شهرية ..مستقلة

صفقة القرن بين الحقيقة والخيال

0

بقلم: عبدالله حسن

فجأة أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عشية انتخابه رئيسا للولايات المتحدة منذ عامين انه يستعد لإطلاق مفاجأة غير متوقعة أسماها صفقة القرن ، وكشف عن هذه الصفقة المزعومة بأنها ستشهد إنهاء الصراع العربي الإسرائلي القائم منذ سبعين عاما وتسوية كافة القضايا المتعلقة به وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق الحلم الفلسطيني والعربي بإنهاء هذا الصراع ليعيش الاسرائيليون والفلسطينيون جنبا الي جنب في سلام وتنتهي الكراهية والعداوة بين العرب وإسرائيل . 

وكان من الطبيعي ان يتشكك العالم أجمع ليس العربي فقط ولكن كافة دول العالم في نوايا الرئيس الأمريكي وقدرته علي إتمام هذه الصفقة وهل من الممكن ان تتحقق بعد هذه السنوات من الصراع الرهيب أم أنها أوهام أراد أن يجذب بها اهتمام العالم خاصة الدول التي تشكك دائما في قدراته وإمكانياته وتؤكد أنه لايصلح لرئاسة دولة كبري مثل الولايات المتحدة تنفرد بالقوة العظمي في العالم بعد أن انهار الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي لتنتهي الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة ويغرق في مشاكله الداخلية والخارجية وتنفرد الولايات المتحدة بالقوة لتصبح هي القوة العظمي الأولي في العالم .

ويري المراقبون والسياسيون في أمريكا وخارجها ان ترامب  وصل الي البيت الأبيض بعد انتخابات رئاسية شاقة دون ان يكون له تاريخ سياسي سابق او بصمات سياسية في قضايا داخلية أوخارجية ولم يعرف عنه طوال تاريخه السابق علي رئاسته لأمريكا انه اشتبك  في أية معارك سياسية أو حزبية مطروحة علي الساحة السياسية الأمريكية ، ويكشف تاريخه أنه قضي حياته في التجارة والبيزنيس وكون ثروات طائلة من شركاته الكبري المنتشرة في امريكا  وبعض دول العالم واتهمه خصومه بأنه كان يتهرب من دفع الضرائب المرتفعة علي هذه الثروات ، ولم يسجل له موقف سياسي حول أية قضية مطروحة علي الساحة السياسية ، ومن هنا كانت الشكوك حول صفقة القرن التي أعلن عنها لحل القضية الفلسطينية التي أصبحت بندا دائما علي جدول مباحثات الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا علي الرئاسة الأمريكية قبله مع الرؤساء العرب باعتبار أن هذه القضية هي محور الصراع في منطقة الشرق الأوسط منذ أعلن الرئيس الامريكي هاري ترومان عام ١٩٤٨ عن أقامة دولة اسرائيل . واحتدم الصراع في الشرق الاوسط بين اسرائيل التي تحظي بالرعاية الكاملة من الولايات المتحدة وبين الدول العربية  التي توحدت أحيانا وتفرقت أحيانا أخري وضاعت القضية الفلسطينية وسط هذه الخلافات والتوجهات السياسية والمصالح واستمر الشعب الفلسطيني يدفع الثمن غاليا ويفقد الأمل في إقامة دولته المستقلة بسبب الصلف والممارسات الاسرائيلية التي تسعي لتهويد القضية الفلسطينية وتمزيق الأراضي الفلسطينية وهدم منازل الفلسطينيين وإقامة المستوطنات اليهودية عليها وتسكين اليهود فيها .

وكان الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل في جميع المحافل الدولية ومساندتها عسكريا وتزويدها بأحدث ما أنتجته المصانع العسكرية الامريكية  أحد اسباب الغرور الاسرائيلي والشعور بالقوة وبالتالي تنفذ خططها التوسعية علي حساب الأراضي الفلسطينية وزيادة الرقعة السكانية التي يقيم فيها الاسرائيليون وتزايدت أحلامها التوسعية فاتجهت شرقا ناحية سيناء واحتلتها في عام ١٩٦٧ باجتياح عسكري مباغت ووصلت القوات الإسرائيلية الي الضفة الشرقية لقناة السويس واحتلت شبه جزيرة سيناء بالكامل التي تبلغ مساحتها ٦١ ألف كيلو متر مربع أي حوالي ثلاثة أضعف مساحة اسرائيل التي تبلغ ٢٢الف كيلو متر مربع ، كما احتلت في نفس الوقت هضبة الجولان السورية لتكون في مأمن من أي هجمات علي تل ابيب من مرتفعات الجولان ، وتغير الوضع في المنطقة بعد هذا الاحتلال الغاشم والنكسة التي تعرضت لها مصر وسوريا والتي استعدت اسرائيل لتنفيذها في غياب القوة العربية التي كانت تمزقها الخلافات والمشاحنات التي استغلتها اسرائيل للبدء في تحقيق أحلامها بامتداد اراضيها من النيل الي الفرات . وتغيرت قواعد اللعبة في منطقة الشرق الاوسط بسبب الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها مصر وسوريا باحتلال جزء من أراضيهما ، وكان لابد من تغيير هذا الواقع والثأر من اسرائيل بألحاق هزيمة عسكرية بها علي الرغم من تفوقها العسكري وإمداد الولايات المتحدة لها بأحدث الاسلحة ، وحين اتفقت مصر وسوريا علي تحقيق هذا الهدف وكان التخطيط العسكري والتفاهم بينهما حدثت المفاجأة الكبري في يوم السادس من اكتوبر عام ١٩٧٣ واقتحم الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف الحصين الذي أقامته اسرائل علي امتدا جبهة قناة السويس وقام الجيش السوري بقصف القوات الاسرائيلية في هضبة الجولان السورية وتحقق النصر العسكري علي الجبهتين المصرية والسورية ، وكان من الطبيعي ان تنزعج الولايات المتحدة لهذه المفاجأة وتتحرك لانقاذ اسرائيل ، وتتدخل امريكا وترعي مفاوضات  مباشرة بين الجانبين العربي والاسرائيلي وتشارك مصر في هذه المفاوضات بينما رفضتها باقي الدول العربية وفي مقدمتها سوريا والعراق ونجح الغرب في دق إسفين بين العرب فقاطعوا مصر بعد ان قام الرئيس السادات رحمه الله بمبادرة تاريخية بزيارة القدس بعد انتصاره علي اسرائيل ليدعو للسلام وانهاء هذا الصراع العربي الإسرائيلي  . وتشكل معسكر الممانعة الرافض للتحرك المصري وشكلت جبهة الصمود والتصدي ضد اتفاقية كامب ديفيدالتي وقعتها مصر واسرائيل عام ١٩٧٩ وكانت تتضمن جزءا خاصا بالانسحاب من سيناء وجزءا آخر بانسحاب اسرائل من كافةالاراضي العربية في سوريا وفلسطين واقامة حكم ذاتي للفلسطينيين لمدة خمس سنوات يتم بعدها الاستفتاء علي قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ، وقبلت اسرائيل ورفض العرب وازدادت الخلافات العربية حتي استشهد السادات علي ايدي الجماعات الاسلامية المتطرفة وازدادت القضية تعقيدا وفرضت اسرائيل سيطرتها الكاملة علي هضبة الجولان واعتبرتها جزءا من ارض اسرائيل لدرجة ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نيتنياهو دعا مؤخرا مجلس الوزراء الاسرائيلي كاملا للاجتماع في هضبة الجولان واعتبارها أرضا إسرائيلية ، ومع تغيرات الاوضاع السياسية والأمنية في منطقة الشرق الاوسط بتنفيذ الخطة الامريكية لإقامة الشرق الاوسط الكبير ونشر ماسمي بالربيع العربي بدعوي نشر الديمقراطية في المنطقة العربية  ، تدهورت الاوضاع في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وتزايدت الخلافات العربية وكانت كل هذه التداعيات الماساوية لصالح اسراييل بالدرجة الاولي ، واتضحت ملامح الخطة الامريكية بإضعاف الدول العربية وإغراقها في المشاكل الداخلية والسياسية والاقتصادية ودفعت بقوي التطرّف في سيناء وزودتها باحدث الاسلحة في محاولة للسيطرة علي جزء منها واقامة دولة للفلسطينيين عليها وتنتهي القضية الفلسطينية للابد ، وخاض الجيش المصري حربا شرسة ضد هذه القوي المتطرفة ودفعت مصر الثمن غاليا من دماء الشهداء وأحبطت هذاالمخطط .وفي نفس الوقت يعلن الرئيس الامريكي نقل سفارة بلاده من تل ابيب الي القدس تنفيذا للوعد الذي قطعه علي نفسه اثناء حملاته الانتخابية وهذا القرار لم يستطع الرؤساء الأمريكيون الذين سبقوه ان يتخذوه منذ أن أعلنه الكونجرس الامريكي نفسه عام ١٩٩٥.

وبعد كل هذه التطورات الدراماتيكية في الصراع العربي الاسرائيلي يأتي الرئيس ترامب ليتحدث عن صفقة القرن بإنهاء هذا الصراع الدامي والمرير بقرار مفاجئ دون الكشف عن اي تفاصيل أخري ، فلاشك ان مثل هذه الصفقة تكون بعيدة تماما عن الواقع والحقيقة لتصل الي مرحلة الخيال الامريكي ..والعالم كله ينتظر هل يمكن ان تكون هذه الصفقة حقيقية ام تظل خيالا يراود صاحبها فقط؟!

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق