شهرية ..مستقلة

أوجاع العرب وكوابيس المستقبل 4

1

أعد الملف: العزب الطيب الطاهر

إعادة بناء الذات شرط جوهرى لاختراق الواقع العربى الراهن ..والأمة في خطر!

المال النفطي والمخططات الغربية وإسرائيل لعبوا دورا مركزيا في إيقاظ بعبع التخلف الديني و”تطييف” المجتمعات العربية

الأنظمة المتخلفة والمستبدة وضعت ثرواتها النفطية في خدمة القوى الخارجية وكممت أفواه شعوبها وتآمرت على ثورات الربيع العربي؟؟

العربي يقرأ بمعدل ست دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة..و19% من السكان يعانون من الامية!

العلم والثقافة مدخلان وحيدان للخروج من التطرف والتخلف..ودونهما تبقى شعوبنا رهينة العتمة والتجهيل

عندما  سألت  “الزمن” الدكتور قيس العزاوى  – المفكر العربى العراقى والأستاذ بجامعة السوربون فى باريس والذى عمل قبل سنوات مندوبا دائما لبلاده لدى الجامعة العربية- عندما سألته عن رؤيته لأهم التحديات والمخاطر التى تواجه العرب فى المرحلة الراهنة ..وعما إذا كانوا قد عجزوا عن التعاطى معها بكفاءة تحد من تأثيراتها وتداعياتها السلبية؟ جاءت اجابته على النحو التالى :

 يقول العزاوي :قبل أن نشيرالى تحديات بناء الذات الحضارية ،نذكر أن التطرف والصراع الطائفي والإرهاب،والحروب الأهلية والوجود الأجنبي والفساد والاستبداد  هي آفات تنخر في جسم المجتمعات العربية وتشكل تحديات خطيرة لنموه وتطوره وانعتاقه من واقعه المتخلف،بيد أن النجاح في الانعتاق من تلك التحديات يشترط إعادة بناء الذات أولاً، وهذا لا يكون متيسراً إلا بوعي الواقع العربي المتخلف ..فالأمة في خطر والمقتل يصيب أية أمة في علمها وتعليمها وتربيتها ..وتكاد  أوجاعنا كلها أن تختصر في ميادين العلم والتربية والتعليم، فلن تتوفر إرادة التغيير وتتجدد القدرة لمواجهة التحديات دون النهوض في الميادين الثلاثة سالفة الذكر.

   إن العرب – باستثناء لبنان وفلسطين- اليوم يعتمدون أنظمة وبرامج تعليم متخلفة ومتراجعة هي الأسوأ على المستوى العالمي، ونسبة القراءة حسب تقارير منظمة اليونسكو هي الأدنى عالمياً،فالعربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً فقط بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً ،وذلك على الرغم من إننا “أمة إقرأ” !!

ونسبة الأمية مخيفة في صفوف العرب، حيث تذكر اليونسكو أن واحدا من كل خمسة عرب بالغين يعاني من الأمية اي 19 في المئة من السكان في حين لا تتجاوز نسبة الأمية في الأراضي الفلسطينية ثلاثة بالمئة .

وإذا تركنا الأمية ونسبة القراءة جانباً، فإننا نعاني من تخلف الأنظمة التعليمية العربية وتدني نوعية التعليم  ورداءة الكتب التي يتم تدريسها في المدارس الدينية والعمومية وعدم تجسيدها المبادئ الإسلامية الانسانية أو تلبيتها لمعايير العصر،وتناقضها مع مبادئ العهد الدولي لحقوق الانسان عندما تنتقص من المختلفين دينيا وطائفياً وعرقيا وثقافيا وجنسيا ووطنياً! ..

 تلك هي مساوئ محنة التعليم التي ابتلينا بها، ومن يقرأ بإمعان الكتب المدرسية العربية سيشهد العجب العجاب، وربما يفهم حجم الكارثة التي يصر المتخلفون على إبقائها في أنظمتنا التربوية والتعليمية، ولن نتحدث عن طرق التدريس بعد أن أصبحت مهنة التعليم تجارية باستقالة المدارس العمومية من وظيفتها التربوية والأخلاقية والتعليمية.

أما في مجال البحث العلمي ،فإن إسرائيل مثلاً تنفق حالياً 4,2 في المائة من دخلهاعلى الأبحاث والتطوير،بينما لاتنفق الدول العربية في هذا المجال أكثر من نسبة 0,3 من دخلها القومي .

  التعليم هو الداء وهو الدواء، ولا مجال لوجود امة دون العلم، يكفي ان الاسلام بدأ بسورة العلق “إقرأ ” ، حتى أن الامام علي (رضى الله عنه) فضل العلم على الصيام والصلاة فقال :العالم أفضل من الصائم القائم الساجد .. وكان يردد:  ما الفخر إلا لأهل العلم انهم على الهدى لمن استهدي أدلاء….

وأمتنا العربية التي تضع اليوم خمس مواردها البشرية في عالم الجهل وتهمش نصف سكانها من النساء، وتبعد ما استطاعت الشباب عن لعب دور في قيادة المجتمع والسلطة وليس لها رغبة في القراءة، هي في الواقع تخرج برغبتها وإرادتها من الحضارة الانسانية بل من الوجود بأسره .. هكذا علمتنا التجربة الانسانية، فلا تقدم دون معرفة، ولا وعي بدون طموح بالرقي، ولا تغيير دون ارادة .

وثاني التحديات التي تواجهها الامة العربية هوالتحدي الثقافي، فالثقافة وحدها هي التي تنتشل الانسان من الضلال.. ومن المؤسف أن الثقافة التطرفية والعنفية والتكفيرية هي الرائجة عربياً ،وهي المسئولة عن كل حالات الاحتدامات الدينية والطائفية، هذه الاحتدامات الدموية التي انتشرت بين شعوبنا كالنار في الهشيم ،واخترقت الحدود لتصبح ظاهرة مغولية جديدة عابرة للقارات تنذر بالتدمير لكل من يخالفها باسم الإسلام،في ظل هذه الأجواء تعمقت الازمة الثقافية العربية وغابت لغة الحوار وعدم قبول الاختلاف،وأثر ذلك على كل جوانب الحياة الاجتماعية والأدبية والفنية، فقد تراجع الشعر والأدب والقصة، وتباطأت حركة الترجمة، ويكاد المسرح أن يختفي من حياتنا، وتخلفت الموسيقى ،وغاب الطرب وتراجعت الأغنية، ويهتت الفنون التشكيلية وهرب الخطاطون خارج الوطن العربي، فمن مهازل القدر أن يلجأ أشهر أربعة خطاطين في العالم الاسلامي الى فرنسا!

 واختفى كل ما حققته سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي من ازدهار ثقافي وتعطش للمعرفة وانفتاح على العالم وعلى الثقافات الانسانية، وبدأت السلطات الدينية والمؤسسية بعملية تكميم الأفواه فلا نسمع سوى المحرمات والممنوعات.. فما الذي بقى من ثقافة العرب؟!سؤال لم تنفك النخبة الثقافية العربية من طرحه لكونه يمثل جوهر الأزمة، فالعلم والثقافة هما المدخلان الوحيدان للخروج من التطرف والتخلف، ودونهما تبقى شعوبنا رهينة العتمة والتجهيل…

لقد أثر عدم اكتساب العرب المعارف الحديثة والتكنولوجية، وفشلهم في مهمة تطوير البحث العلمي، وعدم تواصلهم مع الثورة الالكترونية والرقمية التي استوعب شطرا منها الشباب العربي أخذين باستخدام شبكات التواصل الإجتماعي الأساسية والمعلوماتية.. أثر ذلك بنحو كبير على انشطار المجتمع العربي، فلم يستغل مثقفونا الطفرات العلمية والالكترونية لفهمها واستيعابها لإغناء الثقافة العربية من ناحية ،وتمتين التواصل مع الشباب من ناحية ثانية، فانقطع التواصل المعرفي بين أجيال المجتمع العربي…رحم الله استاذنا السيد يسين الذي كان يردد أن المشكلة الحقيقية للثقافة العربية المعاصرة هي ما يمكن تسميته الرفض العربي للحداثة الغربية وانقطاع النخبة الثقافية عن التجدد المعرفي.

   إن الشعوب تمتلك أقدارها اذا شاءت، وقد كانت ثورات الربيع العربي فرصة ذهبية للتواصل الاجتماعي بين شباب الثورة والنخبة الثقافية العربية للانعتاق من قيود الجهل والاستبداد وتوفير القدرة للقيام بمهمة التجدد الحضاري، بيد ان عوامل داخلية وخارجية لعبت ادوار الكابح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لهذه الثورات.

وكان للمال النفطي والمخططات الغربية – ناهيك عن إسرائيل- أدوار مركزية في إيقاظ بعبع التخلف الديني وتطييف حياة المجتمعات العربية وتفتيت جهودها وتمزيقها داخلياً باحتراب مكوناتها ،وعلى الرغم من كل ذلك فإن الربيع العربي- مهما حاولوا عرقلته أو إبطاء انعكاساته- بدأ يطل بكل قيمه الانسانية ومبادئه التحررية ويؤثر قسراً على الانظمة المتخلفة والمستبدة التي وضعت كل ثرواتها النفطية في خدمة القوى الخارجية وتكميم افواه شعوبها والتآمر على ثورات الربيع العربي.. 

تعليق 1
  1. سيد آدم يقول

    مأساة الدول العربية في رداءة النظام التعليمي لديها. .. مشكلة العرب في بعض الحكام الذين لجهلهم لم يقدروا قيمة العلم وانه هو الوحيد القادر على أن ينتشل الامة كلها من التخلف والفقر والتراجع….. حوار جميل

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق