هل كان تكليفه – في نهاية العام 2013م – برئاسة اللجنة العليا المعنية بالاعداد أنذاك لوضع استراتيجية عمان 2040م واسناد مسئولية الاشراف على تنفيذها.. هل كان ذلك مصادفة؟
ماذا نقرأ في برنامجه الوطني الموثق في أول خطابين منذ توليه سدة الحكم في الحادي عشر من يناير 2020م؟
ماهي سيرته الذاتية.. سنوات دراسته ما بين المدرسة السعيدية في مسقط وجامعة أكسفورد في لندن.. وكيف تدرج في العمل الدبلوماسي حتى أصبح أمينا عاما لوزارة الخارجية العمانية بمرتبة وزير.. وكيف انعكست خبرته الدبلوماسية على عمله كوزير للتراث والثقافة لاحقا.. وهو المنصب الذي شغله ثمانية عشرة عاما.
ماذا عن أسرته الصغيرة – السيدة الجليلة زوجته وأولاده – وماهي القراءات المفضلة لديه.. وما علا قته بكرة القدم ولعبة الهوكي.. والعمل الصحفي؟
وماذا نقرأ من دلالات في خطابيه الاول والثاني التاليين لتوليه مقاليد الحكم في الشقيقة سلطنة عمان؟
تاليا.. قراءة مختصرة في السيرة الذاتية لجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور بن فيصل أل سعيد؟
….
ولد جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور بن فيصل أل سعيد في مسقط في الثالث عشر من شهر أكتوبر من العام 1954م ميلادية لوالده صاحب السمو السيد طارق بن تيمور بن فيصل ال سعيد .. تلقى تعليمه الابتدائي في المدرسة السعيدية بمسقط .. ثم واصل دراسته الثانوية والجامعية في المملكة المتحدة حيث التحق بجامعة أكسفورد ليتخرج منها في العام 1979م من برنامج جامعة أكسفورد للخدمات الخارجية ثم تابع دراسته في نفس الجامعة أيضا.
يعود نسبه الى ال بو سعيد، وهي العائلة الحاكمة في عمان التي تأسست على يد الامام أحمد بن سعيد البوسعيدي 1744م – 1783م، وهي العائلة التي كانت تحكم زنجبار في شرق أفريقيا أيضا.
وكان قد استهل مسيرته العملية دبلوماسيا لدى وزارة الخارجية العمانية التي استمر بها ثلاثة وعشرين عاما متوليا خلالها عدة مناصب من أبرزها رئاسة الدائرة السياسية ثم الدائرة الاوربية و الامريكتين ، ثم عين وكيلا لوزارة الخارجية للشئون السياسية عام 1986م حتى العام 1994م حيث اصدر السلطان الراحل قابوس بن سعيد مرسوما بتعيينه امينا عاما لوزارة الخارجية بمرتبة وزير.. وفي العام 2002م تم تعيينه وزيرا للتراث والثقافة.. وهو المنصب الذي ظل فيه حتى تنصيبه سلطانا لعمان في الحادي عشر من يناير 2020م.
منذ العام 2002م حتى العاشر من يناير 2020م – ثمانية عشر عاما – ظل مجسدا ومعبرا بصدق عن تراث أمة عريقة ساهمت – ولاتزال – في صناعة الحضارة الإنسانية بنصيب لا يمكن انكاره.. ولعل من أبرز تلك المساهمات في الفترة الزمنية العصيبة من واقعنا العربي والإسلامي أن الصورة الذهنية لعمان أصبحت ترتبط بصناعة السلام، والسعي الدؤوب والنزيه من أجل اقراره ليس فقط لصالح شعوب المنطقة، وانما أيضا من أجل الانسانية جمعاء، فضلا عن الكراسي العلمية التي طالت معظم الجامعات العالمية من اليابان والصين شرقا الى الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوربي غربا، والتي هي في مجملها مشاريع ثقافية “مستنيرة” ، وذلك كله الى جانب مساهمات العمانيين التاريخية في نشر الإسلام “شرقا وغربا” بالتي هي أحسن.. بأخلاقهم وحسن عشرتهم والتزامهم الأمانة في المعاملات والصدق في القول.
تكاد تتطابق أفكاره ورؤاه مع تلك التي نعرفها عن جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد الذي يعتبره هو شخصيا المعلم والقدوة.
عمل على تحديث المفاهيم، والاجتهاد من أجل الترويج لثقافة بلاده ،وتشجيع حركة التنقيب في مواقع عديدة من عمان للتفتيش عن المزيد من تراث الأجداد، فضلا عن التطلعات الواضحة لمواكبة التطورات الكونية في مجال الحفاظ على التراث والثقافة باعتبارهما تستحقان العناية والرعاية عبر تسجيل الكثير من المواقع الاثرية والمعالم التراثية العمانية في قائمة التراث العالمي من خلال منظمة “اليونسكو”.
شخصية موسوعية جمعت بين الدبلوماسية والسياسة والثقافة، وهو ما يجعل رؤاه وأراءه موضع اهتمام وعناية وتحليل عميق يلامس الحقيقة والواقع.. يؤمن بالتغيير باعتباره واحدا من سنن الحياة، اذ لا يمكن فرض سياسات على الأجيال الجديدة لا ترغبها ، وذلك في إشارة الى وضع الرؤية المستقبلية لعمان 2040 م التي شارك في اعدادها الشباب والخريجون الجدد من كافة الارجاء العمانية – من المحافظة الى الولاية والقرية – الى جانب شخصيات عالمية متخصصة من اقتصاديين وخبراء وأكاديميين بعد الانتهاء من صياغتها مرتكزة على رؤى الأجيال القادمة في اطار من المصارحة والشفافية.. وهو ما حدث بالفعل نهاية العام 2018م.
اكتسب من عمله بوزارة الخارجية خبرة في التفاعل مع المنظمات، وكذلك الزيارات الخارجية، واللقاءات مع رؤساء الدول، والاطلاع على أنماط متنوعة من الحياة في كل أنحاء العالم تقريبا، وهو ما شكل لديه ثراء معرفيا واسعا انعكس على عمله لاحقا مترجما كل هذه الحصيلة المعرفية والخبرة في وزارة التراث والثقافة. فقد اهتم بالمتاحف والمكتبات في دولة ذات تاريخ ثقافي عريق عاملا بالفعل على ترسيخ دور المؤسسات الثقافية والتراثية.
يعتقد بأن تغييرات جذرية لحقت بالثقافة ليس فقط في الدول العربية وانما في العالم كله حيث أصبحت الأن تتدفق عبر الهواتف المحمولة دون حاجة الى عناء البحث عن كتاب أو للذهاب الى السينما لمشاهدة أحد الأفلام، ولا المسرح لمشاهدة مسرحية معينة.. وان كان تأثير هذه الأجهزة لا يخلو من إيجابيات لكن سلبياته أكثر بكثير.
عمل صحفيا “ذات مرة” قبل ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما محاورا لشخصية عظيمة في حجم الراحل السلطان قابوس، وكان حواره حينها متمحورا أنذاك حول قضايا الشباب ، وكيف يفكرون، ويتطلعون الى المستقبل، كما سأله عن بعض الأمور الخاصة به في فترة شبابه هو شخصيا؟
وكان “الصحفي هيثم بن طارق” قد أعد أسئلة مكتوبة منتويا توجيهها وتسجيل الإجابات، ولكنه تحول الى حوار مفتوح.. فلم يكن السلطان الراحل قابوس تقليديا ، ولا يحب الأساليب التقليدية المألوفة.
هو من محبي كرة القدم.. وقد شغل منصب رئيس اتحاد كرة القدم العماني في الفترة من 1983 م حتى 1986م،وفي دورة الخليج السابعة التي كانت مسقط قد احتضنتها تولى هيثم منصب نائب رئيس اللجنة العليا المنظمة، وترأس اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الاسيوية الشاطئية الثانية التي أقيمت في مسقط العام 2010م، وهو من هواة لعبة الهوكي.. كما شغل منصب الرئيس الفخري لجمعية رعاية الأطفال المعاقين ورئيس جمعية الصداقة العمانية – اليابانية.
حصل على العديد من الاوسمة خلال مسيرته العملية من بينها وسام الرسوخ الذي تسلمه من السلطان الراحل قابوس بن سعيد في العام 2010م ،ووسام الشرف الكبير من جمهورية النمسا ،ووشاح الملك عبد العزيز ال سعود من الطبقة الأولى، ووسام الفارس الفخري الكبير للصليب الملكي الفيكتوري من المملكة المتحدة، كما منحته اكاديمية “طشقند” للعلوم والدراسات الإسلامية في اوزبكستان شهادة الدكتوراه الفخرية تقديرا لدعمه حركة الثقافة والمثقفين في العام 2018م.
يحرص جلالة السلطان هيثم على مطالعة بعض الصحف اليومية ،والاستماع الى أخبار العالم في نشرات الاخبار الرئيسية. كما يحب قراءة المجلات المتخصصة في مجالات العلوم والطب على وجه الخصوص، وكل ما هو جديد في هذا المجال، حيث يتابع عددا منها أسبوعيا وشهريا.
….
لم تكن صدفة أن يختار السلطان الراحل قابوس بن سعيد “السيد هيثم بن طارق” لخلافته، فقد سبق أن اختاره قبل سبع سنوات من وفاته – في ديسمبر من العام 2013م – ليكون رئيسا للجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية “عمان 2040م”..وتحميله مسئولية الاشراف على تنفيذها، وهي المسئولية التي كان من المنطقي أن يتولاها المجلس الأعلى للتخطيط أو الوزير المعني بالشئون الاقتصادية أو حتى رئيس الوزراء – الذي هو السلطان نفسه – وليس لوزير التراث والثقافة، لكن الدلالة التي ربما لم يلتفت اليها أو يعلق عليها الكثيرون حينها هي أن السلطان قابوس كان يتوسم في شخصية السيد هيثم صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الأمانة.. وهي نفس الحيثيات التي وردت في خطاب “الوصية”.. أمانة القيادة لسفينة المستقبل العماني.. كما أن شخصية السلطان هيثم الموسوعية تمازج بين الثقافة والسياسة والدبلوماسية المدعومة بانفتاح واسع على واقع العصر ومقتضياته.. والواعية بكيفية توظيفها في خدمة المصالح الوطنية العمانية في هدوء وثبات دون ضجيج ممقوت أو ثرثرة فارغة.
وانطلاقا من استشعار جلالة السلطان هيثم أمانة المسئولية كان حرصه البالغ على وضع الشباب في صدارة المشاركين في مؤتمرات الرؤية المستقبلية 2040م ،وأن عليهم تحديد شكل وأبعاد هذا المستقبل الذي يريدونه لأنفسهم على أن تكتفي الحكومة بمهمة تنفيذ تلك الطموحات وفق خطط وبرامج تنفيذية تسهل متابعتها.
شاءت الأقدار أن يضع السلطان الراحل مسئولية اعداد “الرؤية المستقبلية” والاشراف على تنفيذها على كاهل خليفته السلطان هيثم ربما لشعوره بدنو الأجل المحتوم، ولا يمانه العميق بأنه الشخص المناسب المؤتمن على مستقبل الوطن العماني، وهو ما بدا يقينا في “وصية قابوس” الى مجلس العائلة ومجلس الدفاع الأعلى؟.. ولعلها من المفارقات أن يتزامن موعد بدء تنفيذ أولى الخطط الخمسية للرؤية مع توقيت انتقال الحكم من السلطان الراحل قابوس الى السلطان هيثم.. الفارق فقط عام واحد تقريبا.. فموعد بدء تنفيذ أولى خطط الرؤية كان الأول من يناير 2021م بينما كانت الوفاة وانتقال السلطة في الحادي عشر من يناير 2020م!
….
نص الوصية التي تركها السلطان الراحل يحمل حيثيات اختياره لجلالة السلطان هيثم بن طارق ليكون خليفة له في تولي مسئولية الحكم في سلطنة عمان؟
فعملية انتقال السلطة يحددها النظام الأساسي للدولة في مرحلتين : الأولى أن يختار مجلس العائلة خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان من بين أفراده الشخص الذي يرونه مناسبا لشغل المنصب.. والثانية أنه في حالة عدم الاتفاق على شخص معين يتم فتح الوصية التي تركها السلطان الراحل على أن يقوم “مجلس الدفاع الأعلى” بتثبيت من أشار اليه السلطان الراحل في وصيته.
لكن مجلس العائلة قرر في اجتماعه تجاوز الخيار الأول مكتفيا “بالاجماع” بالذهاب مباشرة الى الخيار الثاني.. وهو فتح الوصية – بنسختيها المودعتين في مسقط وصلالة – والتي تضمنت تسمية السيد هيثم بن طارق مرفقا بها حيثيات اختياره حيث يقول الراحل في وصيته نصا : “ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير.. ثم قال : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه..اصحاب السمو اعضاء مجلس العائلة الحاكمة الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد حملكم النظام الأساسي للدولة أمانة عظيمة وكلفكم مهمة جسيمة باسناده الى مجلسكم الموقر مسئولية تحديد من تنتقل اليه ولاية الحكم، وذلك خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان.
وحيث ان مجلسكم الموقر لم يتفق على اختيار سلطان للبلاد في المدة التي حددها النظام الأساسي للدولة، فاننا ، بعد التوكل على الله، ورغبة منا في ضمان استقرار البلاد، نشير بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق ، وذلك لما توسمنا فيه من صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الامانة.
واننا اذ نتضرع الى الله العلي القدير أن يكون عند حسن الظن الذي دعانا الى اختياره، والثقة التي دفعتنا الى تقديمه فاننا ندعوكم جميعا الى مبايعته على الطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره.. وأن تكونوا له السند المتين والناصح الأمين، معتصمين دائما تحت قيادته بوحدة الصف والكلمة والهدف والمصير، متجنبين كل أسباب الشقاق والفرقة، والتنابذ والتناحر، عاملين بقوله تعالى: “ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”…صدق الله العظيم.. وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
توقيعه بخط اليد وباللون الأحمر: قابوس بن سعيد.. كما أنه كتب اسم السيد هيثم بخط اليد وباللون الأحمر أيضا.
ما جرى من أحداث متتالية عقب الوفاة كان مثيرا للانتباه بسلاسته وأسلوبه الحضاري الفريد في الانتقال الهادئ للسلطة.. فمجلس العائلة يوافق “بالاجماع” على من ورد اسمه في الوصية قبل فض أختامها ما قطع الطريق على كل رهانات الفتنة؟.. خلال ساعات معدودات تم اعلان الوفاة.. وتسمية الخليفة..ودفن الجثمان الطاهر.. وخطاب التنصيب للسلطان الجديد.
ففي قاعة عمان بمنطقة البستان بالعاصمة العمانية مسقط ، أدى جلالة السلطان هيثم بن طارق قسم اليمين سلطانا جديدا لسلطنة عمان صبيحة يوم السبت الحادي عشر من يناير هذا العام 2021م في جلسة مشتركة لمجلس عُمان – الذي يتكون من مجلس الشورى المنتخب ومجلس الدولة المعين – وبحضور كل من الوزراء والمستشارين وكبار قادة القوات المسلحة والأجهزة الامنية – وذلك تنفيذا لأحكام المادة السابعة من النظام الأساسي للدولة.
وينص القسم حسب النظام الأساسي للدولة: “بسم الله الرحمن الرحيم.. أقسم بالله العظيم أن أحترم النظام الأساسي للدولة والقوانين ،وأن أرعى مصالح المواطنين وحرياتهم رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه”.
….
خطابان هامان للسلطان هيثم بن طارق بن تيمور أل سعيد بدأ بهما ولايته حمل كل منهما دلالات ترسخ الاعتقاد بصواب اختياره خلفا للسلطان الراحل، فقد بدا مدركا لحجم المسئولية الملقاة على عاتقه وجسامتها، ووعيه بالتحديات والصعوبات – وربما المخاطر أيضا – التي تفرضها المرحلة القادمة، وحرصه على تحفيز كل العمانيين وحشد مساعيهم وجهودهم ليكونوا على قلب رجل واحد من أجل الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات طوال العقود الماضية، وارساء منطلقات قوية لنهضة متجددة تضيف الى تلك المكتسبات رصيدا جديدا يكون مدعاة للفخر والاعتزاز الدائمين.
ففي خطابه الأول – عقب أدائه يمين القسم القانوني – حدد ملامح المرحلة المقبلة في سلطنة عمان الكاشفة لتوجهاتها الداخلية والخليجية والإقليمية والدولية.. فقد التزم بالسير على نهج السلطان الراحل القويم والتأسي بخطاه التي خطاها بثبات وعزم إلى المستقبل والحفاظ على ما أنجزه والبناء عليه ،وأنه سوف يترتسم خطاه مؤكدا على الثوابت التي اختطها لسياسة عمان الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام سيادة الدول وعلى التعاون الدولي في مختلف المجالات، كما أن عمان ستبقى داعية ومساهمة في حل الخلافات بالطرق السلمية وباذلة الجهد لإيجاد حلول مرضية لها بروح من الوفاق والتفاهم، وأن عمان ستواصل مع أشقائها قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبها ولدفع منجزات مجلس التعاون قدما إلى الأمام، وأنها سوف تستمر في دعم جامعة الدول العربية وتتعاون مع أشقائها زعماء الدول العربية لتحقيق أهداف جامعة الدول العربية والرقي بحياة مواطنيها والنأي بهذه المنطقة عن الصراعات والخلافات والعمل على تحقيق تكامل اقتصادي يخدم تطلعات الشعوب العربية، وأنها ستواصل دورها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة تحترم ميثاقها وتعمل مع الدول الأعضاء على تحقيق السلم والأمن الدوليين ونشر الرخاء الاقتصادي في جميع دول العالم وستبني علاقاتها مع جميع دول العالم على تراث عظيم خلفه السلطان الراحل ، أساسه الالتزام بعلاقات الصداقة والتعاون مع الجميع واحترام المواثيق والقوانين والاتفاقيات التي وقعتها مع مختلف الدول والمنظمات، مشددا على أن ما تحقق لعمان من أسس ثابتة أقيم عليها بنيان هذه الدولة العصرية ما كان ليتم ويبقى الا بفضل القيادة الفذة للسلطان الراحل أولا، ثم بالتفاف الجميع حول قيادته واعتزازهم بما تم انجازه تحت قيادته الحكيمة. وأن ذلك ما كان ليتم أيضا لولا ثبات ورسوخ الأمن وانتشار الأمان في ربوع عمان ،والذي ما كان ليتحقق إلا بوجود قوات مسلحة جاهزة وعصرية ومعدة إعدادًا عاليًا بكل فروعها وقطاعاتها، وأجهزة أمنية ضمنت استقرار البلاد واحترام المواطنين، معربا عن تقديره لدورها العظيم لضمان منجزات ومكتسبات عمان ،ومؤكدا على دعمه لها واعتزازه بدورها، لافتا الى ضخامة المسئولية الملقاة على عاتقه – والتي هي تكليف تاريخي ثقيل قبل أن تكون تشريفا – حيث يؤكد بأن “الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة”، وهو ما يستوجب من الجميع العمل من أجل رفعة عمان وإعلاء شأنها والسير قدما نحو الارتقاء إلى حياة أفضل.
لكن خطابه الثاني “المتلفز” الموجه للشعب العماني بالتحديد كان بمثابة برنامج متكامل للعمل الوطني داخل البلاد حيث ركز على اعادة هيكلة الجهاز الاداري للدولة.. وتحديث منظومة التشريعات والقوانين.. وتبسيط الاجراءات.. وحوكمة الاداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة لضمان الانسجام مع متطلبات الرؤية المستقبلية وأهدافها، و تطوير أليات صنع القرار الحكومي بما يخدم المصلحة الوطنية العليا، ومراجعة أعمال الشركات الحكومية لتطوير أدائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الاسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية، وتوفير البيئة الداعمة والمحفزة للبحث العلمي والابتكار في سلم الاولويات الوطنية، وصون كرامة الافراد وحقوقهم وحرياتهم.. وترسيخ سيادة القانون وضمان حرية التعبير، والتشديد على أن رسالة عمان للسلام ستظل تجوب العالم حاملة ارثا عظيما وغايات سامية.. تبني ولا تهدم وتقرب ولا تباعد.
في هذا الخطاب ، يؤكد السلطان هيثم على النقاط التالية: أولا – ان الشباب هم ثروة الامم وموردها الذي لا ينضب ، وسواعدها التي تبني ،وهم حاضر الامة ومستقبلها، وتأكيد الحرص على الاستماع لهم وتلمس احتياجاتهم واهتماماتهم وتطلعاتهم.. وثانيا – وضع الاهتمام بقطاع التعليم بمختلف انواعه ومستوياته وتوفير البيئة الداعم والمحفزة للبحث العلمي والابتكار في سلم أولوياته الوطنية، وتزويده بكافة اسباب التمكين باعتباره الاساس الذي من خلاله سيتمكن ابناء عمان من الاسهام في متطلبات المرحلة المقبلة.. وثالثا – الوقوف بارادة صلبة وعزيمة لاتلين على اعتاب مرحلة مهمة من مراحل التنمية والبناء التي جسدت تطلعات كافة العمانيين في الرؤية المستقبلية عمان 2040م ،والذين اسهموا في وضع توجهاتها واهدافها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يجسد الرؤية الواضحة والطموحات العظيمة لمستقبل اكثر ازدهارا ونماء ،مدركين في ذات الوقت التحديات التي تمليها الظروف الدولية الراهنة وتأثيراتها على المنطقة وعمان…رابعا – اتخاذ الاجراءات اللازمة لاعادة هيكلة الجهاز الاداري للدولة وتحديث منظومة التشريعات والقوانين واليات وبرامج العمل واعلاء قيمه ومبادئه وتبني احدث اساليبه ،وتبسيط الاجراءات و حومكمة الاداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة لضمان الملاءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات الرؤية المستقبلية واهدافها، والعمل على مراجعة اعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة بهدف تطوير ادائها ورفع كفاءتها وتمكينها من الاسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية ،والاهتمام بدراسة اليات صنع القرار الحكومي بهدف تطويرها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا.. خامسا – الحرص على توجيه الموارد المالية التوجيه الامثل بما يضمن خفض المديونية وزيادة الدخل، وتو جيه الحكومة بكافة قطاعاتها لانتهاج ادارة كفؤة وفاعلة تضع تحقيق “التوازن المالي” وتعزيز التنويع الاقتصادي واستدامة الاقتصاد الوطني في أعلى سلم أولوياتها، وان تعمل على تطوير الانظمة والقوانين ذات الصلة بكل هذه الجوانب ..سادسا – التشديد على أهمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ،وقطاع ريادة الاعمال لاسيما المشاريع التي تقوم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، وتدريب الشباب وتمكينهم للاستفادة من الفرص التي يتيحها هذا القطاع الحيوي ليكون لبنة اساسية في منظومة الاقتصاد الوطني.. وسابعا – تطوير اطار وطني شامل للتشغيل باعتباره ركيزة اساسية من ركائز الاقتصاد الوطني يستوجب استمرار تحسين بيئته في القطاعين العام والخاص ،ومراجعة نظم التوظيف في القطاع الحكومي وتطويره ،وتبني نظم وسياسات عمل جديدة تمنح الحكومة المرونة اللازمة والقدرة التي تساعدها على تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد والخبرات والكفاءات الوطنية ،واستيعاب أكبر قدر ممكن من الشباب وتمكينهم من الاخراط في سوق العمل لضمان استقرارهم ومواكبة تطلعاتهم استكمالا لاعمال البناء والتنمية.. وثامنا – التأكيد على مبدأ سيادة القانون في دولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، قوامها العدل وصون كرامة الافراد وحقوقهم وحرياتهم بما في ذلك حرية التعبير التي كفلها النظام الاساسي للدولة.. وتاسعا – الحرص على أن تتمتع المرأة بحقوقها التي كفلها القانون ،وأن تعمل مع الرجل جنبا الى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها ،وتأكيد الرعاية الدائمة لهذه الثوابت الوطنية التي لا محيد عنها ولاتساهل بشأنها.. وعاشرا – تسجيل كلمة ثناء وعرفان لجميع العاملين بالقوات المسلحة العمانية في القطاعات العسكرية والامنية ،القائمين على حماية الوطن والذود عن حياضه، والدفاع عن مكتسباته ،مؤكدا على رعايته لهم واهتمامه بهم لتبقى هذه القطاعات الحصن الحصين والدرع المكين في الذود عن كل شبر من تراب الوطن من أقصاه الى أقصاه، والاشادة بالقطاعات المدنية الانتاجية منها والخدمية التي تحرص على ديمومة النشاط الاقتصادي وتوفير الخدمات اللازمة للمواطنين والمقيمين، وكذلك القطاع الخاص.
تلك المحاور والنقاط في مجملها جاءت مشكلة ميثاقا للعمل الوطني يحدد الاتجاه الصحيح لسفينة الوطن العماني وقاعدة انطلاق نحو أفاق مستقبل واعد بالمزيد من التنمية والرفاه لمواطنيه وفق بوصلة لا يحكمها الهوى يحمل أمانة توجيهها السلطان هيثم بن طارق بعناية وثقة ووعي وادراك لمخاطر الابحار وسط امواج مؤاتية أحيانا ومعاكسة في أحيان اخرى..وذلك كله في ظلال ماض ملهم وارث يدعو للفخر والاعتزاز.
…..
جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور أل سعيد – سلطان عمان – متزوج من السيدة الجليلة عهد بنت عبد الله بن حمد البوسعيدي التي أنجب منها أربعة أبناء ولدان وبنتان .. ذي يزن بن هيثم و بلعرب بن هيثم وثريا بنت هيثم واميمة بنت هيثم.
ولدت السيدة الجليلة عهد بنت عبدالله بن حمد البوسعيدية في محافظة مسقط لأسرة يعود نسبها من والديها الى الامام احمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيدية في عمان ..حصلت على دراسات عليا في علم الاجتماع.. والدها هو السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي وكيل وزارة سابق في وزارة العدل والاوقاف والشئون الإسلامية وتولى أيضا منصب محافظ مسندم.
تلقت السيدة الجليلة تعليمها بمراحله المختلفة في مدارس سلطنة عمان ثم أكملت دراستها الاكاديمية خارج السلطنة في تخصص علم الاجتماع الذي كان ولايزال واحدا من ابرز اهتماماتها ثم سعت بعد ذلك لتنويع معارفها باللغتين العربية والانجليزية ومازالت تواظب على القراءة والاطلاع في مجالات الاجتماع والتاريخ والثقافة والادب والفن.
كرست حياتها لعائلتها وتنشئة أبنائها على مبادئ الاخلاق والقيم العمانية الاصيلة الى جانب تعميق معرفتها واطلاعها على العلوم الإنسانية والاجتماعية التي ترى انها مدخل علمي لفهم المجتمعات الإنسانية والسلوك الاجتماعي.. وهي تولي اهتماما خاصا بالعمل الإنساني والاجتماعي وتشغل قضايا الاسرة والتعليم والبيئة حيزا كبيرا من اهتماماتها.
صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم هو الابن الأكبر للسلطان هيثم بن طارق مولود في الحادي والعشرين من أغسطس 1990م ..ويعد وفق التعديلات التي جرت مؤخرا على النظام الأساسي للدولة في سلطنة عمان انه “ولي العهد” على الرغم من عدم تنصيبه رسميا حتى الان.. وهو يتولى حاليا منصب وزير الثقافة والشباب والرياضة ويحمل درجة البكالريوس في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد ببريطانيا.. وحصل على درجة الماجستير في التاريخ من نفس الجامعة، كما تخرج مؤخرا من اكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية برتبة ملازم ثان يوم الثالث والعشرين من يوليو 2022م الذي يصادف ذكرى تولي السلطان الراحل قابوس مقاليد الحكم في العام 1970م ..وسبق لذي يزن ان بدأ حياته العملية دبلوماسيا في سفارة عمان بلندن.
أما صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم فهو الابن الثاني للسلطان هيثم بن طارق من مواليد 1997م ..تزوج من السيدة معاني بنت عبدالله وهي ابنة خالته حيث كان قد سبق الإعلان عن عقد قرانهما في الخامس عشر من يونيو 2021م وهو متخصص في الهندسة المدنية. .وللسلطان هيثم ابنتان هما “ثريا وأميمة”.
