجحت دول أخري تفقتد إلي هذه السمة في بناء دولة ناجحة.
ويتطلب
لإقامة دولة ناجحة أيضا العمل علي بناء أنظمة وتشريعات وقوانين مناسبة ويلتزم
الجميع بها، وبناء حكومة ومؤسسات المناسبة والفعالة والمتطورة (السياسة الداخلية)،
واستنهاض الأفراد وحثهم علي العمل بنشاط وفاعلية وبفكر وثقافة متحضرة، فإنه من
عوامل نجاح أو فشل الدولة درجة نشاط وتعليم وثقافة وحضارة الأفراد، ويقوي من فرص
نجاح الدول عدم وجود عوامل طبيعية معادية أو اعتداء من الخارج، وتوافر قدرات
مناسبة وكافية للحماية والدفاع عن الدولة والمشاركة المناسبة والفعالة مع الدول
الأخري (السياسة الخارجية)،والقدرة علي استغلال غيرها من الدول (استغلال مواردها
أو شعبها) ([18]).
المراجع
[1]– عامر العمران، معايير الفشل: الدولة الفاشلة اقتصاديا، (بغداد، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، التاريخ غير معروف) متاح في: http://rawabetcenter.com/archives/11883.
[2]– عبد الله حميد الدين، مفهوم الدولة الفاشلة، جريدة الحياة، متاح: https://political-encyclopedia.org/dictionary
[3]– رنـا أبوعمرة: تعثر انتقالي: أوضاع دول الربيع العربي في ضوء مقياس الدول الفاشلة، مجلة السياسة الدولية، 4 أغسطس 2013.
[4]– المرجع السابق.
[5]– بدران حامد (مترجم)، لماذا تفشل الأمم .. أصول السلطة والازدهار والفقر، (القاهرة، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، 2015) . ص 124 – 127.
[6]– حسين العودات: الدولة الفاشلة ومعايير الفشل، جريدة البيان الإماراتية، 26 أغسطس 2013، متاح: https://www.albayan.ae/opinions/articles/2013-08-26-1.1947958
[7]– عبد الله حميد الدين، المرجع السابق.
[8]– عامر العمران، مرجع سابق.
[9]– المرجع السابق.
[10]– (بدران حامد (مترجم)، مرجع سابق، ص 114 – 118.
[11]– فيصل براء، متين المرعشي: الدولة الفاشلة، الموسوعة السياسية، متاح في: https://political-encyclopedia.org/dictionary/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B4%D9%84%D8%A9
[12]– د. جهاد عودة: تقدير الأزمة الاستراتيجية في العالم العربي، السياسة الدولية والاستراتيجية (القاهرة: مكتب العربي للمعارف، 2014). ص
[13]– بدران حامد (مترجم)، لماذا تفشل الأمم .. أصول السلطة والازدهار والفقر، مرجع سابق.
[14]– المرجع السابق.
[15]– المرجع السابق.
[16]– المرجع السابق.
[17]– المرجع السابق.
[18]– د. جهاد عودة، مرجع سابق.
ل