رئيس التحرير: عاصم رشوان
كان ذلك قبل سبعة وعشرين عاما من الأن حين توجهت بصحبة أستاذي وصديقي فاروق أباظة رحمه الله لمقابلة رئيس جهاز مدينة السادس من أكتوبر سعيا للحصول على شقة بعد محاولات لاقناعي بأنها مدينة واعدة،وأن بناياتها متميزة – تشبه حي المعمورة في الإسكندرية – حيث كنت قانعا حينها بشقتي المستأجرة في حي الهرم.
استقبلنا المهندس رئيس الجهاز بحفاوة بالغة،فقد كانت تربطه بعائلة الاباظية صلة نسب كما علمت لاحقا،واستدعى مدير العلاقات العامة موجها إياه باصطحابي الى الحي المتميز لمعاينة النماذج المتاحة أنذاك،والتي كانت تتراوح ما بين فيلات مساحتها ستمائة مترا كاملة التشطيب سعرها مائة وستين ألف جنيه،ووحدات سكنية مساحة مائة وخمسة وخمسين مترا بسبعين ألف فقط،وأخرى مساحة مائة وواحد وعشرين مترا سعرها واحد وثلاثين ألفا…جميعها كاملة التشطيب ..يعني تسليم مفتاح..ماعليك الا أن تدفع ربع المبلغ فقط للاستلام،والباقي يتم تقسيطه على عشرين عاما.
ورغم أنني كنت أعمل في بلاد النفط الخليجية ،وأمتلك من القدرة المالية ما يجعلني أسدد مقدم الفيلات الا أن هاجس انهاء خدماتي في الخليج ظل يرافقني طوال الثلاثين عاما التي قضيتها هناك حيث لم أشعر بالطمأنينة يوما واحدا،ولعل ذلك ما جعلني أنهى نفسي “الامارة بالسوء” عن اختيار نموذج الفيلات رغم تحفيزات الأستاذ فاروق أباظه رحمه الله،وكانت حجتي في ذلك:ماذا لودفعت المقدم ولم أتمكن من سداد بقية الأقساط بسبب انهاء عملي في الخليج؟
كانت تلك بالطبع نظرة متشائمة للغاية حيث باستطاعتي إعادة بيعها اذا عجزت عن سداد الأقساط..لكن طبيعتي الاحترازية في التعاملات – خاصة المادية منها – ونشأتي الصعيدية السوهاجية التي لاتشجع على نظام التقسيط هي التي حكمت ألية اتخاذ القرار بالاكتفاء بأصغر النماذج المتاحة حينها!
لم تكن مدينة السادس من أكتوبر في تلك الفترة مرغوبة من جانب غالبية المصريين الذين اعتادوا على البحث عن مسكن لهم وسط الأسواق المكتظة بالبشر،فلم يكن هناك تكالبا كما هوالحال الان،حتى أن المحلات التجارية كانت متاحة مباشرة من الجهاز”دون وسطاء أو وساطات” بمبلغ أربعة ألاف جنيها بنفس النظام – تدفع 25% والباقي على 20 سنة- وهي ذات المحال التي وصلت أسعارها حاليا الى بضعة ملايين!!
تعرضت لانتقادات شديدة من جانب العديد من الأصدقاء والاقارب الذين اتهموني بأنني لاأريد أتواصل معهم بالزيارة حيث لايمكنهم “السفر” الى تلك المدينة الصحراوية بينما كانت قناعتي الجديدة بأنها مدينة المستقبل،فقد وجدت فيها ضالتي المنشودة باعتباري واحدا من هواة الهدوء الذي قد يظن البعض أنه مبالغ فيه الى حد السكون!
في احدى البنايات في هذا الشارع من الحي المتميز كنت الساكن الوحيد..ولم يكن عدد السكان في جميع بنايات الشارع يتجاوز العشرة ؟…هدوء شديد يستهويني بينما قد يزعج الاخرين..كنت أقضي قسطا وافرا من اجازتي السنوية في تلك الشقة “المنتجع” يزورني ما بين الحين والأخر – متكبدا عناء المشوار الطويل ما بين مصر القديمة والمدينة الجديدة – رفيق دربي الصديق العزيز الزميل الأستاذ سيد زكي شاكر رحمه الله..وعدد من الأصدقاء الأخرين.
في كل عام يمضي كنت أتابع التغيرات في الشارع الذي بدأ يستقبل عددا من الوافدين الجدد الذين اقتنعوا ربما بوجهة نظري بحتمية الابتعاد عن ضجيج القاهرة، حتى اصبح مأهولا بالسكان والمولات التجارية ..والباعة الجائلين أيضا!
لكن أكثر ما يثير الانزعاج اليوم هو ظاهرة انتشار الكلاب الضالة التي يبدو أنها تكاثرت الى حد تشكيل قبائل وعشائر يغير بعضها على بعض ما بين الحين والأخر،ويغير جميعهم على السكان في كل الأحيان الذين أصبحوا ينامون ويستيقظون على نباحهم،وهو ما أدى الى انتشار اللافتات التحذيرية في مدخل العمارات التي تؤكد على السكان ضرورة اغلاق الأبواب الحديدية “حتى لاتدخل الكلاب الضالة”…نعم هذا ما ألت اليه الحال في الحي الذي كان متميزا!
وان كانت العادة السائدة في مصر هي تغيير أسماء الأحياء والشوارع – وفق مقتضيات الحال- كأن نقول على سبيل المثال “شارع أبوالعيون السوداء..أبو العيون العسلية سابقا”.. فلماذا لانعيد تسمية هذا الحي بحيث تصبح “حي الكلاب الضالة..المتميز سابقا”؟!