شهرية ..مستقلة

الأزهر الشريف والمؤسسة الدينية العمانية .. أيقونة التسامح والوسطية – الجزء الأول

0

العزب الطيب الطاهر
على مدى نصف القرن الفائت، شهد التعاون بين مؤسسة الأزهر والمؤسسة الدينية بسلطنة عمان أشكالا متنوعة ومتعددة وعميقة من التفاعل الحميم الذى اتسم بالكفاءة فى ظل حرص قيادات المؤسستين وعلمائهما، على الدفع به خطوات متقدمة عبراتفاقيات ومذكرات تفاهم ولقاءات ومؤتمرات وندوات، كانت تعقد تارة فى القاهرة وتار ة أخرى فى مسقط ،الأمر الذى غزل حالة متفردة من التفانى لخدمة الإسلام والسعى إلى تخليصه مما طرأ عليه فى العقود الأخيرة من موجات عنف وتطرف وتناقض بين مذاهبه على أسس عرقية للأسف على الرغم من أنه – أى الإسلام – يرفض كل هذه المعطيات الدخيلة على جوهره الحقيقى .
فى الصفحات التالية، نتعرف بعمق أكثرعلى مختلف جوانب التواصل والتفاعل والتعاون، بين مؤسسة الأزهر فى مصر والمؤسسة الدينية فى سلطنة عمان ،عبر حوارين مطولين مع شخصيتين لهما دراية كبيرة بالملف، أولا لأنهما من رجالات الأزهر، وثانيهما لتخصص أحدهما فى علوم الإسلام، وهو الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق، وثانيهما متخصص فى تاريخ العرب هو الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة المصرى الأسبق، وكلاهما عمل فى الجامعات العمانية أستاذا، أى تفاعلا عن قرب مع مفردات الواقع والفكر والثقافة فى السلطنة، فإلى حصيلة هذين الحوارين .


الوكيل السابق للأزهر الشريف
سلطنة عمان نموذج للتسامح الديني وقبول الأخر

عشر سنوات من عمرى أمضيتها فى عمان كانت الاخصب علميا وانسانيا

المصحف الإلكترونى ..المشروع العماني الأضخم لخدمة القرأن الكريم

دورات متخصصة لتدريب الكوادر الوعظية من الجنسين فى مجال الدعوة والإرشاد الدينى

التعاون يمتد إلى المناهج والبحوث والداراسات وإصدار المشروعات البحثية المتعلقة بالفكر الإسلامي

هدفنا المشترك إبراز الهوية الحضارية الإسلامية وحماية الأسس العقيدية من أالمؤثرات السلبية

العزب الطيب الطاهر
تتجلى أهمية الحوار مع الدكتور عباس شومان – واسمه بالكامل عباس عبد الله عباس شومان – وكيل الأزهر السابق فى أنه واحد من الأعمدة المهمة التى يرتكز عليها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حتى بعد أن غادر موقعه الرسمي..فقد كان خلال ممارسة لمهامه وكيلا للأزهر، مساهما فى صناعة القرارات وتفعيلها بحكم رصيده العلمى الكبير وتمتعه بقدرات إدارية واسعة..و بالطبع إلى جانب قائمة طويلة من المؤلفات فى القضايا الإسلامية المرتبطة بالواقع .
خلال الحوار مع الدكتور شومان، وجدته على دراية كاملة بمختلف ملفات الأزهر، ولديه حرص قوى على النهوض بدوره فى هذه المرحلة التى تواجه فيها الأمة الإسلامية جملة من التحديات والتهديدات الخطيرة التى تهدف – ضمن أهداف عديدة -الى تمزيق وحدة صفها والتأثيرعلى هويتها، وخلق صراعات مذهبية فيما بين دولها وعلمائها…وفى هذا السياق، ينظر الى التواصل بين المؤسسة الدينية فى مصر والمؤسسة الدينية فى سلطنة عمان بحسبانه يشكل “صمام أمان” فى التصدى لهذه المخاطر.
…..
طيبة وهدوء
ولأنه عمل فى سلطنة عمان – معارا من جامعة الأزهر لمدة عشر سنوات فى الفترة من 1998م وحتى 2008 م – فقد بدأت اللقاء متسائلا عن تقييمه لهذه الفترة ؟
يقول: أحسبها من أهم فترات حياتى أكاديميا وانسانيا، فقد التحقت بكلية التربية في صلالة التابعة لمحافظة ظفار جنوب البلاد أستاذا للفقه والشريعة الإسلامية، الى جانب ثلة من أساتذة الأزهر فى هذه الفترة، والذين عملوا بنفس كليتى الى جانب كليات وأماكن أخرى ..ومنهم الدكتور شوقى علام الذى أصبح مفتيا للديار المصرية ،والدكتور مختار جمعة الذى أصبح وزيرا للأوقاف ،والدكتور ابراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر السابق ..وغيرهم من الزملاء الأعزاء الذى جسدوا بعمق تعاون الأزهر مع الشقيقة سلطنة عمان.
وأستطيع أن أقول بارتياح – يضيف – عما خلصت اليه من هذه التجربة أن الشعب العمانى يتسم بالطيبة والهدوء والبعد عن الصخب..وقد تفاعلنا معه بكافة شرائحه،وشاركنا فى تخريج عدة دفعات من الطلاب ،وألفت الى أننى لم اكتف بتدريسى الفقه والشريعة الإسلامية، وإنما ساهمت فى تدريس تخصصات أخرى كالعقيدة والتفسير واللغة العربية، فأنا من خريجى كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالأزهر الشريف التى تدرس كافة التخصصات ما يميزها عن غيرها من كليات الأزهر التى تركز على التخصصات الدقيقة فيها كأصول الدين واللغة العربية والشريعة والقانون ..فهى – أى كلية الدراسات الاسلامية والعربية – تدرس فى مرحلة الإجازة العالية ( الليسانس ) المناهج بطريقة شمولية تتضمن كل ما يدرس فى الكليات السابق الإشارة اليها.
وكنت خلال وجودى بكلية التربية بصلالة أستمتع بتدريس التخصصات الأخرى غير التى تخصصت فيها ما كان يدعونى الى المزيد من القراءة المكثفة والموسعة للإعداد لمحاضراتى للطلاب ..وهوأمر كان – وما زال – يستهوينى ومحببا إلى ما أسهم فى تنشيط ذاكرتى فيما يتعلق بقراءاتى ودراساتى السابقة،فضلا عن توسيع أفقى العلمى والأكاديمى.
تقارب الشعبين
أسأل الدكتور شومان عما رصده خلال فترة عمله بسلطنة عمان من ملامح المشهد الدينى هناك ؟
يجيب : بادى ذى بدء أشير الى أن الشعب العمانى هو أقرب لطبيعة الشعب المصرى،خاصة فيما يتعلق بالتدين الفطرى، فلاتظهر عليه ملامح التشدد أو كثرة الحديث فى الشأن الدينى بحسبان أن ذلك جزء من فطرته وتكوينه، ولم أرصد لدى المواطن العمانى جدلا أو صخبا فى التعاطى مع مسائل الدين، فهو يقتصر على مسائل العبادة وأداء الصلوات ويركز جهده على ممارسة الحياة الطبيعية فى سياق من التعامل الحسن ،وهو جزء مهم فى السلوك الدينى بل لعله يكون واحدا من عوامل الاستقرار التى تتسم بها السلطنة على أساس أن الدين ليس وظيفة ، ولايتعين فى ضوء ذلك أن نشغل كل وقتنا بالحديث عنه، فذلك غير مطلوب فى الإسلام ،ولكن يتعين التركيز على الحياة بكل مفرداتها الإيجابية التى تجعل المسلم قويا ومتفاعلا مع حركة مجتمعه بالذات على صعيد العمل وإتقانه والسلوك الرشيد.. فهل يتصور البعض أن الرسول صلى الله عليه وسلم فى عصر بعث رسالته وتأسيس المجتمع الإسلامى الأول كان يركز فقط على الحديث بصحابته الذين يقومون بتسجيلها ،وكأن ذلك هو ديدنه ؟ وذلك بالتأكيد لم يكن صحيحا ،فقد كان صلى الله عليه وسلم يمارس جميع الأعمال التى كان يمارسها الناس فى ذلك الوقت ،فقد روى عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنه كان صلى الله عليه وسلم “يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه” وفى رواية أخرى تقول : ويعمل ما يعمل الرجال فى بيوتهم ..ماكان إلا بشرا من البشر كان يفلى ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ” ..كما كان صلى الله عليه وسلم يحدث صحابته ويؤمهم فى الصلاة ، ويعمل فى التجارة ومارسها قبل النبوة ،وكان ينهى الناس عن الإنقطاع عن العبادة وترك العمل ،وكلنا يتذكر أنه حينما رأى رجلا منقطعا فى المسجد لايكاد يخرج من مسجده فسأله عما إذا كانت له أسرة ؟ فأجاب بنعم..وعندما سأله عمن يقوم بإعالتهم قال : أخى ..فعلق الرسول صلى الله عليه وسلم عليه : هو أعبد منك ..وهذا مؤشر على المفهوم الحقيقى للتدين الذى يمزج بين العبادة والعمل ،ولايقتصر على العبادة فحسب ،وثمة ظاهرة فى هذا السياق تسود بيننا اليوم حيث يقوم البعض بإثارة موضوعات جدلية وهامشية فى الدين لاتقدم ولاتؤخر فى جوهره الذى ينهض بالأساس على السلوك الإيجابى والتفانى فى العمل الى جانب القيام بالعبادات..ففى وقت العمل يكره أن يكثر المسلم من السنن، والأفضل أن يلتزم بأداء الفرائض حتى لايتم تعطيل العمل.
لاتناقض مذهبى
ولم يرصد الدكتور شومان خلال سنوات عمله بسلطنة عمان التى امتدت الى عشر سنوات أى ملامح لتناقض مذهبى ، لاسيما فى ظل الالتزام الرسمى بالمذهب الإباضى مع وجود مذهب سنى شافعى ومذهب شيعى فى بعض المناطق ..وحول نظرة الأزهر الشريف للمذهب الإباضى؟ يقول ردا على سؤال فى هذا الشأن : فى حقيقة الأمر المذهب الإباضى هو السائد فى السلطنة لكن منطقة الجنوب تنتمى الى المذهب الشافعى ..والأزهر كمؤسسة علمية يعترف بالمذهب الإباضى ضمن اعترافه بثمانية مذاهب إسلامية ..وينهض هذا الاعتراف على أساس تقييم المذهب من جهة العلم الذى يتضمنه دون النظر الى خلفيته السياسية.. فالأزهر ليس شيعيا،وعلى الرغم من ذلك يعترف بمذهبين من مذاهب الشيعة – هما الشيعة الزيدية والشيعة الإمامية – مثلهما مثل المذهب الحنفى والمالكى والشافعى والحنبلى الى جانب المذهب الظاهرى لأن ما ورد فى المذهبين يقترب كثيرا من مذاهب أهل السنة، وكذلك المذهب الإباضى الذى هو أشبه بالفقه المقارن ،بمعنى أنه تتعدد فيه الأحوال والأحكام،وهذا دليل على سعته ..والمسائل التى يختلف فيها مع مذاهب أهل السنة محدودة للغاية .. وربما يذهب البعض من أهل السنة بأن ما عبر عنه المذهب الإباضى من جوانب اختلاف قد تكون أقرب الى الإقناع مما ذهبت اليه المذاهب السنية .. وهذه هى الحقيقة العلمية المجردة التى تستوجب على المرء أن ينهل من العلم أينما وجده مادام منضبطا مع القواعد العلمية الثابتة بصرف النظر عمن قاله ..وإذا ما كان ثمة ما يتعارض مع الجانب العقدى له فليتجنبها.
ولكن كيف يتم تدريس المذهب الإباضى فى الأزهرالشريف ؟
يجيب الدكتور شومان موضحا : ما يجرى بشأن المذهب الإباضى وغيره من المذاهب الأخرى – غير المذاهب الأربعة – هو أنه يتاح لطالب الدراسات العليا سواء فى مرحلة الماجستير أم مرحلة الدكتوراة بكليات جامعة الأزهر أن يرجع الى هذه المذاهب لأنها مذاهب صحيحة..فلاحرج للباحث فى هاتين المرحلتين بأن يستشهد بما ورد فى المذهب الإباضى أو غيره من أحكام، لكن هذه المذاهب لاتعلم كتخصصات للطلاب فى هذه المرحلة، وإنما يعلمون أنها مذاهب صحيحة،وأنه لا تسريب عليهم فى الرجوع إليها والأخذ منها ،وإن أرادوا ترجيح رأى أو حكم مما ورد فيها على المذاهب السنية التى تشكل المذاهب الرسمية للأزهر فلاحرج فى ذلك.
تواصل وفعالية
وأسأل الدكتور عباس شومان : ما هى طبيعة التواصل بين الأزهر كمؤسسة سواء على مستوى المشيخة أو الجامعة وبين المؤسسة الدينية فى سلطنة عمان خاصة أن هناك برتوكولا للتعاون يشكل إطارا بين الجانبين ؟
يقول: الأمر لايقتصر على مجرد برتوكول تعاون فحسب ،ولكن هناك لجنة مشتركة للتعاون بين وزارة الأوقاف والشئون الدينية والأزهر الشريف مشكلة على أعلى مستوى من الجانبين يترأسها من الجانب المصرى وكيل الأزهر وتضم كلا من رئيس قطاع المعاهد الأزهرية والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية وغيرهما من المسئولين ..بينما يترأسها من الجانب العمانى الشيخ أحمد بن سعود السيابى الأمين العام بمكتب الإفتاء – وهو بدرجة وكيل وزارة -وتعقد هذه اللجنة التى تأسست فى العام 2000م اجتماعين فى كل سنة على الأقل، أحدهما بمسقط والثانى بالقاهرة على التوالى ويحرص معالى وزير الأوقاف والشئون الدينية بالسلطنة على حضور هذه اللجنة عند اجتماعها في مسقط.. وقدعقدت أول اجتماعاتها فى عاصمة السلطنة يوم الاثنين الموافق 9 -10 – 1422 هجرية الموافق 14 – 12 – 2001م..وترأس الجانب العمانى فيها سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابى الأمين العام بمكتب الإفتاء بينما ترأس الجانب المصرى الشيخ محمود عبد الغنى عاشور وكيل الأزهر الشريف فى ذلك الوقت.
وتهدف اللجنة الى تكريس الهوية العقدية والحضارية الإسلامية نتيجة ما يشهده العلم من تغيرات فى الأيام الأخيرة ،الأمر الذى يستدعى من الأمة الاسلامية إبراز الهوية الحضارية الإسلامية القائمة على الرحمة والمحبة والسلام ،وتعميق التعاون المشترك بين الجانبين بما يحقق خدمة الدين والأمة الإسلامية ، فضلا عن نقل الخبرات فى مختلف المجالات الدينية والعلمية، إسهاما فى تطوير الأداء بين الجانبين، ووفقا لمحضر الاجتماع الأول ، فإن الشيخ السيابى، أكد أهمية التنسيق والتشاور المستمر بين وزارة الأوقاف والشئون الدينية والأزهر الشريف فى ظل العلاقة الممتدة بين البلدين الشقيقين خاصة أن الساحة الإنسانية تستدعى التشاور المستمر بين الأشقاء فى كافة المجالات فى ضوء المتغيرات المعاصرة وكيفية التعامل معها من منظور شمولية تعاليم الإسلام ومبادئه.. بينما أكد الشيخ عاشور عمق الروابط بين الجانبين والعلاقة القوية التى تربط بين حضرة صاحب الجلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وأوضح أننا – دينيا – على حق وأهل الحق أحق بالانتصار ما داموا يتعاونون على البر والتقوى لا عل الإثم والعدوان ..وقد تمخضت مناقشات الاجتماع الأول للجنة عن وضع الأسس والقواعد التى تضمن استمرار الاجتماع مرة واحدة سنويا بالتناوب.. وتم إقرار أن يكون الاجتماع السنوى خلال شهر ديسمبر من كل عام، إلا إذا دعت الحاجة الى عقد اجتماع استثنائى، فيتحدد له الزمان والمكان فى حينه بمعرفة الطرفين، كما أكد الطرفان على أهمية التعاون فى مجال البحوث والدراسات فى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، والتعاون فى إصدار المشروعات البحثية المتعلقة بالفكر المتبادل التى تحتاج الى باحثين متخصصين، ونقل الخبرات الأزهرية فى المجالات البحثية، وخاصة المخطوطات النادرة لاستفادة الجانب العمانى منها، الى جانب تبادل الكتب والدراسات فى مختلف العلوم الاسلا مية والعربية.
وأقر الاجتماع التآخى بين مجلة الأزهر التى تصدر عن مشيخة الأزهر ومجلة التسامح التى تصدرها وزارة الأوقاف والشئون الدينية، من حيث نشر المقالات فى المجلتين فى وقت واحد ،وينوه عن كل ذلك فى كل منهما ،مع تبادل الأقلام بين علماء الدولتين فى كلا المجلتين والاشتراك فى مجلة الأزهر، لاستفادة الباحثين والدارسين العمانيين، كما تم الاتفاق على تبادل إقامة الندوات الهادفة بين البلدين ليقف كل منهما على المستجدات التى تخدم الإسلام من خلال الأبحاث التى يقوم بها المتخصصون والتخطيط المشترك لإقامة الندوات ذات الموضوعات التى تهم الجانبين.
وفيما يتعلق بالتعاون العلمى، فقد تم الاتفاق على وضع هيكل لمدارس القرآن الكريم بالسلطنة ومنهج لهذه المدارس، بحيث تراعى شمولية المنهج جوانب حفظ القرآن الكريم وتجويده، وتأهيل المدرسين العمانيين بالالتحاق بدورات تدريبية،أو الدراسة بمعهد القراءات، وتدريب الكوادر الوعظية من الجنسين بإقامة دورات متخصصة فى مجال الدعوة والإرشاد الدينى، الى جانب مشاركة وزارة الأوقاف والشئون الدينية فى إرسال العلماء لحضور الدورات التدريبية التى تقيمها الأمانة العامة بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ومعادلة شهادة معهد العلوم الشرعية بالكليات المناظرة وفق منهج المعهد.
المصحف الإلكترونى
فى ضوء هذه الأهداف والأنشطة التى تم التوافق عليها ، فإنه من بين أهم أعمال هذه اللجنة فى المرحلة الراهنة – كما يقول الدكتور عباس شومان الذى ترأس الجانب المصرى فيها قبيل مغادرته منصبه – قيام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بمراجعة مشروع طموح للغاية يتم إعداده فى السلطنة يتمثل فى إصدار المصحف الإلكترونى بطريقة تختلف عما صدر من مصاحف مماثلة فى السنوات المنصرمة ..وهو عمل من الضخامة بمكان ..ويقوم المجمع عبر لجانه العلمية المتخصصة بمساعدة الجهات المعنية بالسلطنة على إنجازه.. ويشكل – وفقا لتأكيد الدكتور شومان – قيمة مضافة متفردة فى مجاله، وذلك بما يتيحه من خيارات متعدة تتعلق بطريقة البحث فى هذا المصحف و خطوطه فضلا عن إتاحة خيارات كثيرة فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم ..ونحن سعداء بأن تم اختيار الأزهر لمراجعته، وقد أعلنت السلطنة فى احتفالية كبيرة بمسقط خلال العام 2017 م حضرتها شخصيا إلى جانب شخصيات أخرى من الأزهر ودول إسلامية أخرى، مشروع المصحف الإلكترونى، بعد أن بذل الجانبان المصرى والعمانى جهدا لإخراجه فى درجة عالية من الإتقان ،والحيلولة دون التفريط فى دقة هذا العمل الضخم الذى يمثل نافذة أكثر اتساعا فى خدمة كتاب الله وإتاحة المزيد من تفاعل المسلمين معه فى ظل الثورة الرقمية والتقنية التى يشهدها العالم.
هذا جانب ..أما الجوانب الأخرى من التعاون فتتمثل – كما يقول الدكتور شومان – فى تزويد السلطنة بالعديد من رجال الأزهر الذين يعملون فى وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية تحت مسميات مختلفة، ويتم إرسال العشرات من العلماء خلال شهر رمضان المبارك للانتشار بمساجدها ومدنها ،كما يتم إرسال مبعوثين من الأزهر للعمل فى المدارس والمعاهد وفى التعليم الجامعى.. وهناك تعاون فى مجال المؤتمرات والندوات وطباعة الكتب ونشرها لدى الجانبين ،فضلا عن وجود أعداد لابأس بها من الطلاب العمانيين الذين يدرسون بكليات جامعة الأزهر بالذات الكليات الشرعية .
التسامح وقبول الآخر
وأسأل الدكتور عباش شومان : ألا ترى أن التوافق القائم بين المؤسستين الدينتين فى البلدين يؤهلهما للتعاون فيما بينهما لإحلال معادلة جديدة تقوم على التسامح والقبول بالآخر ورفض التطرف واللجوء الى العنف ؟
يجيب : لقد تحدثنا فى إطار اللجنة المشتركة للتعاون فى هذا الأمر كثيرا ، وثمة تعاون قائم وفعلى فى هذا الصدد على مستوى مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف والشئون الدينية.. واتفقنا على ضرورة الانطلاق به ليتجاوز حدود العلاقة الثنائية بين البلدين الى المراكز الثقافية التابعة لعمان فى بعض الدول الأوربية ..وركزنا على إيجاد الآليات المناسبة والصحيحة لمثل هذه الخطوة ، بعد أن تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ، بالذات فيما يتعلق بكيفية تمويل هذه ا لمراكز وكيفية تعاملها ..وهل هناك فرصة لإتاحة العمل لعلماء الأزهر من خلالها ؟؟
وبالمناسبة كل هذه الإفكار مقبول بها من الجانبين لكن يتم بحثها بتأن لتخرج الى النور متكاملة وواضحة المعالم لتحقيق الأهداف المرجوة منها.. وفى هذا الصدد، فإن المؤتمرات التى ينظمها الأزهر يشارك فيها الجانب العمانى ، كما أن الأزهر يدعى باستمرار الى مختلف الفعاليات الدينية والفكرية التى تنظم فى السلطنة ..وهناك مدارس و معاهد أنشئت فى السنوات الأخيرة فى مرحلة التعليم قبل الجامعى تقدم المناهج الأزهرية.
قلت للدكتور شومان : لقد زار كل من الإمام الراحل الدكتور سيد طنطاوى مسقط فى العام 1997م كما زارها الإمام الحالى الدكتورأحمد الطيب فى 2013 م وقد قوبل كلاهما بترحيب شديد وحميمية عالية فهل يؤشر ذلك الى اهتمام القيادة السياسية فى السلطنة بالأزهر ورموزه وفكره؟
يقول: لاشك أن السلطان العظيم الراحل قابوس بن سعيد كان يقدر الأزهر ورجاله ورموزه وعلمائه، وهو ما رصدته شخصيا خلال فترة وجودى هناك.. فهو من أبرز القيادات العربية التى تقدر علماء الأزهر على نحو خاص ..فهو يحترم العلم والعلماء كثيرا ويقتدى به المسئولون الآخرون لأنهم يحترمونه .. كما لمسنا حب الأزهر ورجاله فى قلوب العامة.
وبالتأكيد، فإن السلطان الحالى حضرة صاحب الجلالة هيثم بن طارق لايقل تقديرا عن السلطان قابوس ، فقد استقبل الدكتور الطيب بمسقط عندما توجه إليها لتقديم واجب العزاء فى وفاة المغفور له السلطان قابوس ،وهو ماكان موضعا لتقدير السلطان هيثم ..وقد رافقت الإمام الأكبر فى هذه الزيارة بصحبة كوكبة من علماء ومسئولى الأزهر .
وسطية النهج العمانى
فى ختام حديثه،يبدى الدكتور عباس شومان , إعجابه بما شهده فى سلطنة عمان بما وصفه بغياب حالة الإفراط أو التفريط فى التعامل مع الدين ،فالمجتمع العمانى يطبق هذا المنهج لأنه بطبيعته مجتمع هادئ ومسالم ولاتثار مشكلات أو صخب إعلامى،وكأننا فى حروب مثلما يحدث فى بعض دول المنطقة التى يتصدى للعمل فى المجال الدينى فيها غير المؤهلين علميا ودينيا مستغلين حالة السيولة السائدة فى بعض البلدان مما ساهم فى تشويه صورة الدين الاسلامى، كما يبدى إعجابه بالأداء الإعلامى العماني الذى يصفه بأنه ناضج وعقلانى، ولايجعل غير المتخصصين يشاركون فى البرامج الدينية التى تقدم عبر هذا الإعلام الذى يعتمد المنهج الوسطى الذى يقوم على الاعتدال والتسامح والقبول بالآخر ..ويعرب عن سعادته لأنه كان ممن شاركوا فى بعض هذه البرامج قائلا : لقد أعجبنى كثيرا تعامل العمانيين مع الدين فالكل يؤدى فروضه ،ولكن فى الوقت ذاته يقومون بواجباتهم الحياتية الأخرى ..وتلك هى سمة المنظور الصحيح للدين فوقت العبادة للعبادة ووقت العمل للعمل .
وقبل أن ينتهى الحوار مع الدكتور شومان أطلعنى على نصوص اتفاقية التعاون العلمى والثقافى بين جامعة الأزهر ومعهد العلوم الشرعية بسلطنة عمان – والتى تشكل واحدة من مرتكزات التواصل العمانى المصرى – وتم التوقيع عليها فى مسقط يوم الثلاثاء التاسع من رمضان 1421 هجرية الموافق الخامس من ديسمبر 2000م من قبل كل من عبد الله بن محمد السالمى رئيس مجلس إدارة المعهد وزير الأوقاف والشئون الدينية فى ذلك الوقت ،والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق ،والذى ينص على أن تقيم جامعة الأزهر والمعهد علاقة تشاور وتعاون فى القضايا ذات الاهتمام المشترك، وينسقان نشاطهما الثقافى والعلمى,على أن يتم اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ التعاون فى نطاق الاتفاق ..كما تنص الاتفاقية على أن مدتها خمس سنوات تجدد تلقائيا ..وبمقتضىاها تقوم جامعة الأزهر بمد معهد العلوم الشرعية بما يحتاجه من أعضاء هيئة التدريس بناء على رغبته وتكون له الأولوية والرعاية ،وذلك عن طريق الإعارة لمدة عام قابل للتجديد ولمدة ست سنوات وفقا للقواعد المنظمة والمعمول بها بجامعة الأزهر ، كما تقوم الجامعة بمد المعهد بالمناهج وطرق التدريس المعمول بها لديها ،وتمده بالنشرات والكتب والمجلات الدورية ،وفى الوقت نفسه تستقبل الطلاب المتخرجين من المعهد والحاصلين على شهادة الإجازة العالية لاستكمال دراساتهم العليا فى جامعة الأزهر حيث أن شهاداتهم تصبح معادلة لمرحلة الإجازة العالية بجامعة الأزهر لتطبيق المعهد للمناهج المعمول بها بجامعة الأزهر.. ويتبادل الطرفان بمقتضى الاتفاقية زيارات القيادات وأعضاء هيئة التدريس لمدد قصيرة لتبادل الرأى وإلقاء المحاضرات الثقافية وإجراء البحوث العلمية ،والاشتراك فى المؤتمرات والندوات وفقا للزمن الذى يرتضيه الطرفان والتخصصات التى يطلبها كل منهما.
صورة – فضيلة الشيخ عباس شومان – وكيل الازهر السابق

من هو عباس شومان؟
حاصل على ليسانس كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر فى العام 1985 ,وكان ترتيبه الأول على دفعته، ثم حصل على ماجستير فى الشريعة من الكلية نفسها بتقدير ممتاز فى العام 1991 ,ثم نال الدكتوراة فى الفقه بمرتبة الشرف الأول ,وقد تدرج بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بداية من معيد فى العام 1986, ثم مدرس فى العام 1994، ثم أستاذ مساعد بنفس الكلية فى العام 2000, وترقى الى رئيس قسم الشريعة فى الفترة من 2009 الى 2013 ,وقبل ذلك عمل لعشر سنوات فى سلطنة عمان فى الفترة من 1998 وحتى 2008 ,وقد ترأس وحدة الجودة بكلية الدراسات الإسلامية من 2001 وحتى 2013 , كما عمل محكما باللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بكل من جامعة الأزهر وجامعة الأنبار بالعراق , وجامعة اليرموك بالأردن والجامعة الدولية بالولايات المتحدة .
وعمل أيضا ، عميدا للمعهد العالى لدراسات التراث بأكاديمية الرائد بالقاهرة, فى الفترة من 23 يناير 2012 وحتى 12 أغسطس 2013, ونائبا لرئيس هيئة الرقابة الشرعية للمصرف المتحد بمصر, ومثل الأزهر فى لجان الجودة وحلال بوزارة الصناعة المصرية .
وتولى منصب الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى 12 يونيو 2013, كماتولى عمادة كلية الدراسات الإسلامية والعربية فى الفترة من 12 أغسطس 2013 حتى الثانى من سبتمبر من العام نفسه ,وهو اليوم الذى تم فيه تعيينه وكيلا للأزهر الشريف بقرار من رئيس الجمهورية رقم 571 لسنة 2013 ، والذى غادره بعد بلوغه سن التقاعد فى سبتمبر2018 .
وشارك الدكتور شومان فى وضع توصيف المقررات الدراسية لكليات التربية بسلطنة عمان.. ومثل الأزهر فى العديد من المؤتمرات الدولية والمحلية ،وساهم بجهده العلمى فى مناقشة قوانين اقتصادية منها قانون الصكوك ،وشارك فى الجلسة العامة بمجلس الشورى فى 12 و19 مارس من عام 2013 لمناقشة الاتفاقيتين الموقعتين بين جامعة الأزهر وبنك التمويل الإسلامى لإنشاء وتجهيز المستشفى الجامعى.
وقدم ورقة عمل مؤتمر وضع آليات تطوير تدريس علوم الزكاة فى التعليم العام, والذى نظمته اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو فى الفترة من 2الى 5 يوليو 2013 بتكليف من شيخ الأزهر.
ومن مؤلفاته العلمية : تحقيق كتاب التجريد فى المسائل الخلافية للإمام القدورى ( تحت الطبع ) وعصمة الدم والمال في الفقة الإسلامي ،وبحث منشور حول أحكام التدخين فى الفقه الإسلامى, وكتاب العلاقات الدولية فى الشريعة الإسلامية، وكتاب أحكام الاحتكار فى الفقه الإسلامي (بحث منشور),و كتاب إجهاض الحمل فى الفقه الإسلامي ، وتاريخ التشريع الإسلامى ومصادره والخطبة فى الشريعة الإسلامية, وبحث عن المضاربة الإسلامية (بحث منشور بجامعة الأزهر) وكتاب الحج والعمرة,و كتاب عن أحكام الصيام ،و كتاب عن أحكام الرهن فى الفقه الإسلامي ، وكتاب عن حضانة الأطفال فى الشريعة الإسلامية ،وكتاب عن الخطبة فى الفقه الإسلامى ، وكتاب: الإئتمان بين الشريعة والبنوك المعاصرة، وغيرها من مؤلفات تثرى المكتبة الإسلامية ،إلى جانب مئات المقالات والدراسات المنشورة بالمجلات الإسلامية والصحف.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق