عاشق مصر؟
الجلسة الحوارية بدأت بمقدمة لمديرها الزميل الأستاذ العزب الطيب الطاهر – نائب رئيس تحرير الاهرام السابق – والذي أعرب عن سعادته البالغة بوجود الأستاذ سيف فى القاهرة .
ويضيف العزب :أقول سعيد لأننى عرفته منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى عندما كنت أعمل فى احدى الصحف القطرية ،وكان من حسن حظى اننى اتابع شئون مجلس التعاون ،وكان هو خير معين لى فى مهمتى الصحفية فكثيرا ما منحنى حوارات مهمة ثرية عبرت عن مواقف مغايرة للمواقف السائدة غالبا فى الحوارات التقليدية.. والاهم من ذلك أنه رجل يتسم بدماسة الخلق والبساطة الشخصية الزاخرة بالعمق الثقافى والفكرى فضلا عن العمق السياسى.وهذا ما رصدته ودعانى الى أن ارتبط معه بعلاقة ليست بين صحفى ومصدر ولكن بين أثنين حدث بينهما تفاعل ايجابى فيما بين الكيمياء الخاصة بهما.
وعندما يكون الاستاذ سيف معنا فى القاهرة فذلك بالنسبة لى شخصيا مؤشر لمعانى كثيرة ..أولها ان هذا الرجل – وأنا أعلم أنه متعدد الزيارات الى القاهرة- عاشق لمصر وشعبها ومدرك لتاريخها ودورها الاستراتيجى الذي كثيرا ما دافع عنه باستماته على الرغم من ان البعض اساء فهمه عندما كان يدافع عن هذا الدور فى مراحل كثيرة خلال وجوده فى منصبه كأمين عام مساعد للشئون السياسية فى مجلس التعاون الخليجى؟؟
والحقيقة أنني سعدت بقراءة كتاب بعنوان “حوارات مع الشيخ سيف المسكري” يجسد أفكار الرجل وشخصيته وحيويته وديناميكيته السياسية وتفاعله ليس مع قضايا عمان وليس مع قضايا الخليج ولكن مع قضايا الامة، وكثيرا مادفع أثمانا نتيجة هذه القناعات بهذه الأمة وقضاياها؟؟
فى بداية هذه الجلسة الحوارية أود ان أقول اننا نبدأ هنا بكلمة قصيرة للاستاذ سيف يحدد فيها رؤيته بشكل عام لعنوانها “مهددات الأمن القومى بشكل عام”،ثم نأتي لاحقا الى الحديث عن مستقبل مجلس التعاون،وذلك رغم اننى اعلم انه لا يريد ان يفصل بين العرب والخليج باعتبار ان كليهما ينتمى الى منظومة واحدة، وانا معه فى هذا ،الا أن اعتبارات تتعلق ببعض المميزات النسبية والخصوصية لمنطقة الخليج العربية قد تجعلنا نركز على مستقبل هذه المنطقة الحيوية ..ثم نبدأ فى طرح الأسئلة بعون الله قصيرة محددة المعنى وواضحة الأبعاد ،متوقعين أجاباته كما اعتدناها.
من الخطير الى الأخطر؟
يقول المسكري: بداية أود الإشارة الى حدثين مهمين جدا حصلا فى المنطقة الاسيوية، الحدث الاول أخذ اهتماما إعلاميا عالميا كبيرا ، وهو لقاء بين رئيسي كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ،وهو ما يعد نقله نوعية غاية في الأهمية منذ انتهاء حرب الكوريتين عام 1953م .
بينما الحدث الثانى لم تأخذه وسائل الاعلام اطلاقا لأنه يبدو انه “يراد له” أن يكون كذلك ،وهو اللقاء بين رئيس وزراء الهند وزعيم الصين حيث تم الاتفاق بين الزعيمين على ان يلتقيا كل عام فى بلد “بالتناوب” بحيث يكون بعيدا عن الضجة الإعلامية!
هذان الحدثان كنت اتمنى علينا – كعرب وخليجيين – ان نستفيد منهما فى ظل المخاطر والتحديات التى تمر بها المنطقة العربية ومنطقتنا نحن فى الخليج بشكل عام ،فمايميز الحدثين ان هناك روح وطنية عندما يأتى الشعور بالخوف الذي يدركه الشخص أو الجهة أو الدولة بما يدفع الى وضع حصانة من الداخل ،وهو نفس الشعور الذي دفع للحدث الثانى – لقاء الرئيسين الصينى ورئيس وزراء الهند- حيث شعرا ايضا أن هناك خطورة وهجمة غربية امريكية بشكل خاص على منطقة القارة الأسيوية،و بالتالى عليهما ان يلتقيا..وكنت أتمنى على أصحاب القرار عندنا في الدول العربية أن يأخذوا العبرة من هذين الحدثين عند تناول موضوع التصدع في الأمن القومى؟
والعبرة من هذين الحدثين بالنسبة للنظام الأقليمى العربى هي كيف يمكن ان يستفيد العالم العربى أو الوطن العربى بالأحرى منهما ، خاصة ان اللقاء الأول بين عدوين ثم اللقاء الثاني بين خصمين؟!
والحقيقة أن بداية التصدع في الأمن القومى بدأ سنة منذ العام 1982 م ،وهو الاحتلال الاسرائيلي لعاصمة عربية هي “بيروت” ..ورغم أننا نسينا هذا الحدث المزلزل، الا أننا لايمكن أن ننسى مسارات التاريخ باعتبار ما حدث آنذاك شكل بداية مرحلة.فالأحتلال الاسرائيلى لبيروت كان مزعجا لشعوب أوربية حيث خرجت مظاهرات حاشدة منددة في كل من إيطاليا وفرنسا ولندن ،دون أن تتحرك شعرة عربية واحدة.
أما التصدع الأخطر فقد وقع في الثاني من أغسطس 1990 م حين غزا العراق الكويت مقارنة بما كاد أن يحصل في سنة 1961م لولا الشعور بالمسئولية ..مسئولية الأمن القومى من قبل مصر والزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي منع حدوث كارثة مشابهة من قبل عبد الكريم قاسم أنذاك،وكان لذلك مغزاه المهم بالنسبة للدور المصري المحوري في حينه،فبدلا من أن نأتى بقوة أجنبية تعبث بالمنطقة كيفما تشاء ارتأت مصر عبدالناصر أن تكون هى رأس الحربة لحماية الامن القومى العربى.
وللاسف الشديد، فالقليل يتحدث عن هذه الحادثة أو الذي استطاع أن يعقد مقارنة بين الحدثين ،ثم جاء الحدث الأخير طبعا الذي هو الأحتلال الامريكى للعراق؟!
وبغض النظر عن النظام الحاكم في العراق أنذاك الا أن الإشكالية الحقيقية تمثلت في أن يأتي من بين العرب من يدفعون بقوى أجنبية لتدمير بلد عربى محوري ،وهي الإشكالية التي لم أتمكن من استيعابها حتى الان فهي التي اوصلتنا الى هذا الأنحدار؟
وبعد تدمير العراق جاء دور سوريا،فمنذ اللحظة الأولى كان شعورى – وكنت اتحدى الجميع في جلسات عامة وخاصة- ان الهدف من هذا العمل الذي حصل والدعم لما يسمى بالمقاومة أو المعارضة السورية هو تدمير سوريا وليس تغيير النظام،وكان يرى الكثيرون بأنني مخطئ ،وكنت أتمنى أن أكون مخطئا “….” لكن الواقع – وللأسف – يؤكد صحة ماذهبت اليه من قراءة مبكرة للمشهد في سوريا؟!
التدمير الممنهج
ثم يأتى الانهيار الأخر المتمثل في تدمير دولة عربية تدميرا ممنهجا على مدى ثلاث سنوات لأسباب لم أفهمها،فضلا عن كونها غير منطقية ولايمكن قبولها والتسليم بصحتها – على الأقل بكم ما عندي من معطيات – لم استطع ان افهم هذه الاسباب وهى ان محاربة ايران يمكن أن تتحقق من خلال اليمن”…” بينما من الجانب الآخر لو اخذنا ايران سوف نرى بانها تتقدم في كل مرحلة حيث تحقق انجازات في منطقة الخليج وحققت انجازا كبيرا في العراق وحققت انجازا أكبر في سوريا ثم اليمن وهكذا….!!!
وبالتالى فنحن نمر بمرحلة خطيرة جدا لاسيما فى ظل غياب ما يسمى “العمل العربي المشترك”،كما أننا نعاني من غياب جامعة الدول العربية،وهو الامر الذي يشكل كارثة بحد ذاته؟..وبهذه المناسبة،أنا لاأملك الا أن أشيد وافتخر بالأمين العام الأسبق للجامعة – الشاذلي القليبي – الذي قدم استقالته حين رأى أن الجامعة تتخذ قرارات لاتتماشى مع قناعاته ..فما أحوجنا اليوم لهذا النوع من الشجاعة في المؤسسات الإقليمية!
اعتقادي أن الجامعة العربية اصبحت مضيعة للوقت ومضيعة للمال ولل….. على الاقل في هذه المرحلة ،ولذلك فالدول العربية بحاجة ماسة الى اعادة النظر في هيكيلية العمل العربى المشترك.