شهرية ..مستقلة

العلاقات المصرية – العمانية من حتشبسوت الى السيسي

اللبان الظفاري يعطر معابد الفراعنة ..وجذور التعاون بدأت قبل 3500 سنة؟

0

حاكم عمان يوقف المفاوضات مع فرنسا احتجاجا على حملة نابليون على مصر؟؟

وقيعة بريطانية بين السلطان برغش والخديوي إسماعيل فتحت الطريق أمام احتلال العديد من الدول العربية والافريقية؟

تيمور بن فيصل يزور الإسكندرية ويلتقي بابنه “طارق” في السابعة من عمره؟؟!

سعيد بن تيمور ضيف فندق”شيبرد”..ولقاءات مع الملك فاروق ومصطفى النحاس..وحديث حول الوحدة العربية!

العمانيون يدفعون ربع رواتبهم الشهرية دعما للمجهود الحربي..وبعثات طبية لعلاج الجرحى على جبهات القتال

مواقف تاريخية صارمة في مواجهة دعاة “الصمود والتصدي”..ورفض قاطع لمعاقبة مصر؟

خمسون عاما من حكم السلطان قابوس تشكل “العصر الذهبي” للعلاقات بين البلدين

توقعات بزيارة مرتقبة للسلطان هيثم ملبيا دعوة الرئيس السيسي؟
تستند المعلومات عن مراكب المصريين القدماء وسفنهم على ما خلفوه من رسومات على جدران المعابد واوراق البردي والاحجار والمباني ورسومات القبور..كما توجد مخطوطات عن توزيع العمل في ورش صناعة المراكب وسجلات رحلات السفن،وتعاملات تجارية وقوائم بضائع مستوردة او مصدرة .
وقد تم العثور على رسومات بارزة على جدران المعابد لمراكب واستخداماتها في الملاحة،وكذلك وصف لعدة طقوس دينية كان قدماء المصريين يحتفلون ويقومون بها،كما تم العثور على نماذج للمراكب عليها بحارة مصنوعة من الخشب او المعدن او الفخار او العظام،وعلى مراكب أخرى بحجمها الطبيعي كانوا يدفنونها مع المتوفي لخدمته في الحياة الاخرة كما كانوا يعتقدون.
ومن المرجح أن تكون السفن كانت هي الوسيلة المستخدمة من جانب قدماء المصريين لنقل الأشخاص والبضائع،وهو مايبدو واضحا من نقوش جدران “الدير البحري” بوادي الملوك بمدينة الأقصر جنوب مصر حيث تشير لرحلات بحرية الى “بلاد بونت” – والتي من بينها عمان واليمن والصومال – فقد كانت الرحلة تستغرق خمسة أيام للوصول اليها عبر البحر الأحمر لاستقدام ثمار أشجار اللبان من أجل استخدامها في طقوس المعابد الفرعونية.وكذلك باعتبارها ثمارا مقدسة تعالج العديد من الامراض وللتجميل أيضا حتى أن الملكة حتشبسوت كانت تستخدمها في تجميل بشرتها!
نقوش الدير البحري؟
فقبل ثلاثة ألاف وخمسمائة عام تقريبا، أبحرت السفن المصرية الى شواطئ بلاد بونت – التي من بينها ظفار العمانية – قاصدة جلب تلك الثمار النادرة صاحبة الخواص السحرية في العلاج والزينة وطرد الأرواح الشريرة.
في تلك الفترة من سنوات ما قبل الميلاد، كانت في مصر ملكة فاتنة الجمال ماجعلها تحرص غالبا على التنكر في زي الرجال من ملوك مصر القديمة.. ومع ذلك فقد وقع وزيرها المقرب في غرامها حتى ذاب في جمالها عشقا عاجزا عن إخفاء مشاعره الجارفة..وكان محظوظا بأن بادلته الملكة حبا بمزيد من الحب والوفاء حتى أنها أمرت ببناء مقبرتها ملاصقة لمقبرة وزيرها العاشق ما يعكس رغبتها في ارتباط أبدي بينهما..ليس فقط خلال سنوات حياتهما انما أيضا فيما بعد الموت حيث الخلود المعتقد وفق العقا ئد المصرية القديمة أنذاك!
كانت الملكة تحرص على جمال بشرتها وأناقتها وكامل زينتها..وقيل لها أن شجرة تنبت في أصل الصحراء الشاسعة في الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية “بلاد بونت” تتميز ثمارها بالقدرة الفائقة على الاحتفاظ بنضارة البشرة وجمالها ونعومتها..فما كان منها الا أن أمرت رجالها بتجهيز السفن الى حيث تلك البلدان العامرة بالشجرة المباركة وثمارها النادرة في خصائصها وفوائدها…وسارت هي على رأس القافلة الى حيث تلك البلدان البعيدة فكانت رحلة الملكة الفرعونية “حتشبسوت” الى هناك.. حيث تقع ظفار العمانية..ومن هناك جلبت أطنانا من تلك الثمار التي كان بخورها يعطر المعابد الفرعونية القديمة حيث يمارسون طقوسهم بعيدا عن الأرواح الشريرة!
حتشبسوت – ابنة الملك تحتمس الأول وزوجة شقيقها الملك تحتمس الثاني ووالدة الملك تحتمس الثالث – يشهد لها التاريخ بأنها كانت تتقن القراءة والكتابة والحساب والفلسفة والطقوس الدينية وقواعد اللغة والإنشاء..وأنها كانت عاشقة لبخور اللبان!
نقوش الدير البحري في وادي الملوك تؤكد أنها قادت رحلة بحرية لجلب ثمار شجرة اللبان ، الامر الذي يعكس أهميتها لدى المصريين القدماء وطقوسهم الدينية والجمالية. ففي عهد هذه الملكة الجميلة المتوفاة عام 1458 ق.م. تسجل جدران معبدها نقوشًا تخصها منذ البعثات البحرية التي أرسلتها إلى بلاد “بونت” للتجارة وإحضار البخور والمر.وتظهر على الجدار لوحات مرسومة لسفن هائلة ومتطورة، وأفراد يقدمون قرابين البخور والمر إلى مختلف الآلهة.. فالفراعنة كانوا يستخدمون البخور لآلهتهم بهدف إحراز الرضا.كما استعان أطباؤهم في علاجاتهم المتعددة باللبان على الدوام، فبمجرد إدخاله تذويبًا في العلاج، فإنه يكسر حدة مرارة الأدوية، فيقوم بالتالي بإخفاء السعال ويوقف الهزال ويعالج الخشونة وأوجاع الصدر وضعف الكلى والهزال… كما كانوا يستخدمونه أيضا قبل أربعة آلاف عام في التحنيط من خلال خلطه ببقية المواد المستخدمة معتقدين أن ذلك يجعل الآلهة تغفر للميت وتهون على روحه.إلى جانب قائمة طويلة من الفوائد.
ومن هنا كانت بداية التقويم الزمني الصحيح للعلاقات المصرية العمانية..علاقات بين حضارتين..الحضارة المصرية القديمة “الفرعونية” وحضارة “بلاد بونت” وممالك اللبان..ومنذ ذلك الحين ظلت تلك العلاقة متواصلة تتأرجح ما بين القوة والضعف حسب مسارات الاحداث في الازمان المختلفة على جانبيها..لكنها لم تنقطع الى أن اتخذت شكلها الحديث مع بداية سبعينيات القرن العشرين فيما عرف أنذاك بتبادل السفراء بين البلدين.؟
مسيرة العلاقات المصرية العمانية تميزت عن غيرها بالمواقف الثابتة المؤازرة لكل منهما الأخر في محطات تاريخية عديدة عكست عمق هذه العلاقات وأصالة الشعبين وحرص القيادتين على استمراريتها وتعزيزها عبر مسارات عديدة تعانقت خلالها مصالح الحضارتين الشقيقتين.
التاريخ الحديث
ويحدثنا التاريخ الحديث أنه حينما تجرأت الدول الأوروبية على غزو الأقطار العربية – ومنها مصر وعمان – وجدنا أصداء تلك التحركات فى القطرين .. فحينما غزا البرتغاليون عمان والمحيط الهندى – على سبيل المثال – خرجت القوات المملوكية من مصر كى توقف هذا الخطر لكنها قوبلت بهزيمة كبرى فى معركة “ديو” البحرية عام 1509م …وفى المقابل – وبعد ما يقرب من ثلاثة قرون – نجد الموقف العمانى المشرف من الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م حيث أعلن حاكم عمان أنذاك السيد سلطان بن أحمد (1792-1408م) استياءه من هذه الحملة مقررا وقف المفاوضات الفرنسية – العمانية التى كانت تمهد لعقد معاهدة بين الدولتين ،معلنا احتجاجه الرسمى على اعتداء فرنسا على دولة عربية مسلمة .
ولم يتوقف التعاون المصرى العمانى عند حد إظهار التعاطف أو اتخاذ موقف ما فى بعض القضايا بل تعداه إلى تعاون آخر فى مجال تبادل الخبرات، ومن ذلك ما يؤكده البعض من وجود صداقة قوية ومتينة كانت قائمة بين محمد على باشا والى مصر (1805-1848م) والسيد سعيد بن سلطان – حاكم عمان (1804-1856م) حيث تبين أن النشاط العسكرى لإبراهيم باشا بن محمد على فى المنطقة الشرقية فى شبه الجزيرة العربية لم يكن موجهاً ضد “البوسعيد” فى عمان ،فقد بعث السيد سعيد برسالة إلى محمد على فى عام 1255هـ 1840م يطلب منه فيها سرعة إرسال أحد المدفعين لحاجته إليه – ما يعني وجود تعاون عسكري بينهما- و أن السيد سعيد رغم تخوفه من مشروعات محمد على فى بلاد العرب، ومن وجود قوة كبيرة منظمة بجواره، الا أنه كان حاكما متنورا يكن كثيراً من التقدير لحاكم مسلم نجح فى الأخذ بأساليب الحضارة الحديثة.
وطبقا لرؤية الدكتور محمد صابر عرب – وزير الثقافة المصري الأسبق وأستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر والذى عمل ست سنوات بجامعة السلطان قابوس بمسقط فى الفترة من 1986 حتى 1991م – فإن مصر لم تكن بعيدة عن الشأن العمانى عبر التاريخ ..فثمة دراسات تاريخية عديدة سواء فى التاريخ القديم أو الحديث تشير الى اهتمام مصر وعنايتها بنمو وتطوير هذه العلاقات ،كما حصل تماس بين البلدين فى زنجبار على صعيد الجهود التى كانت تبذلها مصر فى شرق إفريقيا الى مستوى إبرام بروتوكول تعاون بين السلطان برغش فى زنجبار وحاكم مصر فى ذلك الوقت الخديو اسماعيل غير أن بريطانيا سعت بقوة الى إجهاض وإفشال محاولات التعاون بين الجانبين فى هذه الحقبة التاريخية .
وعبر التاريخ – يضيف الدكتور عرب – كانت عمان ترتبط بعلاقات خاصة مع مصر التى كانت بدورها تتطلع دوما اليها صداقة ومحبة وبناء لأسس تعاون بناء وصولا الى المرحلة الأكثر إيجابية على هذا الصعيد – بعد تولى السلطان قابوس مقاليد الأمور الحكم فى الثالث والعشرين من يوليو 1970م والتى شهدت تطورا متناميا. وقد عاصرت جيلا من المعلمين المصريين – يقول د.عرب – الذين ذهبوا لعمان وكانوا يدرسون لطلابهم وتلاميذهم تحت الشجر بعد أن أطلق السلطان شرارة النهوض بالتعليم دون انتظار الانتهاء من البنية التحتية المطلوبة فكان يتم إنشاء فصول “تحت الأشجار” أو فى المبانى العمومية ،ثم تطور الأمر الى إنشاء مدارس تضم عدة فصول وصولا الى النهضة التعليمية الشاملة ممتدة الى مختلف أنحاء السلطنة ومستوعبة كل المراحل، الى جانب المرحلة الجامعية ..وقد ارتبطت بصداقات مع عدد من هؤلاء المعلمين الأوائل وبعضهم كان من أساتذتى ،وسمعت منهم كلاما إيجابيا وكيف أن المرء منهم كان يشعر بالتفانى فى سبيل القيام بهذه المهمة المقدسة .
ووفقا للباحث والدبلوماسى العمانى سالم بن سيف الحربى فى أطروحة الدكتوراة التى حصل عليها مؤخرا من قسم العلوم السياسية والإدارة العامة بكلية التجارة بجامعة بور سعيد بمصر تحت عنوان “تطور العلاقات العمانية المصرية فى الفترة من 1970 حتى 2011 م بين الاستمرارية والتغير وتأثيرها على قضايا الأمن الإقليمى” فإنها اتسمت ولازالت بالخصوصية القائمة على الاحترام والتقدير المتبادل مما أسهم فى الارتقاء بها نحو الآفاق الارحب وإضاءة الطريق لتوسيع نطاق التفاعل بينهما من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى والعمل على صيانة ودعم العمل العربى المشترك،مشيرا الى أن من بين تجليات الخصوصية فى العلاقات بين القاهرة ومسقط هذا القدر الكبير من التوافق والمواقف المشتركة للدولتين حيال قضايا الأمن فى منطقة الخليج العربى ابتداء من الثورة الإيرانية وأزمة الخليج الاولى والثانية ثم أزمة الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003 م ثم أزمة الملف النووى الإيرانى وما لحقها من تطورات وتداعيات.. وأخيرا تلك الرؤية المشتركة لكلتا الدولتين فى علاقة الأمن القطرى بالأمن القومى العربى وتداخلهما وترابطهما ،وأنهما ذواتا علاقة عضوية بحيث يصعب فصل إحداهما عن الأخرى. ولذلك جاءت المواقف متقاربة إلى حد التطابق ومشتركة دون خلافات.
زيارات متبادلة
وكما أشرنا سابقا،فقبل أكثر من 3500 سنة، تاجر العمانيون مع المصريين القدماء بنفس السلع التي تاجروا بها مع بلاد ما بين النهرين – الفضة والنحاس والأخشاب الثمينة وأشجار المر والصمغ – كما تشير النصوص الفرعونية إلى أن معاملات المصريين القدماء كانت كبيرة مع “بلاد بونت” بسبب وجود اللبان والصمغ والبخور حتى أن الملكة حتشبسوت زارت ظفار في رحلة تاريخية يشير اليها النقش الموجود على جدران معبد “الدير البحري” بوادي الملوك في الأقصر تخليداً لتلك الرحلة.!
أما في التاريخ المعاصر فجمعت بين الطرفين روابط سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة ،فقد قام عدد من السلاطين العمانيين في كل من مسقط وزنجبار بزيارات متفرقة إلى مصر سواء كانت خاصة أم عابرة أثناء مرورهم بها في رحلات دولية أو إقليمية.
ورغم وجود الكثير من الوثائق في دار الوثائق القومية بالقاهرة التي تظهر عمق العلاقة بين مصر وسلطنة عمان – مثل أوامر محمد علي باشا بالاحتفاء بإمام مسقط السيد سعيد بن سلطان عند عودته من المدينة المنورة إلى جدة في عام 1824م وغيرها من مئات الوثائق الأخرى – إلا إن علاقة السلطان برغش باشا بالخديو إسماعيل تظل هي الأقوي والباقية والمتداولة في التاريخ.
يؤكد المؤرخون أن العمانيين حين حكموا زنجبار حولوها لأندلس القارة الإفريقية، فقد كان حكم الشاب الطموح الذي حكم زنجبار في عام 1870م بعد وفاة شقيقه السيد ماجد السلطان برغش سعيد بن سلطان البوسعيدي نموذجا وشاهدا على ذلك حيث يقول الكاتب البريطاني آلان مورهيد في كتابه “النيل الأبيض” الصادر من الهيئة العامة للكتاب في مصر: “إن برغش كان شديد المراس، حيث تظهره الصورة الموجودة بمتحف زنجبار الصغير بأنه ربعة بادي الطيبة في ثياب الشرق الفخمة.. لم يكن ناعما لينا مثل الخديو إسماعيل، الذي كان حضريا، فقد كان برغش ذا مهابة وأكثر بساطة يحف به جو الصخور والفيافي العمانية”.
في بداية حكمه لزنجبار، قرر برغش باشا اعتماد مبدأ حسن الجوار بكل محبة وود مع جيرانه، لا سيما مع مصر وحاكمها الخديو إسماعيل (1863- 1879م) حيث أرسل اليه رسالة خاصة “وهي الوثيقة التي تتواجد في الهيئة العامة للمخطوطات والوثائق العمانية، كما توجد صورة منها في الأرشيف الوطني لزنجبار”.. وقد استقبله الخديو إسماعيل استقبالًا أسطوريًا مفعما بالحفاوة والإكرام والتبجيل على الرغم من تزامن وفاة “زينب” ابنة صديقه الخديوي مما اضطره أن يمكث شهورا في مصر.
كان الإنجليز يكرهون السلطان برغش الذي كان أكثر بكثير من مجرد مغامر ومحارب، فقد كان مفاوضا أريبا بارعا، وكان يوطد إمبراطوريته في إفريقيا، مما أكسبه كراهية المعتمد البريطاني – تشرشل – أنذاك ” ،والذي كاد أن يجن من عداواته ومراوغاته.. فكما توضح المراجع التاريخية التي كتبت عنه، كان برغش أول سلطان عربي يعقد اتفاقية مع إنجلترا لتحريم تجارة العبيد في إفريقيا وزنجبار التي كان يحكمها.
ويؤكد المؤرخون أن العلاقة بين الخديو إسماعيل والسلطان الشاب برغش، أدت لأن يري برغش والدة الخديو إسماعيل هي والدته، وصمم علي أن يذهب للقائها في مصر.. كما يؤكدون أيضا أن الخديو إسماعيل صمم علي الاحتفاء بصديقه، سواء في وداعه أو في استقباله، حيث خرج السلطان برغش ورجاله إلى محطة السكة الحديد، وكان الخديوي وأبناؤه في مقدمة مودعيه ثم اتجه إلى الزقازيق، ومنها إلى مدينه السويس حيث أطلق الجنود هناك احدى وعشرين طلقة ترحيبا بقدومه ..و كان والي السويس ومحافظ المدينة وكبار المسئولين في مقدمة مستقبلي السلطان الذي انتقل إلى البارجة التي أعدها خديوي مصر لتنقله إلى زنجبار مرورا بميناء عدن التي وصلها بعد خمسة أيام حيث أطلقت البوارج البريطانية احدى وعشرين طلقة ترحيبا بوصول السلطان إلى عدن.
لكن البريطانيين حاولوا الوقيعة بين الصديقين – السلطان برغش والخديوي إسماعيل – تحسبا من أن تؤثر صداقتهما وتحالفهما علي مصالحهم الاستعمارية فأقنعوا السلطان برغش بترك سفينة الخديو والارتحال به الى زنجبار – استكمال الرحلة من عدن الى زنجبار – عبر سفينة إنجليزية الامر الذي جعل الخديو إسماعيل يشتاط غضبا..وهكذا تحولت الصداقة بين الرجلين الى قطيعة استثمرها خصومهما لاحقا في تعزيز فرصهم لانجاح مخططهم الرامي الى احتلال دول عربية وأفريقية ..وهو ماكان بالفعل عقب مرور سنوات قليلة على زيارة برغش لصديقه الخديوي إسماعيل؟!
لقاء الاسكندرية

وأثناء زيارته إلى المملكة المتحدة عام 1928م زار السلطان تيمور بن فيصل مصر عندما غادر أوروبا متجهًا إلى الإسكندرية التي وصلها يوم 15 نوفمبر حيث أقام بها حتى العاشر من ديسمبر للراحة والاستجمام، ثم غادر السلطان تيمور بعدها إلى بومباي التي وصلها في العاشر من ديسمبر 1928 م ثم أكمل سفره إلى مسقط التي وصلها في الحادي والثلاثين من ديسمبر 1928م.
ومن بين الزيارات كذلك، زيارة السلطان سعيد بن تيمور إلى القاهرة في 13 أبريل من عام ١٩٤٤، والتي تعد الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم بها السلطان إلى مصر بحسب ما ذكره في لقائه مع مجلة “المصور” المصرية، حيث كان قد سبق له المرور على مصر في طريق عودته من أوروبا،وقد نزل السلطان سعيد حينها في فندق “شبرد” .
وكتب المحرر الذي أجرى اللقاء مع السلطان سعيد واصفا إياه يقول :”في نحو الأربعين من عمره متوسط القامة ربعة قمحي اللون يتكلم العربية الفصيحة في لهجة اهل اليمن وعرب السواحل، فالقطر الذي يحكمه في الساحل الجنوبي الشرقي لشبه جزيرة العرب على بحر الهند وخليج فارس ،ويدعى عمان وعاصمته مسقط ، ويسكنه مليون نفس ، ويتبعه في الساحل المقابل إقليم “جوادر” في الجنوب الغربي من ايران ..وهذه السلطنة مستقلة ولكنها ترتبط مع بريطانيا بمعاهدة صداقة وتحالف”…
وقد سألنا عظمة السلطان عن سبب زيارته لمصر فأجاب : انني ازور مصر لأول مرة وقد مررت بها في عام 1936م حين عودتي بالباخرة من اوربا الى بلادي،ولم يتسع الوقت كي انزل بها واقضي فيها بضعة أيام ،وقد اعتزمت ان أقوم برحلة في الأقطار العربية فقصدت مصر أولا وسأمكث بها أسبوعا ثم أغادرها الى لبنان وسورية.. وربما سافرت الى العراق ..وسأعود الى مصر بعد ذلك.
وسئل ما اذا كان قد التقى مصطفى النحاس باشا – الذي كان رئيسا لوزراء مصر آنذاك – فأجاب: نعم ..وقد لقيت منه كل ما سرني ..وهو رجل جدير بحب بلاده وتقدير العرب لجهوده.
ثم سئل : وهل تباحثتم معه في مسألة الوحدة العربية..وما هو رأيكم فيها؟ فأجاب: لم تجر بيننا أية مباحثات في هذا الشأن حتى الأن ..أما رأيي في الوحدة العربية فهي فكرة جليلة نرحب بها ونتمنى تحقيقها في أقرب وقت بين الحكومات العربية كما هي بين الأمم الشقيقة التي ترتبط منذ القدم بروابط من اللغة والتاريخ والدين والتقاليد لا انفصام لها…وايا كانت هذه الوحدة فهي لاشك عامل قوي في تدعيم التضامن العربي.
وكان السلطان سعيد بن تيمور قد التقى خلال تلك الزيارة بعدد من الشخصيات المصرية المهمة كالملك فاروق الأول ملك مصر والسودان وبلاد النوبه وكردفان، والذي أقام مأدبة كبيرة في قصر عابدين على شرف السلطان سعيد، ودولة مصطفى النحّاس رئيس الوزراء، وشخصيات سياسية أخرى مهمة.
الدبلوماسية الحديثة
وعلى الرغم من التاريخ الممتد من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين البلدين الشقيقين الا أن تأطير هذه العلاقات الدبلوماسية بمفهومها الحديث – سفير هنا وسفير هناك – بدأت في العام 1972م حيث كانت جمهورية مصر من أوائل الدول التي اهتمت سلطنة عمان بوجود علاقات دبلوماسية معها نظرًا لأهميتها وثقلها السياسي العربي، ففي شهر أبريل من العام 1972 م قدم الشيخ سعود بن علي الخليلي رحمه الله أوراق اعتماده كأول سفير لسلطنة عمان لدى جمهورية مصر العربية إلى السيد حسين الشافعي نائب رئيس الجمهورية أنذاك.
وفي الثامن والعشرين من أكتوبر من نفس العام قدّم سعادة السفير المصري حسن علي حسن سالم أوراق اعتماده إلى جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – كسفير لجمهورية مصر العربية لدى سلطنة عمان.
ومنذ ذلك العام وحتى الآن – خمسين عامًا – توالي العديد من السفراء من الطرفين ،والذين قدموا الكثير من الأعمال والجهود من أجل دعم العلاقات المشتركة، وتعزيز روابط الأخوّة، وتنسيق المواقف المشتركة، وتبادل الخبرات المتنوعة.
الفترة الذهبية
فترة حكم جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد التي امتدت منذ الثالث والعشرين من يوليو 1970م حتى يناير 2020م يمكن اعتبارها الأكثر ازدهارا للعلاقات الثنائية بين مصر وعمان ،فقد شهدت العديد من الزيارات إلى جمهورية مصر العربية فكانت أولى هذه الزيارات في ديسمبر من عام 1972 م ضمن جولة لجلالة السلطان قابوس ،شملت ليبيا كذلك، حيث التقى خلالها بالرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات..وفي 18 مايو 1977م قام بزيارة أخرى ضمن جولةٍ عربية شملت عددًا من البلدان، حيث استقبله الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وزار عددًا من المعالم هناك.
وفي التاسع من مايو 1982م قام بزيارة إلى مصر حرص خلالها على تفقد قناة السويس مرورا بنفق الشهيد أحمد حمدي، حيث تفقد بعض المنشآت بالمدينة التي قدمت له مفتاحها كهديةً تذكارية..
وفي السابع والعشرين من أبريل 1985 م زارها أيضا حيث التقى بالرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك وبعدد من المسؤولين متناولا أثناء لقائهم العديد من القضايا العربية..
وفي التاسع عشر من مايو 1989م، زار الجامع الأزهر الشريف حيث أدى صلاة الجمعة برفقة الرئيس مبارك، وزار دار الأوبرا المصرية، كما استقل مع الرئيس مبارك مترو أنفاق القاهرة الذي كان يعد نقلة نوعية في وسائل المواصلات في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، وأول مترو أنفاق في الشرق الأوسط وإفريقيا..
وفي العاشر من يوليو 1996م زار السلطان قابوس مصر للتنسيق مع رئيسها مبارك أنذاك حول الإعداد للقمة العربية في القاهرة من 21 إلى 23 يوليو من نفس العام، كما التقى الأمين العام للجامعة العربية في ذلك الوقت د.عصمت عبد المجيد.. وذكر الرئيس حسني مبارك حينها أن السلطان قابوس في مقدمة الزعماء العرب الذين يؤمنون بجمع الشمل العربي وتصفية الخلافات والارتفاع فوقها بما يحقق المصلحة العربية العليا ، وكانت تنقية الأجواء العربية هي محور مباحثات السلطان قابوس مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، وقد حضر تلك القمة عشرون دولة عربية ..وكانت الأولى التي جمعت جميع القادة العرب تقريبا منذ صيف 1990م عام الغزو العراقي للكويت.!
وفي الثالث من فبراير 1999م قام السلطان قابوس بزيارة رسمية لمصر استغرقت عدة أيام أجرى خلالها مشاورات مع الرئيس حسني مبارك في منتجع شرم الشيخ لبحث أهم القضايا العربية ،كما بحثا تنمية العلاقات بين البلدين وإعطاء دفعة قوية للعلاقات التجارية والاقتصادية إلى المستوى الذي يعكس الإمكانات الحقيقية للبلدين..كما قام بزيارات أخرى عديدة رسمية وخاصة دلت على قوة العلاقة ومتانتها بين البلدين الشقيقين.
وعلى الجانب المصري،فقد قام الرؤساء المصريون منذ العام 1970 م بعدد من الزيارات إلى سلطنة عمان، والتي كان من أبرزها في السابع والعشرين من فبراير عام 1976م للرئيس المصري محمد أنور السادات حيث حظي باستقبال شعبي كبير، وكان السلطان قابوس بن سعيد على رأس مستقبليه، وقد أجرى الزعيمان مباحثات مثمرة حول مجمل القضايا التي تهم البلدين بصفة خاصة والوضع العربي بشكل عام.
وكان الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك هو صاحب الرصيد الأكبر من الزيارات لسلطنة عمان حيث ربطته علاقة شخصية قوية مع جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، ويمكن وصف عهديهما بالعصر الذهبي للعلاقات المصرية – العمانية.
ومن أهم الزيارات التي قام بها الرئيس مبارك الى مسقط – وأولاها – كانت في العام 1982م بعد توليه المسئولية في أعقاب اغتيال الرئيس السادات..تلتها زيارة أخرى “هامة” في العام 1994م برفقة الراحل اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الأسبق في مصر..وفي الأول من فبراير 2001 م قام بزيارة رسمية لسلطنة عمان استغرقت ثلاثة أيام أجرى خلالها مباحثات شاملة مع السلطان قابوس بن سعيد تركزت حول آخر مستجدات الوضع العربي وتطورات عملية السلام في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.
وفي الثامن عشر من مارس 2009م استقبله السلطان قابوس حيث بحث الزعيمان كافة الأمور التي من شأنها أن تفتح آفاقا جديدة من التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات بالإضافة إلى بحث المستجدات الجارية على الساحتين العربية والدولية.
وفي الرابع من فبراير 2018م قام فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بزيارة لسلطنة عُمان استقبله خلالها جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد وكبار المسؤولين العمانيين،وهي الزيارة التي تعد الاولى للرئيس السيسي لسلطنة عمان منذ توليه مهام منصبه في العام 2014م حيث بحثا سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وأخيرا..في أوائل العام الجاري 2022م كانت الزيارة الثانية للرئيس السيسي لسلطنة عمان..والاولى في ظل حكم جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور أل سعيد حيث جرى توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات.
مواقف مشتركة
على الجانبين – العماني والمصري – يمكن رصد مجموعة من المواقف ذات الدلالات التي لا تخطئها عيون المراقبين..وهي مواقف تتصف في مجملها وتفاصيلها بالايجابية والنبيلة تجاه بعضهما البعض..ونظرا لكثرتها وتعددها نكتفي هنا بالإشارة الى أبرزها.. فأثناء حرب أكتوبر 1973 م أصدر السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله مرسومًا تاريخيا يقضي بالتبرع بربع رواتب الموظفين لدعم مصر، مع إرسال بعثتين طبيتين عُمانيتين لـكل من مصر وسوريا، كما قطعت سلطنة عمان النفط عن الولايات المتحدة وهولندا بسبب موقفهما المنحاز تجاه إسرائيل .
وفي الرابع والعشرين من نوفمبر 1973م حرص السلطان قابوس على تهنئة الرئيس السادات بعد نصر أكتوبر المجيد، فنزل من طائرته عند وصوله إلى مصر مرتديًا زيه العسكري، واستقبله الرئيس السادات الذي كان مرتديًا هو الاخر زيه العسكري أيضًا..وذلك في دلالة على ما يشكله هذا النصر التاريخي للعرب أجمعين وليس لمصر وحدها.
وعندما وقّعت مصر اتفاقيات كامب ديفيد في السابع عشر من سبتمبر 1978 م وما ترتب عليها من توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في السادس والعشرين من مارس العام التالي 1979م ما أدى الى حدوث المقاطعة العربية لمصر، لم يقطع السلطان قابوس بن سعيد علاقته بـمصر بل ظل محافظًا عليها مطلقا حينها مقولته الشهيرة :” إن مصر لا تقاطع ولا تعزل ولا تموت بسبب موقفها” داعيا الدول العربية إلى العديد من المبادرات التي تهدف إلى لمّ الشمل العربي.. وشدد أيضا على استمرار دعمه السياسي والاقتصادي اللامحدود لمصر، بل دعا الأشقاء العرب إلى الوقوف إلى جانب مصر في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي حتى عدلت الدول العربية عن قراراتها، وعادت للعمل المشترك تحت مظلة الجامعة العربية من جديد بالقاهرة.
وفي الثامن عشر من نوفمبر 1984م ألقى السلطان قابوس خلال الاحتفال بمناسبة العيد الوطني الرابع عشر لسلطنة عمان كلمة تاريخية، قال فيها: “لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، وهي لم تتوانَ يومًا في التضحية من أجله، والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل تقدير”.
كانت تلك أبرز المواقف من الجانب العماني..فماذا عن الجانب المصري؟
منذ اهتمام سلاطين عمان بتطوير النظام الإداري وبداية ظهور المؤسسات – وبالأخص خلال عهد السلطان فيصل بن تركي وابنه السلطان تيمور ومن بعدهم السلطان سعيد – كانت الكفاءات المصرية من أوائل الذين أسهموا في هذا التطوير، فقد عرفت سلطنة عمان عددًا من الموظفين الذين أسهموا في بناء منظومة الجمارك من أبرزهم عبد السلام حسين غنّام، وأحمد زكي عبده، وعبد الله أفندي، وشفيق أفندي الدهشوري، ومحمود محمد مكي، وبشارة الطرابلسي…أما إسكندر حنّا فقد عمل مديرا عاما للجمارك السلطانية منذ عام 1923 وحتى 1960 م مع بعض الفترات التي انقطع فيها بسبب ظروف سفره، وكان من أكفأ الكوادر الإدارية التي أسهمت في ضبط منظومة الجمارك ووضع القوانين الخاصة بها.
كما أسهمت المطابع المصرية في طباعة العديد من الكتب الفكرية العمانية في مختلف الفنون خلال الفترة التي لم تكن الظروف مؤاتية لذلك في عمان قبل عام 1970م، كما كانت الصحف المصرية تصل إلى مسقط وزنجبار متفاعلة مع الشأن العام بهما، بل وجمعت ببعض أصحابها علاقات وطيدة مع سلاطين عمان في كل من مسقط وزنجبار..و تفاعل عدد من العلماء والأدباء العمانيين مع القضايا العربية حيث كانوا يرسلون بأعمالهم إلى الصحف المصرية لنشرها ..ومن بينهم أبو مسلم البهلاني وناصر بن سليمان اللمكي وغيرهم.
وخلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن العشرين – وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر- قدمت الحكومة المصرية العديد من البعثات الدراسية للطلبة العمانيين من أجل الالتحاق بمدارسها وجامعاتها، ويذكر في هذا السياق أن بعثة “ساحل سليم” في صعيد مصر نهاية الخمسينات ضمت عددًا من الطلبة العمانيين من بينهم أحمد عبدالنبي مكي – وزير الاقتصاد الوطني ونائب رئيس مجلس الشئون المالية وموارد الطاقة السابق، ود. على بن محمد موسى وزير الصحة السابق وعبدالله سعيد عبدالله البلوشي، ونوري علي أحمد وغيرهم من ضمن تلك البعثات التي دلت على حرص الحكومة المصرية من أجل أن ينال طلبة عمان فرصة التعليم قبل التحاقهم بالجامعات المصرية التي ضمت حينها العديد من الطلبة العمانيين أيضا.
ومع بداية عهد جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد في الثالث والعشرين من يوليو 1970م كان لمصر مواقف إيجابية في دعم النهضة وتقديم الإمكانات المتاحة، فقد أجرت صحيفة (الجمهورية) القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 19 فبراير 1971 م أول تحقيق صحفي لها من داخل عمان تضمن معلومات مهمة عن قيام العهد الجديد وخطوات الإصلاح والتغيير التي يقوم بها جلالة السلطان قابوس في جميع مجالات التنمية ناقلة مشاعر المواطنين وفرحتهم بالحلم الذي بدأ يتحقق في تلك الفترة.
وفي أبريل من العام 1971 م زار مبعوث الرئيس المصري أنور السادات – الدكتور حسن صبري الخولي – سلطنة عمان حيث التقى جلالة السلطان قابوس بن سعيد وعدد من المسؤولين، وأشاد بالنقلة الحضارية التي تشهدها سلطنة عمان بقيادة جلالة السلطان قابوس، وألقى كلمة في “نادي عمان” تحدث فيها عن الأدوار التاريخية البطولية لأهل عمان معربا عن تفاؤله بالمستقبل المشرق التي ينتظرها.
وفي أغسطس من نفس العام اتفقت وزارة التربية والتعليم مع الوفد المصري المكون من الأستاذين إبراهيم غندور ويوسف عزالدين على انتداب أربعين مدرسا ومدرسة من جمهورية مصر للعمل في سلطنة عمان كأول وفد تربوي يسهم في حاضر التعليم العماني.
وفي مارس من العام التالي 1972 م قام وفد صحفي مصري يمثل دار “أخبار اليوم ومجلة الإذاعة والتليفزيون” بزيارة سلطنة عمان للاطلاع على معالم النهضة الحديثة في البلاد وقام الوفد بجولات في المناطق العمانية وأجرى لقاءات مع المسؤولين.
وفي أكتوبر من نفس العام وصلت إلى مسقط بعثة علماء الأزهر الشريف لإلقاء محاضرات دينية بمساجد السلطنة إحياء لليالي شهر رمضان المبارك أنذاك حيث أشاد أعضاؤها بالخطوات المتسارعة على طريق التقدم والرقي .
عكاز الامة العربية
تعددت الزيارات الهامة خلال الخمسين عاما الماضية بين قيادتي البلدين حيث كانت أخرها تلك الزيارة المهمة والناجحة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال العام الجاري ،والتي عكست مكانة البلدين في المنظومة العربية والشرق أوسطية باعتبارهما “رمانة الميزان” في الأمن القومي العربي..فقد جسدت عمق العلاقات التاريخية المتميزة بين البلدين، خاصة بعد أن أكد البيان الصادر عن البلاط السلطانى أن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس المصري تأتي امتدادا للعلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين، وتعزيزا لمسيرة التعاون المثمر وحرصا من قيادتيهما على دعم المصالح المشتركة في مختلف المجالات.
ووفق البروتوكول الدبلوماسي، تعد “زيارة دولة” هي الأعلى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات، ولها مراسمها الخاصة وبرامجها المميزة، وتنطوي على معنى سياسي كبير، وتسودها أجواء احتفالية وشرفية على صعيدي الاستقبال والتوديع- تنظمها الدولة المضيفة للرئيس الزائر.
وكان الرئيس السيسي قد زار السلطنة في عام 2008م لأول مرة منذ توليه رئاسة مصر حيث التقى جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد في “زيارة دولة”..وجاءت الزيارة التالية هذا العام للرئيس السيسي باعتبارها الأولى منذ تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في السلطنة..وهي أيضا كانت “زيارة دولة”.وقد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلالها قوة ومتانة العلاقات المصرية العمانية وما تتمتع به من استقرار على مدار عقود، ساهمت فيها، بشكل رئيسي حكمة القيادة العمانية التي تحظى بتقدير كبير من الشعب المصرى.
ومن المأمول أن تمهد تلك اللقاءات لمرحلة جديدة للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وتحقق نقلة نوعية في مسار التعاون المشترك بينهما على المستويين الثنائي والإقليمي في مختلف المجالات، و ضرورة المضي في تعزيز منظومة العمل العربي المشترك وتسريع وتيرة مشروع التكامل الاقتصادي العربي وتحقيق الاستفادة القصوى من الميزات التنافسية لكافة الدول العربية.
الوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية السابق – يوسف بن علوي عبدالله – لخص النظرة السياسية العمانية تجاه مصر بمقولة تاريخية مؤداها أن مصر بالنسبة لسلطنة عمان “هي كل شيء في العالم العربي وهو أمر واضح ومؤكد وأثبتته التجارب..وأن زعامتها في المنطقة أزلية وأبدية لا ترتبط بتوقيت ولا تعرف التقلبات”.. وأن السلطنة تنظر إلى مصر على أنها “عكاز الأمة العربية ..والمنصة التي تجمع الأمة العربية ودورها مشهود ويتعاظم”.
ومن المتوقع أن يلبي جلالة السلطان هيثم بن طارق دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة مصر – والتي ستكون الأولى من نوعها منذ توليه مقاليد الحكم في السلطنة لبلد عربي خارج دول التعاون الخليجي – من المتوقع تلبيتها خلال النصف الأول من العام القادم ما سيشكل دفعة قوية جديدة للعلاقات الثنائية العميقة بين البلدين التوأمين.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق