شهرية ..مستقلة

لابيادير .. باليه يوحي بوجود مؤامرة

0

بقلم: أمنية طلعت

“لابايادير” أو “راقصة المعبد”، باليه يأخذك إلى عالم الدراما الخاصة به من أول لحظة بعد رفع الستار، فنحن لا نستمع إلى أي مقدمات موسيقية تمهدنا للأحداث، وإنما نشتبك معها فوراً على أنغام موسيقى متوترة تعبر عن حدث درامي موحي بوجود مؤامرة، فنرى الفارس سولور الذي أدى دوره الراقص أحمد يحيى وهو يحاول إجبار الدرويش الفقير ماداييفا (محمد فضلون) كي يدبر له لقاءً بحبيبته راقصة المعبد نيكيا (آنيا أهسن).

تعد هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها فرقة باليه القاهرة عرض “لابايادير”، الذي استوحى قصته الروسي سيرجي هوديكوف من الأساطير الهندية منذ 130 عاماً، ولحن موسيقاه ليودفيج مينكوس، بينما أخرجه مصمم عروض الباليه ماريوس بيتيبا حيث كان من أعماله الإبداعية الأخيرة، التي أخرجها لإحدى خشبات مسارح سانت بطرسبورج، وأعيد تقديمه على مسرح مارينسكي العريق، فكان أحد أبرز الأحداث الثقافية آنذاك، ليتوقف عرض هذا الباليه لسنين طويلة، يرى بعدها النور مرة أخرى عام 1904 على خشبة مسرح البولشوي، مع تغييرات وتعديلات عديدة على أيدي أشهر الفنانين من بينهم مصمم عروض الباليه البارز يوري غريغوروفيتش، الذي حاول أن يعيد للباليه بريق الماضي بقراءة بيتيبا، لكنه حافظ على أسلوب المايسترو المتميز.

وربما كان عرض باليه “لابايادير” من العروض النادرة في ريبورتوار الباليه العالمي، فهو لا يعد واحداً من العروض المتكررة على مسارح العالم، فكان مثل عرضه عام 2013 على البولشوي، عودة له بعد انقطاع عقود طويلة، ليأتي عرضه على خشبة المسرح الكبير في دار الأوبرا المصرية في شهر مايو 2018، إضافة عالمية ملحوظة.

أحداث الباليه

ينقسم عرض باليه لابايادير إلى فصلين، تدور كل أحداثه تقريباً في الفصل الأول من خلال ثلاث مشاهد، حيث نشاهد الفارس سولور في المشهد الأول بعنوان (أمام معبد النار المقدسة)، وهو يحاول إقناع الدرويش الفقير مادييفا أن يدبر له لقاءً بمحبوبته نيكيا راقصة المعبد الأولى، ولكنه يخاف ويحذر سولور من الكاهن البراهمي الذي يحب نيكيا بدوره ويرغب في الحصول عليها لنفسه، لكن سولور يصر على رغبته ويعلن عدم اكتراثه للكاهن.

في هذا المشهد لا نشاهد تابلوهات راقصة بقدر ما نشاهد تمثيل راقص للأحداث على أنغام موسيقى درامية متصاعدة وفقاً للتعبير الخاص بالحدث، إلى أن تخرج نيكيا راقصة المعبد إلى معشوقها سولور، فنشاهد تابلوه رومانتيكي راقص يجمع بينها وبين حبيبها الفارس.

وينتهي المشهد بكشف الكاهن البراهمي للقاء العشيقين من بعيد، في الوقت الذي يحذرهما فيه الدرويش الفقير فيفترقا.

في المشهد الثاني نتابع دراما حركية على أنغام موسيقى مينكوس، فنرى الكاهن البراهمي وهو يخبر الملك راجا بعلاقة سولور بنيكيا، فيخطط الملك لتزويجه من ابنته جامزاتي، وبالفعل يقع الفارس تحت تأثير إغراءات الملك وجمال ابنته الملحوظ فيوافق على الزواج.

يبرع مصمم الرقصات بيتيبا في رسم دراما مشاجرة تنشب بين جامزاتي ونيكيا، عندما تستدعيها الأولى للتحقق من علاقتها بسولور، حيث حركات إيمائية راقصة تعبر بدقة عن الصراع بين الفتاتين، وتحاول نيكيا في نهاية المشهد أن تقتل الأميرة بخنجرها لكن الخادمة تنقذ الأميرة وتلوذ راقصة المعبد بالفرار.

نشاهد في المشهد الثالث لوحات راقصة مختلفة، فالملك راجا يقيم حفل زفاف لابنته وسولور في حديقة قصره، لتتوالى العروض الراقصة مثل رقصة التمثال الذهبي التي قدمها الراقص محمد حامد بشكل منفرد وبمهارة فائقة ساعده عليها الكريوغراف المخصص لها، حيث جمعت الرقصة بين انسيابية حركات الباليه الكلاسيكية وحدة خطوات الرقص المعاصر التي تعبر عن شخصية تمثال، فخرجت أشبه بخطوات الإنسان الآلي الحديثة، وهذا يدل على رؤية بيتيبا السابقة لعصره.

نشاهد أيضاً رقصة الزواج الاحتفالية التي قدمها مجموعة من صوليستات فرقة باليه القاهرة، والتي جمعت بين الخطوات الكلاسيكية للباليه وبعض الخطوات المستوحاة من الرقص الهندي وإن لم يكن كثيراً.

أما الرقصة الأكثر حيوية وإبهاراً في هذا المشهد، فقدمتها الصوليست المصرية الشهيرة سحر حلمي مع مجموعة من الراقصين، وهي رقصة هندية مبهجة، لم تدعمها موسيقى متأثرة بالأنغام الهندية، وإنما موسيقى كلاسيكية غربية بحتة.

ينتهي المشهد برقصة نيكيا أمام ضيوف الحفل وهي تحمل سلة من زهور استطاعت أن تدس فيها الأميرة جامزاتي حية سامة،  لينتهي المشهد بلدغ الحية لراقصة المعبد، ورفضها الترياق من يد الكاهن البراهمي بعد أن تنكر لها حبيبها، مفضلة الموت على أن تحيا بدونه.

لم يقدم الفصل الثاني أحداثاً يمكن التعرض لها، فقط يشعر سولور بالذنب ويقرر أن يعيش تحت تأثير المخدرات لينسى أحزانه، فيذوب في سلسلة من الأحلام التي يستدعي فيها حبيبته نيكيا، من خلال ثلاث رقصات كلاسيكية.

الموسيقى والرقصات

رغم أن باليه لابايادير مستوحى من الثقافة الهندية وتدور أحداثه على أرض الهند، إلا أن موسيقى مينكوس لم تتضمن إشارات تُذكر لأي استلهام لموسيقات أو إيقاعات هندية، بل إنه ألف الموسيقى بأسلوب رومانتيكي ذو طابع أوروبي صرف، يغلب عليه نمط موسيقى الرقصات الأوروبية الشهيرة مثل البولكا والفالس النمساوي والأداجيو.

كما أننا عندما نتعرض إلى أسلوب الرقص، فسنلاحظ أن هذا الباليه يمثل حلقة وصل بين الباليه الكلاسيكي والرومانتيكي حتى عندما استلهم بعض الخطوات الراقصة الهندية في تابلوه الرقصة الهندية.

في الفصل الثاني والمشهور باسم “مملكة الظلال”، نلاحظ أن بيتيبا الذي سيطرت عليها الحركات الإيمائية الدرامية في الفصل الأول، قرر أن يقدم عروضاً راقصة صرفة من خلال ثلاث رقصات باليه كاليسكية جمعت بين الرقصات الجماعية والأداء المنفرد، كنوع من الاستعراض الراقص الصرف والذي لا يعبر عن أي أحداث، فلا يشارك الفارس سولور وراقصة المعبد نيكيا سوى مرة واحدة باعتبارهما من صوليستات الفرقة، وقد بنى بيتيبا هذا المشهد على اللون الأبيض الحالم ليعبر عن الحياة الأخرى التي ذهب إليها سولور ليقابل حبيبته بعد أن ماتت.

ويعد الفصل الثاني أو مشهد مملكة الظلال من عروض الباليه الشهيرة والتي تُقدم بشكل منفصل كثيراً في عروض الجالا، لما يحتوي عليه من جماليات الحركات الكلاسيكية للباليه.

الملابس والديكور

في الوقت الذي عبر الديكور فيه عن الأجواء الهندية بشكل صريح وواضح، حيث بناء المعبد الهندي وشكل الغابات المحيطة به، ثم حديقة قصر الملك وما تجمعه من ثريات وطنافس ذات خطوط هندية وتماثيل للآلهة الهندية والأفيال، جاءت الملابس تجمع بين الخطوط الهندية التقليدية وبين أزياء الباليه الكلاسيكي الغربي، وهو ما تضامن مع الموسيقى الغربية الصرفة، وجعل المشاهد لا يغوص في عمق المكان الذي تدور أحداث القصة على أرضه، وبدى الباليه في صورته النهائية كأي باليه كلاسيكي آخر لا يحمل أي سمات خاصة بالشرق، وهذا ما يتأكد في الفصل الثاني الذي يتشابه في الكريوجراف الخاص به والباليه الروسي الشهير “بحيرة البجع”، ما يدعو للتساؤل في سبب اختيار الثقافة الهندية كملهم للقصة والأحداث، طالما لا يوجد تأثر واضح بهذه الثقافة في الموسيقى والتابلوهات الراقصة.

في النهاية من الصعب محاكمة عرض باليه ينتمي لأواخر القرن التاسع عشر، فبالتأكيد كانت تحكم إنتاجه ظروف وآليات مختلفة، ويكفي أن نقول أن “لابيادير”، من العروض التي تحمل متعة خالصة لعشاق فن الباليه من موسيقى ورقص.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق