ماذا جرى في حديث التسعين دقيقة بين شيخ الأزهر والسلطان قابوس؟!
وزير الثقافة المصري الأسبق..د.صابر عرب
8 مليون دولار منحة فورية من السلطان قابوس لاعادة ترميم الاوبرا والمسرح القومي عقب تفجيرات 2014م الإرهابية
حالة نموذجية عمانية من التناغم والانسجام والتسامح بين المذاهب الإسلامية المتعددة
المذهب الأباضى يمثل نموذجا للفكر المعتدل والوسطى وموضعا للتقدير من علماء الازهر الشريف
التاريخ العماني أصبح موضوعا رئيسيا فى المشروع العلمي للجامعات المصرية
دعم مالي عماني كبير لانشاء قناة الأزهر الفضائية..والافتتاح قريبا
علماء الفضائيات أفسدوا على الناس حياتهم..وأقحموا الإسلام في كل شيء؟؟
أدعو علماء الأزهر والسلطنة للاشتراك فى جهد جماعة لصياغة أسس ومراتكزات خطاب دينى غير تقليدى؟!
أحاديث سماحة مفتي عام السلطنة تعكس رؤية ثاقبة واجتهاد فى إطار المقاصد الكلية للشريعة
الفكر الاباضي مشروع دولة بكل ملامحها السياسية والجغرافية والاقتصادية
الأزهر والمؤسسة الدينية العمانية مطالبان بدور أكثر فعالية فى إجهاض محاولات التمدد الطائفى والنزوع المذهبى فى المنطقة
فى هذا الحوار المطول مع الدكتور محمد صابرعرب – وزير الثقافة المصرى الأسبق وأستاذ تاريخ العرب بجامعة الأزهر – يتحدث باستفاضة منهجية إن صح التعبير عن محددات التعاون المشترك بين مؤسسة الأزهر من جانب والمؤسسات الدينية بسلطنة عمان.
عمل استاذا بجامعة السلطان قابوس منذ العام العام 1986 حتى العام 1991 , حيث قام بتدريس منهج التاريخ متناولا مراحل ومناطق متعددة , وثمة ميزة نسبية يتسم بها , وهو ما يظهر بوضوح فى الحوار معه , تكمن فى تلك المحبة الشديدة لسلطنة عمان شعبا وقيادة وتاريخا , فضلا عن التقدير والاحترام الواسعين لسياساتها وتوجهاتها وسياقاتها الفكرية والثقافية والدينية , ومن أهم مؤلفاته التى قدمها للمكتبة العربية التاريخية، كتابه القيم عن “الدولة فى الفكر الأباضى” الذي صدر عن دار “الشروق” الشهيرة فى القاهرة ،وأعيد طبعه فى السلطنة أيضا ،وهو خلاصة دراسات ورؤي وتأملات للمذهب الإباضي في سلطنة عمان ثبتها الدكتورعرب على نحو أضاف إلي المكتبة العربية قيمة بحثية مهمة أتاحتها له السنوات التى أمضاها أستاذاً في جامعة السلطان قابوس , والذى يرى أنه من الصعب فهم التاريخ العماني في غيبة المذهب الإباضي ، خصوصاً أن الفكر الإباضي يشكل مشروع دولة بكل بملامحها السياسية والجغرافية والاقتصادية ،كما أنه من الصعب فهم التاريخ العماني في غيبة الجغرافيا ، فالبحر واليابسة يكملان معاً تفاصيل الحياة بواقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني.
الدكتور صابر عرب يحكي قصة اللقاء بين فضيلة الامام الأكبر شيخ الازهر والسلطان قابوس،والذي كان مخصصا له نصف ساعة..لكنه امتد الى تسعين دقيقة؟!
……
علاقات الثقافة
في منزله الكائن بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة شرق العاصمة المصرية , استقبلنا الدكتور عرب وقبل انطلاق الحوار , تحدث باستفاضة عن ذكرياته التى ما زالت تقيم بوجدانه – قبل ذاكرته -عن السنوات التى أمضاها فى عمان وسرعان ما أمسكت ببداية الخيط وبادرته بالسؤال : كيف تقيم العلاقات الثقافية بين سلطنة عمان ومصر بشكل عام ثم طبيعة التواصل بينها وعلماء ومؤسسة الأزهر على نحو خاص بمختلف تجلياتها ثقافيا ودينيا وفقهيا ؟؟
يقول : إن مصر لم تكن بعيدة عن الشأن العمانى عبر التاريخ ..وثمة دراسات تاريخية عديدة سواء فى التاريخ القديم أو التاريخ الحديث تشير الى اهتمام مصر وعنايتها بنمو وتطوير هذه العلاقات ،وحصل تماس بين البلدين فى زنجبار وعلى صعيد الجهود التى كانت تبذلها مصر فى شرق إفريقيا الى مستوى إبرام برتوكول تعاون بين سلطان برغش فى زنجبار وخديو مصر فى ذلك الوقت الخديو اسماعيل ..غير أن بريطانيا سعت بقوة الى إجهاض وإفشال محاولات التعاون بين الجانبين فى هذه الحقبة التاريخية السحيقة .
وعبر التاريخ، كانت عمان ترتبط بعلاقات خاصة مع مصر ،والتى كانت بدورها تتطلع دوما اليها صداقة ومحبة وبناء لأسس تعاون بناء وصولا الى المرحلة الأكثر إيجابية على هذا الصعيد بعد تولى حضرة صاحب الجلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد مقاليد الأمور فى الثالث والعشرين من يوليو 1970م ،والتى شهدت تطورا متناميا.
وقد عاصرت جيلا من المعلمين المصريين الذين ذهبوا لعمان وكانوا يدرسون لطلابهم وتلاميذهم تحت الشجر ،وذلك بعد أن أطلق جلالته شرارة النهوض بالتعليم دون الإنتظار من الإنتهاء من البنية التحتية المطلوبة ، فقد كان يتم إنشاء فصول تحت الأشجار أو فى المبانى العمومية، ثم تطور الأمر الى إنشاء مدارس تضم عدة فصول وصولا الى النهضة التعليمية الشاملة ممتدة الى مختلف أنحاء السلطنة ومستوعبة كل المراحل الى جانب المرحلة الجامعية التى شهدت تقدما نوعيا خاصة خلال السنوات الأخيرة ، وقد ارتبطت بصداقات مع عدد من هؤلاء المعلمين الأوائل وبعضهم كان من أساتذتى ،وسمعت منهم كلاما إيجابيا ..وكيف أن المرء منهم كان يشعر بالتفانى فى سبيل القيام بهذه المهمة المقدسة التى تتمثل فى التدريس بالسلطنة.
خصوصية استثنائية
ويواصل عرب : أحسب أن الموقف الذى اتخذته عمان فى نهاية حقبة سبعينيات القرن الفائت ،عندما رفضت قطع العلاقات مع مصر فى أعقاب قرارقمة بغداد قطع العلاقات الدبلوماسية فى 1979 م إثر توقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل فى زمن الرئيس المصرى الراحل أنور السادات ، وهو الموقف الذى أسس لخصوصية استثنائية فى العلاقات المصرية العمانية على نحو ما زالت تجلياته مستمرة حتى هذه اللحظة نموا وثقة متبادلة وتعاونا على مختلف الصعد مما أدى فى أعقاب هذا الموقف بالذات الى زيادة أعداد المعلمين المصريين الوافدين الى السطنة، الى جانب الأطباء والمهندسين والإعلاميين والصحفيين ..وقد عاصرت خلال فترة عملى بالسلطنة بداية من العام 1986 أستاذا بجامعة السلطان قابوس الكثير من كبار المسئولين العمانيين من وزراء وقيادات من مختلف المستويات الذين درسوا على أيدى المعلمين المصريين بالسلطنة أو الذين تلقوا تعليمهم فى المدارس والمعاهد والجامعات المصرية.
وثمة أمر أود أن ألفت اليه فى هذا الصدد -الكلام للدكتور محمد صابر عرب – أن المعلمين المصريين بعد عودتهم الى مدنهم أو قراهم إثر انتهاء فترات عملهم بالسلطنة كانوا يحملون معهم ذكريات طيبة وانطباعات إيجابية، ومشاعر فياضة عن السنوات التى قضوها فيها لافتين الى الأسلوب الحضارى الذى كان العمانيون يتعاملون به معهم ، الأمر الذى جعل هؤلاء المعلمين بمثابة سفراء لعمان داخل مصر ، كما أن السلطنة أضحت تعيش داخل وجدان هؤلاء ووجدان المحيطين بهم فى ربوع مختلفة من المحروسة ،واستمر ذلك النهج حتى بلغت مراحل التطور المذهل فى كل المجالات منذ إنطلاق مشروع النهوض بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان الراحل قابوس ، والذى يواصله خليفته صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، وهو ما يجعل المرء يشعر أن ما يشاهده وكأنه بنى عبر مئات السنوات وليس عبر ما يزيد عن أكثر من نصف قرن فقط.. وقبل ذلك كانت السلطنة فى حالة خصومة أو عداء مع التحديث ,فلم تكن ثمة مدارس أو مستشفيات أو طرق أو شكل من أشكال البنية التحتية ،ولكن المرء عندما يزورها بعد كل هذه السنوات يرصد كل مظاهر التحديث والتطوير و الحضارة المعاصرة فى إطار مشروع حضاري انساني بفكر متقدم ورؤية ثاقبة ، وهو مالمسته شخصيا فى سلسلة زيارات لمسقط خلال السنوات القليلة الماضية كان آخرها قبل أشهر .
تفاعل نشط
– لكن ماذا تحديدا عن العلاقات بين السلطنة والأزهر ؟
يجيب الدكتور عرب : بوسعى التأكيد بارتياح – من خلال متابعتى كأستاذ بجامعة الأزهر وعبر سنوات عملى فى جامعة السلطان قابوس – أن الأزهر أضطلع بدور نشط وإيجابي على صعيد تعميق العلاقات المصرية العمانية ابتداء من سبعينات القرن الماضى، لأنه – كما ذكرت سابقا – ثمة أجيال من معلمى الأزهر توجهوا للسلطنة للتدريس فى معاهدها العلمية – والتى توازى المعاهد الأزهرية فى مصر – فضلا عن المدارس العامة ،بالإضافة الى وجود أعداد ليست بالقليلة من الدعاة المصريين القادمين من الأزهر الذين شاركوا فى مجالات الدعوة هناك خاصة فى المساجد .
والمفارقة الإيجابية التى أود أن أتوقف عندها ، ونحن بصدد الحديث فى هذا الجانب ،أن عمان – على الرغم من كل ما نشاهده من ظاهرة الإنفجار المذهبى – إن جاز التعبير – والصراعات ذات الأبعاد الدينية والطائفية فى المنطقة – تبدو مغايرة بل مميزة – إن شئت الدقة – فى ظل ما تتسم به من تناغم وانسجام بين المنتمين لمختلف المذاهب فيها ،سواء المذهب الأباضى وهو المذهب الرسمى للدولة – كما أشرت آنفا – أو المذهب السنى أو المذهب الشيعى حيث لا يوجد أى حساسية فيما بينهم .. فالأباضية يصلون فى مساجد السنة أو الشيعة ، والأمر نفسه بالنسبة للمنتمين لأصحاب المذهبين الأخيرين لا يجدون غضاضة فى الصلاة فى مساجد الأباضية .. وبالتالى فإن سلطنة عمان تفتقر الى هذا المرض الطائفى الذى انتشرت أعراضه فى عدد من بلدان المنطقة العربية للأسف .
وعن تفسيره لذلك يقول: هذا يعود الى فكر ومنهجية السلطة المركزية فى الدولة التى لم تشأ مطلقا أن تفتئت جماعة أو مذهب معين على جماعة أو مذهب آخر،وهو ما حال دون شيوع استعلاء ثقافة مذهب على مذهب أو فكر بعينه ما أدى الى إتاحة البيئة أمام كل المنتمين لهذه المذاهب لممارسة قناعاته بدون أى حساسية أو صراع ..فمؤسس عمان الحديثة وخليفته يرفضان ذلك تماما ،وما زال هذا الوضع قائما سواء على مستوى الرؤية النظرية أم التطبيق ،فليس هناك انحياز لصالح فئة أو جماعة أو مذهب على حساب فئة أوجماعة أو مذهب آخر، فعلى الرغم أن المذهب الأباضى هو المذهب الرسمى للدولة يتم التعامل مع الجميع وفق محددات المساواة، وهو ما يتجلى فى الوظائف العامة التى يتم اختيارها حسب قاعدة الكفاءة وليس حسب الإنتماء المذهبى وليس هناك أفضلية لأصحاب المذهب الأباضى .
قلت للدكتور محمد صابر عرب: هل أفهم من ذلك أن العلاقات المتجذرة بين بين مؤسسة الأزهر بكل مكوناتها وسلطنة عمان كان لها تأثيرها الإيجابى على الجانبين؟
أجاب : بالتأكيد ..وبحكم أننى متابع جيد لملف هذه العلاقات بوسعى القول : أننى على ثقة تامة – مستندا فى ذلك الى خبرتى وتعاملى مع العديد من المؤسسات العمانية والكثير من الأصدقاء العمانيين – أن الأزهر يحظى بمكان ومكانة عالية جدا ،فى وجدان العمانيين تقديرا واحتراما وهو فى كثير من الأحيان يعد مرجعية ليس للأخوة المنتمين للسنة فحسب، ولكن حتى بالنسبة للمنتمين للمذهب الأباضى , فهم ينظرون إليه – أى الأزهر – ممثلا للإسلام الوسطى, ولذلك فإنك حينما تطالع الكثير من الكتب سواء فى المكتبات العامة أو المعاهد العلمية وفى المساجد , تجد أن مؤلفى معظمها من علماء الأزهر الكبار ابتداء من الجيل المؤسس , مثل الإمام محمد عبده صاحب المنهج الإصلاحى والمجدد فى الأزهر، والشيخ محمد الأحمدى الظواهرى شيخ الأزهر فى الفترة من 1930 الى 1935 ، الى جانب الكثير من العلماءالكبار الذين أثروا المكتبة العربية بفكرهم وكتاباتهم المتعددة، وما زال هذا الرافد الأساسى يشكل أحد المكونات الكبيرة والأسس المهمة فى وجدان العمانيين
الوسطية فى عمان
وفي اجابته عن سؤال حول ما إذا كان يمكن القول أن وجود الأزهر فى سلطنة عمان , سواء على مستوى الأشخاص أم على مستوى الفكر من خلال كتب كبار علمائه , مارس دورا فيما يمكن وصفه بالوسطية فى الفكر الدينى والتسامح المذهبى فيها , قال :كنت أتابع دوما الأحاديث التى يبثها التلفزيون العمانى لفضيلة مفتى السلطنة الشيخ أحمد الخليلى , وهى فى حقيقتها تتسم بقدر كبير من الرؤية الثاقبة والاجتهاد والموضوعية ,وبما يمكن أن نسميه بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية ,وكان يعتمد ويستشهد فى هذه الأحاديث بكثير من علماء الأزهر , وعلى رأسهم الإمام محمد عبده , والذى كان حاضرا دائما فى خطابه الدينى خاصة تفسيره للقرآن الكريم , وغير ذلك من جوانب فكر ورؤية هذا الإمام، الذى يعد واحدا من أهم المجددين فى الفكر الإسلامى فى العصر الحديث , وبقدر من المحبة والتقدير والمتابعة العلمية أستطيع أن أؤكد أن المذهب الأباضى , هو مذهب وسطى بقدر وسطية الأزهر، ولذلك هو ينأى بنفسه عن الصراعات المذهبية , والتى تتسم بالعنف فى بعض الأقطار العربية , ونحن الآن نشاهد أن فريقا من بين أهل السنة قد انجرف الى العنف , الذى يأخذ من القتل والترويع لنشر أفكاره فى أرجاء مختلفة من العالم , بينما المذهب الأباضى ينزع دائما الى الوسطية , وهو ما يتجلى فى اعتدال مصادر تكوينه وثقافته وأسسه , واعتماده بشكل أساسى على المصالح المرسلة والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية .
وفى المقابل وعن مدى لعب الأزهر دورا فى استقطاب الطلاب العمانيين سواء على مستوى المعاهد أو الجامعة قال:ثمة جيل ليس بكبير درسوا فى الأزهر فى المرحلة الجامعية أو فى الدراسات العليا , وعندما كنت أدرس بجامعة الأزهر كان يزاملنى طلاب عمانيون , سواء فى كلية أصول الدين وكلية الشريعة بل وكلية الهندسة وكلية الطب , وكونت صداقات مع بعضهم ما زالت مستمرة ،وتواصلت عندما ذهبت للسلطنة للعمل بجامعة السلطان قابوس , وذلك بوضوح يختزل مشهد التعاون بين الأزهر وسلطنة عمان والذى ما زال متواصلا , فثمة وفود من السلطنة , خصوصا من علماء المذهب الأباضى يأتون الى الأزهر فى تفاعل عضوى, ويلتقون بعلمائه بل وبشيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، والأمر نفسه بالنسبة لعلماء من الأزهر الذين لم تنقطع زياراتهم ومهامهم العلمية الى السلطنة والذين يجدون فيها كل ترحيب واهتمام , و قد عاصرت فى نهاية ثمانينات القرن الماضى مؤتمر الفقه الإسلامى الذى عقد فى مسقط ونظمته جامعة السلطان قابوس، والذى شارك فيه شيخ الأزهر فى ذلك الوقت الدكتور جاد الحق على جاد الحق..وكانت تلك أول زيارة لأحد شيوخ الأزهر وفق معلوماتى ..وقد استقبله حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس وخصه بحديث طويل ومشاعر فياضة، وكان موضع تقدير وترحيب واحترام خلال هذه الزيارة.
وقد عقد هذا المؤتمر – وإن لم يكن ذلك واضحا فى محاوره – بهدف إيجاد أسس للتقريب بين المذاهب الإسلامية من خلال الحوار مع كل المذاهب المنضوية لأهل السنة والجماعة والمذاهب الأخرى مثل الشيعة اقتناعا بأن الإسلام هو اسلام واحد ومصادر التشريع الاسلامى واحدة والتاريخ الاسلامى مشترك وما حدث من اختلافات بين المذاهب هى نتيجة اختلافات فى الرؤى والاجتهادات ولكن ليس فى الأصول التى تتمثل فى القرآن الكريم وسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،لذلك فإن العمانيين سواء من بينهم فقهاء المذهب الأباضى أم الإدارة السياسية للدولة يعملون دوما على التقريب بين الفرق والمذاهب الاسلامية المختلفة ..ولعل عمان تكاد تكون هى الدولة الوحيدة فى العالم الإسلامى التى نجحت فى أن تنأى بنفسها عن الصراعات المذهبية رغم ان كل المذاهب الاسلامية توجد فيها ..والجميع ينعم فيها بالمساواة.
سنوات في جامعة قابوس
وعن تجربته الشخصية فى سلطنة عمان والتى عمل فيها أستاذا بجامعة السلطان قابوس خلال ثمانينات القرن الماضى وهو الأستاذ بجامعة الأزهر وملامحها كتجسيد حى للتعاون بين الجامعتين ؟
يقول :ذهبت الى سلطنة عمان فى بداية تأسيس جامعة السلطان قابوس فى العام 1986 م ، وكنت من بين شرفوا أن يكونوا من بين أساتذتها فى مراحلها الأولى، وأغلبهم كانوا من الأساتذة المصريين خاصة فى كليات الآداب والتربية الى جانب أساتذة من دول عربية ,وأشهد أن الأساتذة المصريين أدوا رسالتهم فى الجامعة بقدر كبير من التفانى والأخلاص , مثلهم مثل الجنود فى الحرب وهو ما أسفر عن نجاحات يشهد بها العمانيون أنفسهم خاصة بالنسبة للأجيال الأولى الذين ألتحقوا بها ،والذين بات عدد كبير منهم فى مواقع المسئولية العليا من وزراء ووكلاء وزراء ومديري عموم وغيرهم فى كل مناحى الحياة العمانية سواء فى السلك الدبلوماسى أو المجال البرلمانى أو الإعلام أو التعليم أو الجامعة وهو ما يشعرنى بقدر كبير من الإعتزاز بينما أتابع هؤلاء الذين كانوا تلاميذا والتقى بهم خلال زياراتى بين وقت وآخر .
مكانة الأزهر ومكانة عمان
أسأل وزير الثقافة المصرى الأسبق عن المكانة التي تمتع بها الأزهر وسط العمانيين ؟ .
يعلق قائلا :لاشك في أن الأزهر بوسطيته بات يتمتع بمكانة لدى العمانيين , وفى المقابل فإن ثمة احتراما كبيرا من قبل الأزهر لعلماء السلطنة وفقهها وفكرها الدينى ،الأمر الذى أخذ أشكالا عملية من التعاون الفعال والبناء ،والذى أسهم فى تكريس مسار يشكل قيمة مضافة فى المنطقة العربية لتصحيح صورة الدين الإسلامى ووضع أسس للانسجام المذهبى بمنأى عن منطق الصراع.
وما خبرته بنفسى هو أن العمانيين – على مختلف مستوياتهم – ينظرون الى الأزهر كونه المرجعية الأكبر للمسلمين فى العالم ،و بالتالى فإن ما يثار فى الأزهر من قضايا فكرية وحوارات يكون لها صداها ومردودها داخل السلطنة على مختلف الأوساط سواء الأكاديمية أم الدعوية أم النخب الثقافية أم عامة الناس،فالكل يعرف قدر الأزهر ويدركون قيمته ودوره الفعال ويتطلعون إليه ، خاصة فى ظل مايشهده عالمنا العربى والإسلامى من نزوع للعنف وخلافات وانقسامات وحالات صراع مذهبى وطائفى وبروز جماعات بعينها تحاول أن تفتئت على الجماعات الأخرى، وتعمل على فرض أرائها بالقوة المفرطة ،بحسبانه يمثل الإسلام الوسطى ويودون لو أن الأزهر تمكن من احتواء كل هذه الأفكار والنزاعات التى تتسم بالعنف ..وذلك ناتج من المكانة التى يحظى بها لدى العمانيين فى القلب والوجدان والعقل أيضا، ولايزال مقيما بهذه المكانة .
وفى المقابل ثمة نظرة إيجابية داخل مؤسسة الأزهر بكل تجلياتها لعمان على الرغم مما يبدو من أنه اختلاف مذهبى , كثير من الأساتذة المصريين سواء فى جامعة الأزهر أو المعاهد الدينية , قد ذهبوا الى السلطنة ودرسوا فى مدارسها ومعاهدها العلمية وجامعتها , حيث لم يجد العمانيون غضاضة فى الاستعانة بهؤلاء الأساتذة وهو مايعبر عن ثقة مطلقة فى منهج الأزهر ورؤيته ورجاله , وثمة نفر من هؤلاء الأساتذة تقلدوا مناصب رفيعة المستوى لدى عودتهم الى مصر بعضهم وصل الى موقع وزير منهم الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف والدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق فى حكومتين بمصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وكلاهما درس لسنوات فى السلطنة , ومن هؤلاء أيضا كذلك فضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الديار المصرية , وكان الشعور السائد لدى هؤلاء الأساتذة أنهم يعملون فى بلدهم وليس فى بلد آخر , ولم يشعروا فى أى وقت أنهم فى بلد يسود فيه الفكر الأباضى, رغم أنه المذهب الرسمى للدولة فى ظل حالة التسامح المذهبى المهيمنة على المشهد العمانى , بل كانوا يشعرون أنهم فى مجتمع مسلم بالمفهوم الواسع لهذه العبارة.
ويضيف :وبوسع الأزهر والمؤسسة الدينية بسلطنة عمان لعب دور أكثر فعالية فى إجهاض أى محاولات للتمدد الطائفى والنزوع المذهبى فى البلدين بل وفى المنطقة .. ولعلك تلاحظ فى العالم كله وليس فى العالمين العربى والاسلامى أنه عندما تقع تجاوزات وصراعات تتسم بالعنف والقتل – سواء فى العراق أوفى سوريا أو اليمن أو أفغانستان – فإن الجميع يتطلع الى الازهر.. وأحسب أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر أضحى قبلة للمسلمين وحتى لغير المسلمين ، فمكتبه مفتوح لكل من ينشد الاعتدال والتسامح والعودة الى الاسلام بوسطيته ومنهجيته المعتدلة والصحيحة.
وفى هذا السياق – ونحن بصدد الحديث عن العلاقة بين الأزهر والسلطنة – أشير الى أننى كان لى شرف مرافقة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر خلال زيارته لمسقط فى مايو من العام 2013 م الى جانب الدكتور شوقى علام مفتى مصروعدد من كبار علماء الأزهر ..وقد استقبله خلال هذه الزيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، والذى كان قد وجه اليه دعوة رسمية للقيام بها، وتركز اللقاء – والذى حضره كل من الشيخ أحمد بن حمد الخليلى المفتى العام للسلطنة والشيخ عبد الله بن محمد السالمى وزير الأوقاف فى ذلك الوقت – تركز على تعزيز التعاون القائم بين الأزهر والسلطنة فى المجالات الدينية ..وما لفت أنتباهى أنه كان محددا لهذا اللقاء نصف ساعة فقط لكنه امتد الى أكثر من ساعة ونصف “تسعون دقيقة” ..وجرى خلاله حديث مفعم بالمشاعر الفياضة من قبل صاحب الجلالة السلطان قابوس متناولا رؤيته العميقة لدور الأزهر ومكانته فى وجدان كل العمانيين، وما قامت به مصر من دعم التنمية والنهضة فى مجالات التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من مجالات ،محيطا فضيلة الإمام بكثير من الدفء والحب والمودة ..وقال كلاما كثيرا فى حق الأزهر ،ومعبرا عن مكانة مصر لدى السلطنة قيادة وشعبا .. وددت لوسجلت هذا الحديث وقد استرجعه فى قادم الأيام بمشيئة الله سبحانه وتعالى .
وكان فضيلة الإمام شيخ الأزهر سعيدا بهذا اللقاء وممتنا لهذه المشاعر الصادقة تجاه مصر وتجاه الأزهر ..وبدا متحمسا ومقبلا على المزيد من تفعيل التعاون وتقديم الدعم للمؤسسات التعليمية والدينية فى السلطنة من قبل مؤسسة الأزهر ..ولذلك فمنذ هذا اللقاء يشهد التعاون بين الجانبين خطوات أكثر تقدما وفضاءات أكثر رحابة من ذى قبل.
وقد عاود فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب زيارة السلطنة للقاء سلطانها الجديدة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق لتقديم واجب العزاء فى وفاة المغفور له السلطان الراحل قابوس ..ومن خلال متابعتى فقد كان اللقاء مثمرا أكد الثوابت ذاتها التى تم تأسيسها فى السنوات السابقة فى العلاقة بين الأزهر والمؤسسة الدينية فى سلطنة عمان.
المذهب الأباضى فى الأزهر
– ماذا عن تدريس المذهب الأباضى فى الأزهر ؟ يقول الدكتور عرب: بالتأكيد هو مثله مثل غيره من المذاهب الإسلامية يدرس ضمن مناهج “الفقه المقارن” فى العديد من كليات الأزهر..وبالمناسبة فإن المذهب الأباضى وفق رؤية علماء الأزهر يمثل نموذجا للفكر المعتدل والوسطى وهو موضع تقدير منهم ، ولم يحدث أن الأزهر أخذ موقفا من الفقه الأباضى لأن علماءه على قناعة بأنه يعكس النموذج للفرق والجماعات الإسلامية الصحيحة والسليمة والمتسامحة والمعتدلة والبعيدة عن الغلو.
بعد كل هذه المعطيات والوقائع وأشكال التواصل المتعددة والمتنوعة بين سلطنة عمان ومؤسسة الأزهر كواحدة من من أهم مؤسسات الدولة المصرية حسبما يؤكد الدكتور محمد صابر عرب، كان من الضرورة بمكان أن أسأله عن تصوره لإحداث نقلة نوعية فى هذا التعاون والتفاعل سواء فى المرحلة الراهنة أو فى الزمن الآتى؟؟ فأجابني بالقول : أحسب أن أهم جانب يجب التركيز عليه فى المرحلة الراهنة والمقبلة على صعيد التعاون بين الطرفين يكمن فى السعى الى محاولة فك هذا الاشتباك بين المذاهب المختلفة فى ظل ما نراه المشهد العربى والاسلامى من تنامى صراعات وانقسامات حادة هى بطبيعتها ذات صبغة سياسية ،والتى يحاول البعض أن يلقى عليها ظلالا مذهبية وطائفية وتؤدى فى النهاية الى المزيد من العنف ..ولاشك أن الأزهر بحكم أنه المرجعية الأكثر مصداقية وقبولا لدى كل الفرق والجماعات الاسلامية المختلفة ،ولكونه من أهم مؤسسات الدولة المصرية ويحظى بدعمها ..وكذلك بحكم ما تتسم به سلطنة عمان من قبول إقليمى وتسامح مذهبى ونأى عن النزاعات والصراعات فى المنطقة ..يمكنهما الاتفاق على وضع برنامج للتعاون المشترك يشتمل على نشر المؤلفات العلمية الرصينة وعقد المؤتمرات والندوات باتجاه تعزيز فكرة التسامح والقبول بالآخر الغائبة عن المشهد الراهن.
وللأسف – يتابع عرب – نحن نفتقر فى الزمن الراهن الى فكرة التسامح وإعمال العقل والوجدان ،وهو قول للإمام المجدد الشيخ محمد عبده ،فوفقا للفطرة السوية والانسان السوى فإنه عند لقاء العقل والوجدان – أى القلب – يكون مناط كل شيئ صحيح فى الإسلام ،وبالتالى نحن فى حاجة الى أن يستند الخطاب الدينى بصورة أقوى الى البعد المجتمعى ..بمعنى أن يقوم علماء ثقاة من الأزهر ومن سلطنة عمان بصياغة أسس ومرتكزات خطاب دينى غير تقليدى يتجاوز الفوقية ويتفاعل مع متطلبات المجتمع ،وبعيدا عن الاستغراق فى الآنية – أى عقد مؤتمرات تناقش القضية ثم سرعان ما ينتهى مفعولها بمجرد انتهائها دون أن يكون لها تأثير ممتد – وهذا يستوجب أن يتوجه علماء الأزهر الى السلطنة وأن يفد علماء من السلطنة الى مؤسسات الأزهر ..ويحدث التفاعل بينهما عبر حوارات ومنتديات مشتركة تفضى الى خطاب يتوجهون به الى الإعلام بمختلف وسائطه .
التقريب بين المذاهب
وبسؤاله؛هل يمكن أن يتعاون الأزهر والسلطنة فى عقد مؤتمرات للتقريب بين المذاهب الإسلامية فى إطار ما يتمتعان به من وسطية وتسامح ؟ قال:هذا كلام مهم ،فدائما مانسمع عن مؤتمرات تعقد فى الفنادق والصالونات الكبرى عن الحوارات بين المذاهب دون أن تتجاوز نتائجها جدران الأماكن التى تعقد فيها ..وبالتالى فنحن نتطلع الى حوارات حقيقية تجرى فى المؤسسات الأكاديمية والمساجد وداخل المجتمعات ووسط الحشود من الناس ،لكن عقد هذه النوعية المؤتمرات التى تركز على الجوانب البرتوكولية ،وقيام البعض بإلقاء أوراق عمل بحثية لاتصل الى القاعدة العريضة من الناس لن تكون ذات جدوى أو قيمة حقيقية ،وهو ما يتطلب تنظيم حوارات يكون من شأنها أن تسهم فى تذويب المشكلات وتزيح الخلافات بين المذاهب الاسلامية من خلال اعتماد الممارسة كآلية حقيقية فى الواقع .
ويؤكد كذلك أنه على قناعة قوية بأنهما مهيآن تماما للنجاح فى هذه المهمة بحكم أن الأزهر هو موضع تقدير من مختلف أنحاء العالم الإسلامى ،وأن السلطنة على المستوى السياسى والفكرى تحظى بالتقدير والاحترام ,ليس فى منطقة الخليج أو الوطن العربى وإنما على مستوى العالم أيضا .
وعن رؤيته لقدرة الداعية العمانى على توصيل رسالته على نحو صحيح بفعل تأثره بمنهجية الأزهر أو من خلال تكوينه الخاص ؟ يقول :لقد تابعت الخطاب الدينى فى السلطنة ورصدت أنه يتسم بقدر كبير من البساطة والبعد عن التعقيد والتقعير والفزلكة واتكاؤه على قاعدة التسامح الشديد وتجنب الدخول فى تفسيرات مذهبية وأيدلوجية فى طرح القضايا ..وأحسب أنه يعد خطابا نموذجيا ومتفاعلا مع العصر والمجتمع بدون غلو أو تفريط أو إفراط ..وتلك من سمات الإسلام والذى هو بطبيعته سلس وبسيط ولايكتنفه التعقيد وينزع الى التسيير وفقا لأمر واضح وصريح من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى قوله ” يسروا ولاتعسروا ” .
وهنا أود أن ألفت الى ملاحظة باتت تعكس نوعا من عدم الرشد تكمن فى أننا ننام ونصحو ونعيش يومنا وسط خلافات فكرية ومذهبية وإقحام الإسلام فى كل مفردات حياتنا متناسين فى هذا الصدد أن شرع الله يكمن فيما يحقق مصلحة المسلمين سواء فى الاقتصاد والتعليم والأمن والاجتماع والعلاقات الدولية دون أن نضع على الأمور لافتة إسلامية ..وهو ما جعلنا نندفع فى العقود الأخيرة الى دوائر كثيرة من التعقيد والتفلسف والتنظير الغريب ،وهو ما نلمسه فى فضائياتنا التى تطرح الكثير من الإشكاليات على نفر من علماء الدين يتبادون فيما بينهم الاتهامات ، وكل منهم يطرح نفسه معبرا عن الإسلام مما أفسد على الناس حياتهم ..ونحن نريد أن نتحدث خطابا انسانيا فى كل مناحى الحياة دون أن نقحم الدين ..فالاسلام بشريعته وقرآنه وسنته ترك للمسلمين أمور تنظيم حياتهم دون إقحام الاسلام ..واللافت أنه عندما تختلف دولة مع دولة يقحم الإسلام، وأن نتحدث عن خلافاتنا فيما بيننا فنقحم الإسلام ،وأن نناقش قضايا التعليم أو غيره من قضايا الواقع فنقحم الاسلام وذلك لايصح أبدا .
قناة الأزهر الفضائية
– هل ثمة أشكال أخرى من التعاون بين الجانبين غير إرسال المعلمين والدعاة من قبل الأزهر واستقباله لطلاب من عمان؟
* بالتـأكيد ثمة أشكال عديدة فى هذا الصدد .. وقد لا أكشف سرا عندما أشير الى أن سلطنة عمان قدمت دعما ماليا كبيرا لإنشاء قناة فضائية خاصة بالأزهر ،وهو ما يجرى العمل عليه حاليا تمهيدا لبدء بثها لتكون صوتا إعلاميا معبرا عن وسطية الإسلام وسماحته واعتدال فكره ،ولتشكل منطلقا قويا فى سياق تجديد الخطاب الدينى ..ولاشك أن العلاقات بين مصر وعمان تتجاوز كثيرا المحددات التقليدية على الرغم من أهميتها ..ولعلك تتذكر التفجيرات الإرهابية التى طالت مديرية أمن محافظة الدقهلية فى مدينة المنصورة بمصر فى العشرين من ديسمبر من العام 2014 م،والتى تابع وقائعها صاحب الجلالة السلطان قابوس على شاشات التلفزيون مسفرة عن استشهاد 14 من رجال الشرطة وإصابة 130 شخصا آخرا أغلبهم من المدنيين فضلا عن تدمير شبه كامل لمقر المديرية ،فقد تعرض المسرح القومى فى المدينة للتدمير أيضا ..وكنت فى هذه الفترة فى زيارة للمنصورة كوزير للثقافة فى ذلك الوقت ،وفوجئت باتصال من أحد الأصدقاء العمانيين يطلب فيه إجراء دراسة فنية ومالية حول إعادة ترميم مبنى الأوبرا والمسرح القومى فسارعت بإرساله ..وقد تفضل صاحب الجلالة السلطان الراحل قابوس بتحمل تكاليف هذه العملية وتبرع فى هذا الصدد بثلاثة ملايين ريال عمانى أى مايعادل 53 مليون جنيه فى ذلك الوقت ..وعلى الفور بدأت شركة المقاولون العرب فى العمل على إعادة ترميم المسرح الذى يمتد على مساحة ستة آلاف متر مربع ،بالإضافة الى شموله على قاعات للفنون التشكيلية وقاعات للعرض المسرحى ،والذى أتطلع أن يتم افتتاحه رسميا قريبا.
طباعة الكتاب العمانى
– فى المقابل هل هناك اهتمام بطباعة الكتاب العمانى خصوصا الفقهية والفكرية فى الأزهر؟
*ثمة دراسات عديدة فى كليات الأزهر خاصة أصول الدين والشريعة عن المذهب الأباضى،وفى كل أقسام التاريخ بجامعة الأزهر وغيرها من الجامعات المصرية أصبح التاريخ العمانى موضوعا رئيسيا فى مشروعها العلمى.. وهناك مؤلفات متخصصة كثيرة فى هذا الصدد تتصل بالتاريخ القديم مرورا بالتاريخ الوسيط، وصولا الى التاريخ المعاصر للسلطنة , وشرفت بأننى واحد الأساتذة المصريين الذين أسهموا فى هذا الجانب , فقد أصدرت كتابا عن” الدولة فى الفكر الأباضى “الى جانب عشرات البحوث العلمية فى العديد من الدوريات العربية عن تاريخ عمان سواء ابتداء من دولة اليعاربة وصولا الى دولة البوسعيد، وألفت فى هذا الصدد الى أن أول كتاب عن دولة البوسعيد فى عمان وشرق أفريقيا ، ليس فى اللغة العربية فحسب ،وإنما فى كل اللغات الأخرى كان للمؤرخ المصرى الكبير الدكتور جمال زكريا قاسم فى نهاية خمسينات القرن الماضى ، فكما نعلم أن السلطنة كانت تمتد فى الماضى بجناحين أحدهما عمان المعروفة حاليا ،والجناح الثانى فى زنجبار بتنزانيا، وهو ما يؤشر الى أن المؤرخين والباحثين المصريين عنوا كثيرا بتاريخ عمان وفقه عمان وثقافة عمان والجوانب الاجتماعية فيها.
قابلية للتجديد
-فى ضوء ذلك ,هل تعتقد أن الفكر الدينى فى البلدين مصر وسلطنة عمان لديه قابلية للتفاعل مع طروحات التجديد ؟
*إن كنا نتكلم عن الواقع الاسلامى , فهو للأسف سيئ فكلما تقع مشكلة ما مثلما أشرت آنفا نقحم الإسلام فيها , ففى مصر كلما تحدث معضلة ما , يتساءل البعض عن موقف الإسلام منها ثم تتصاعد الأمور وتداعياتها الى مختلف الدول الإسلامية الأخرى, وبالتالى فإننا فى حاجة الى معالجة مشكلاتنا وفق ما نسميه بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية ,فحيثما تتحقق هذه المقاصد يكون الإسلام ,يحدث ذلك فى الأزهر وفى سلطنة عمان ووفقا لرؤيتى فإن الاسلام فى السلطنة هو إطار وقواعد عامة يلتف حولها كل الناس ,ولكن فيما يتعلق بالتعامل مع قضايا التنمية والمستقبل والسياسة والعلاقات الخارجية وغيرها من مفردات الدولة , متروكة للمؤسسات دون إقحام الإسلام فى تفاصيلها , وفى مصر نحن فى حاجة الى المضى قدما فى المنهجية ذاتها، بحيث نتحدث عن التنمية بأبعادها المختلفة الانسانية والاقتصادية والاجتماعية دون أن تضع لافتة الاسلام كعنوان لكل بعد من هذه الأبعاد، لأنه حيثما تتحقق المصلحة فى كل منها يتحقق التعاون الإسلامى.
محمد صابر عرب
لمن لا يعرفونه جيدا،فقد تولى منصب وزير ثقافة مصر فى ثلاث حكومات بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م حيث كانت المرة الأولى له فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى ،التى شكلها المجلس العسكرى الذى تولى السلطة عقب تنحى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك فى المرحلة الانتقالية بعد الثورة ، وذلك فى الفترة من ديمسبر 2011 م حتى أغسطس 2012 م ليقدم استقالته قبل تولى الرئيس المعزول محمد مرسى الحكم فى العام 2012 م.. ولكن هشام قنديل الذى كلفه مرسى بتشكيل حكومته ، قام باختياره وزيرا للثقافة مرة أخرى فى أغسطس 2012 م لكنه سرعان ماقدم استقالته فى مايو 2013 م.. وبعد إسقاط نظام الإخوان وتولى حكومة انتقالية عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013 م, تم اختياره للمرة الثالثة فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى فى يوليو من العام ذاته ليستمر حتى رحيل هذه الحكومة فى فبراير 2014م.
والدكتور محمد صابر عرب – لمن لا يلم بسيرته الذاتية – بدأ حياته العملية معيدا بقسم التاريخ والحضارة – جامعة الأزهر 1974-1979، ثم مدرسا مساعدا بقسم التاريخ والحضارة- جامعة الأزهر 1979-1983، ثم مدرسا بقسم التاريخ والحضارة- جامعة الأزهر 1983-1988 , ثم أستاذا مساعدا بقسم التاريخ والحضارة- جامعة الأزهر 1988-1994 , ثم أستاذ تاريخ العرب الحديث بقسم التاريخ والحضارة- جامعة الأزهر 1994 – حتى الآن، كما كان أستاذا بمعهد البحوث والدراسات العربية 1994 – 2005.
ونال عرب الكثير من عضوية المؤسسات واللجان ذات الطابع الثقافى والفكرى والدينى ، منها عضوية المجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس إدارة مكتبات مبارك العامة ، وعضو اللجنة العليا لمشروع القراءة للجميع ،وعضو لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة ، وعضو لجنة التنسيق الحضاري وعضو اللجنة المصرية لليونسكو , كما نال عضوية مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ( 1999 – 2005 ) واللجنة العلمية بمركز تاريخ مصر المعاصر– الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (1999– 2005).
وترأس أيضا دار الوثائق القومية بمصر العربية (1999 – 2005) وعمل رئيسا لتحرير سلسلة تاريخ المصريين التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ورئيس اللجنة الخاصة بحصر كافة مقتنيات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تمهيدًا لإقامة متحف جمال عبد الناصر، والذى افتتح فى الثامن والعشرين من سبتمبر 2016 بحضور الرئيس المصرى عبد التفاح السيسى، كما تولى رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب , بجانب رئاسة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية نوفمبر 2009.