شهرية ..مستقلة

أوجاع العرب..وكوابيس المستقبل (1)

0

أعد الملف  وأجرى الحوارات : العزب الطيب الطاهر

واقع الحال ينذر بالخروج الطوعي من ركب الحضارة الانسانية

حروب  أهلية ..نزاعات مسلحة ..مؤامرات .. اختناقات اقتصادية .. وتراجع منظومة العدالة الاجتماعية

الاعتماد على محددات قادمة من الخارج المتحكم فى مقادير الثروة العربية ..نفطا وغازا وإنتاجا وتصديرا واستيرادا وحركة مال

الحديث عن المرجعيات الدينية والمذهبية والتشكيلات العشائرية والجهوية والحزبوية الضيقة يخصم من حساب مرجعية الدولة العليا

استمرار التفتت والانقسامات الداخلية واستهداف فئات من السكان لأسباب دينية أو إثنية ينذر بتحوّيل المنطقة إلى كانتونات ودوقيات وفيدراليات!

الإحباط والقنوط يدفع الأوساط الشعبية الى الاعتقاد بشيخوخة جامعة الدول العربية وانتهاء دورها ..واستحالة اصلاحها

المشهد العربى بات يزخر بجملة من المخاطر التى يطلق عليها البعض “التحديات” – وذلك من قبيل التلطيف – غيرأنها فى حقيقة الأمر مخاطر حقيقية تحاصره  من كل الجهات.

حروب أهلية ..نزاعات مسلحة ..مؤامرات .. تدخلات من كل صوب وحدب – من المحيط الإقليمى ومن الدول القابضة على مفاصل المعمورة – مع إنخفاض منسوب التضامن القومى فيما بين وحدات النظام الإقليمى العربى الى حد تفضيل الحليف الأجنبى على الشقيق العربى،فضلا عن اختناقات اقتصادية  وتراجع منظومة العدالة الاجتماعية لدى بعض هذه الوحدات بفعل غياب رشادة التعامل بفعالية  وكفاءة وشفافية مع المعضلات القائمة على هذا الصعيد  نتيجة قصرنظر وضيق أفق الرؤى والبرامج المطبقة لاعتمادها على محددات قادمة من الخارج  الذى أضحى منذ سنوات يتحكم فى مقادير الثروة العربية نفطا وغازا ..إنتاجا وتصديرا واستيرادا  ,وحركة المال بالطبع  ،وخاصة فى عواصم الغرب الكبرى.

ثمة من ينحى باللائمة على ما يطلق عليه ثورات الربيع العربى التى اندلعت فى المنطقة فى يناير 2011 م ثم توالت تداعياتها – التى مازالت مستمرة حتى اللحظة الراهنة – وثمة من يعيد الأمور الى ما قبل ذلك من حقبة استعمارية ودخول الكيان الصهيونى على خط المنطقة بعد اغتصابه فلسطين ،وما نتج عن ذلك من تمدد لمشروعه الاستعمارى الاستيطانى فيها وفى المنطقة ليس على الصعيد الجغرافى فحسب , وإنما على الصعيد الاستراتيجى والسياسى والاقتصادى  ،وغير ذلك من مسببات ومنغصات .

حيال هذا الواقع الملتبس والمأزوم ،والذى تتفاعل تداعياته على نحو شديد الخطورة على الأمن القومى العربى  ،بل على الوجود العربى، وهذا ليس من قبيل العبارات الإنشائية  ,وإنما هو توصيف صحيح لما يمكن أن ينتج عن استمرارهذا الواقع بكل معطياته الراهنة والمرئية  لكل متابع سواء ينتمى للنخب الحاكمة أو النحب العامة ،أو حتى للمواطن العادى الذى اتسعت مساحة الوعى لديه.

حيال هذا الواقع الموجع كان من الضرورة بمكان أن نبحث بعمق فى المخاطر والتحديات ،نوصفها بصراحة متناهية حتى ولوأدمت القلوب ،بكل ما تنطوى عليه من تداعيات سلبية، ونستشرف فى الآن ذاته إمكانية وأفق  تجاوزها – لاسيما فى ظل ما يرسم للمنطقة العربية من خرائط جديدة ,أو بالأحرى “سايكس بيكو 2″, بعد كثر من قرن على” سايكس بيكو 1 ”  – ولعل واحدا من السيناريوهات التى يتم الإعداد لها حاليا يكمن فى الإعلان عن تحالف الشرق  الأوسط الاستراتيجى   تم الحديث عنه رسميا خلال منتدى حوار المنامة 2018 م الذى عقد فى نهاية أكتوبر الماضى على لسان وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس  ووزيرالخارجية السعودى عادل الجبير ووزير الخارجية البحرينى الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وغيرهم من المسئولين العرب الذين شاركوا فى هذاالمنتدى السنوى . ” الزمن ” تفتح هذاالملف أو بالأحرى “الجرح “مع نفر من المفكرين والاستراتيجيين  من غير قطر عربى حتى تكون ملامح الصورة مرسومة بألوان متباينة ومتنوعة عبرسلسلة من الحوارات المعمقة والموسعة فيما يلى حصيلتها : 

السفير هاني خلاف

الدولة الوطنية تواجه مخاطر التفكك والتقسيم  على خلفيات التباينات العرقية والطائفية والمذهبية

مطلوب إسناد مهام حماية الأمن القومى الى الدول العربية ذاتها وتقاسم أعبائها وتوزيع كلفتها حسب إمكانات كل منها

ضرورة إعادة النظر في السياسات والاستراتيجيات بما يحقق أكبر قدر من العدالة والإنصاف وفق مبدأ المواطنة كأساس وحيد للحقوق والواجبات

أى حراك للتغيير الثوري يستهدف الخروج عن الطابع المدنى للدولة الوطنية يعد نوعا من الانتحار والمؤامرة غير المحسوبة

لم تتوافرالقدرة أو الرغبة بعد فى الاعتماد على قدراتنا الذاتية وما زلنا نفضل الاعتماد على القوى الأجنبية

نحتاج الى فكر جديد وأدوات جديدة تتجاوز ” الأنا “القطرية الضيقة مع إيمان بالحوار والحلول التفاوضية للأزمات والخلافات

أدعو الى ترشيد أساليب التحضير للقمم العربية ..ومنح الأمين العام للجامعة صلاحيات لتسوية بعض الأزمات والمواقف الخلافية

النظام  الإقليمى مازال قاصرا عن تحقيق  الانسجام بين مبدأ احترام  السيادة الوطنية والتكامل ووحدة السياسات العربية

ثورات الربيع العربى خلقت حالة من الفوضى السياسية والاضطرابات الأمنية وتراجع الأداء الاقتصادى

هناك من استغل الحراك الشعبى فى 2011 م للانقضاض على السلطة وتوجيه الحكم الى مسارات دينية وطائفية ومذهبية

تهديد الدولة الوطنية الخطر الأكبر ..والحكم الرشيد لايتحقق إلا بمشاركة السلطة والقوى السياسية والمدنية الأخرى

كانت بداية حواراتنا ولقاءاتنا مع  السفير هانى خلاف – المفكر السياسى مساعد وزير الخارجية المصرى  ومندوب مصر الدائم لدى جامعة الدول العربية سابقا – والذى يؤكد على نقطة بالغة الأهمية تتمثل  ,فى  إسناد مهام حماية الأمن القومى العربى الى الدول العربية ذاتها وفق منهجية تقاسم أعبائها وتوزيع كلفتها حسب إمكانات كل دولة  ,مشددا على ضرورة إعادة السياسات والاستراتيجيات العربية  بما يحقق أكبر قدر من العدالة والإنصاف وفق مبدأ المواطنة كأساس وحيد للحقوق والواجبات، وفيما يلى نص حصيلة إجاباته على تساؤلاتنا :

 -بداية ما هى من منظورك التحديات والمخاطر التى تواجه العالم العربى فى المرحلة الراهنة وكيف يمكن التعامل معها ؟

*يمكن تصنيفها  فى مجموعتيين رئيسيتين ,الأولى تشمل التحديات الحضارية والمجتمعية، والثانية تشمل المخاطر السياسية والتهديدات الخارجية  ،وعلى الرغم من  اشتراك جميع الدول العربية فى مواجهة تلك التحديات  إلا أن  هناك قدراً من التباين فى أنصبتها ،وفى كيفية التعامل معها.

وتشمل المخاطر من النوع الأول : ارتفاع نسب الأمية ، وتواضع نوعية ومستوى التعليم  والبحث العلمى فى بلادنا العربية ، والتفاوت فى مستوى الخدمات المتاحة بين المناطق الحضرية والريفية والصحراوية ، والاعتماد على الاقتصاد الريعى باكثر من الاقتصاد الانتاجى،كما  تمارس القيم التراثية والشعبية دوراً سلبياً خطيراً  يعوق النهوض الحضارى كاستمرار بعض التفاسير والممارسات الدينية الضيقة أو المغلوطة، وإقحامها تعسفاً أو جهلاً فى بعض ميادين السياسة والاقتصاد والابداع الثقافى ونظم التشريع والعدالة ، والتمييز بين الرجل والمرأة ، واعتبار الأسرة كبيرة العدد نوعاً من العزوة والوجاهة الاجتماعية  دون مراعاة للأبعاد الاقتصادية والصحية التى تكتنف هذا التكاثر غير المحكوم  ،الى جانب ازدواجية النظر الى كل ماهو أجنبى ،أى الجمع فى آن واحد بين حالة الانبهار وحالة الشك أو الرفض ، والتعامل بارتياب مع كل جديد أو غير مألوف من نظم وأفكار.  

أما التحديات السياسية فتشمل نوعين : الأول يتعلق بنظم الحكم والادارة والممارسات السياسية الداخلية ، والثانى يتعلق بمصادر التهديد والتدخلات الخارجية .

ومن أبرز التحديات الداخلية غياب أو تغييب المشاركة الحقيقية للجماهير فى اختيار نظمها الدستورية والسياسية وفى صناعة القرارات المهمة ، ويرتبط بذلك ايضاً ضعف التنظيمات الحزبية والنقابية والسماح لبعضها بتشكيل ميلشيات مسلحة خاصة بها ، وميل السلطات الى تفضيل معيار الولاء على معايير الكفاءة والخبرة عند اختيار القيادات التنفيذية ، فضلاً عن ظاهرة التسييس لبعض الاحكام القضائية ، واستسهال اللجوء الى الحلول الأمنية بدلاً من المعالجة السياسية ، وتخلف الخطابين الدينى والاعلامى عن مواكبة متغيرات العصر وقواعد المهنية.

مخاطر خارجية   

 أما المخاطر والتحديات الخارجية ،فمن أبرزها استمرار عجز المجتمع الدولى عن ايجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى , مع استمرار اسرائيل فى مشروعات التهويد وضم الأراضى , والفصل التعسفى بين الضفة الغربية وقطاع غزة فى انتهاك واضح لأحكام القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية ، واضافة متغيرات جديدة الى وضعية القدس المحتلة  من خلال الاعتراف الامريكى بها عاصمة أبدية لاسرائيل ،وهو ما تجسد عمليا فى نقل السفارة الأمريكية  الى هذه المدينة المقدسة  فى مايو الماضى ،وما استتبع ذلك من خطوات أمريكية على الصعد الاقتصادية والانسانية والدبلوماسية  شكلت  خصما من رصيد حقوق الفلسطينيين وتكريسا للمشروع الاستيطانى الاستعمارى للكيان الصهيونى ،وذلك استباقاً لأية تسويات سياسية وقانونية بين الاطراف الرئيسية فى الصراع.  

  ومن التحديات الخارجية أيضاً , تدخل العديد من القوى الدولية والاقليمية فى الشئون الداخلية للدول العربية  تحت ذرائع مختلفة من بينها حماية الاقليات العرقية والدينية والحفاظ على حقوق الانسان ، ومنع الهجرة غير الشرعية ، وهناك من التدخلات ما يتذرع بحجج الخوف من تطوير بعض الدول العربية لسياساتها وقدراتها النووية أو استخدامها للأسلحة الكيماوية ،كما تسعى بعض هذه القوى الدولية والاقليمية الى السيطرة على موارد النفط والغاز ، وتشجيع مطالب الأطراف المحلية فى الإنفصال والاستقلال عن الدول الوطنية الأم – كالأكراد فى العراق ،والأمازيغ فى جنوب ليبيا والجزائر،والحوثيين فى اليمن،والأفارقة فى جنوب السودان! وهى كلها أمور تهدد بقاء الدولة الوطنية وأركانها وسلامتها الإقليمية.

  أما عن كيفية تعامل الدول العربية مع كل هذه التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، فهنا يلزم الاشارة الى عدة ملاحظات:  

  أولها إن أغلب النظم العربية تميل الى إنكار مسئولياتها عن خلق اواستمرار تلك التحديات والاشكاليات ، وتقوم بتحميل تلك المسئولية الى أطراف أخرى , سواء الى عهود ونظم سياسية سابقة فى الداخل, أو الى مؤامرات خارجية تحيكها قوى عالمية وإقليمية مجاورة , للنيل من قوة الدول العربية وإثارة الخلافات بينها ومحاولة تقسيمها الى أقاليم ودويلات صغيرة.  

  الثانية -إن أغلب محاولات الاصلاح السياسى والنهوض الحضارى , والخطوات الديبلوماسية التى قامت بها الدول العربية , فى اطار التعامل مع هذه التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية  ,جاءت فى إطارات جزئية ومتقطعة كرد فعل لأحداث معينة أو كمبادرات فردية من جانب بعض القيادات العربية  ,وليس فى اطارات منهجية واستراتيجية ورؤى شاملة ومخطط لها  ,بواسطة مؤسسات وطنية أو عربية جماعية .    

  والثالثة- ومن بين الأسباب الأخرى لعجز العالم العربى عن مواجهة تلك التحديات والتهديدات  قصور النظام الإقليمى العربى المتمثل فى جامعة الدول العربية عن مواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية  ,التى تمكنت من خلالها عدة نظم إقليمية أخرى من تحقيق الانسجام , بين احترام مبدأ السيادة الوطنية للدول الأعضاء من ناحية  ,وتحقيق التكامل ووحدة السياسات الاقتصادية والأمنية من ناحية أخرى  .

 ثورات الربيع العربي

– فى ضوء ذلك كيف تقيم   تجارب  مايسمى  بثورات الربيع العربى  خلال السنوات السبع الماضية  ؟

*أدت الثورات التى قامت منذ أواخر عام 2010 م ضد نظم الحكم  فى كل من تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن الى خلق حالة من الفوضى السياسية  والاضطرابات الأمنية وتراجع الأداء الاقتصادى داخل تلك الدول – وماتزال آثارها قائمة حتى الآن ،وان كانت بعضها كمصر وتونس قد نجحت  فى تحقيق قدر معقول من الاستقرار السياسى والأمنى واستعادة بعض العافية الاقتصادية خلال السنوات الاخيرة ، إلا أنها ما تزال تواجه صعوبات وتحديات أخرى  بفعل استمرار الفوضى والصراعات المسلحة فى دول الربيع العربى الأخرى – ليبيا وسوريا واليمن- وبسبب استمرار التدخلات الخارجية من جانب القوى الاقليمية المجاورة وبعض القوى الدولية .

ولم تقتصر انعكاسات ما سمى بالربيع العربى على الدول الخمس المذكورة  بل امتدت الانعكاسات السلبية الى عموم العالم العربى من خلال انتقالات بعض العناصر الارهابية عبر الحدود واستقدامهم عناصر وأطراف أخرى من دول آسيوية وأوروبية – برغم أنهم مسلمون يدعون الى استعادة دولة الخلافة الاسلامية الكبرى  – وهكذا اختلطت الدوافع المحلية للتغيير والثورة فى بعض البلدان العربية  بدوافع ومزاعم ودعاوى اخرى مستوردة من خارج المنطقة العربية.  

الانتحار

والتساؤل الذى يطرح نفسه بإلحاح : هل كان لدى قوى الثورة التى اطاحت بنظم الحكم فى الدول العربية الخمس رؤى واضحة لبدائل الحكم وملامح التغيير السياسى والاجتماعى المطلوب؟ أم أن هناك من استغل هذا الحراك الشعبى وشعاراته الرنانة عن الحرية والعيش والكرامة الانسانية  من أجل الانقضاض على السلطة وتوجيه الحكم الى مسارات دينية وطائفية ومذهبية ، وإقامة دولة الخلافة الاسلامية مرة أخرى ؟

وقد يرتبط بهذا تساؤل آخر, عمن يكون المستفيد الأكبر من إقحام هذا العنصر التاريخى والخلافى, المتعلق بالدولة الاسلامية أو الخلافة الإسلامية , مع تلك المرحلة الزمنية التى تزداد فيها قدرات اسرائيل العسكرية والنووية ، وتتوارى فيها عناصر التوازن فى النظام الدولى لصالح الحليف الاستراتيجى الأكبر لاسرائيل وهى الولايات المتحدة الامريكية.

وفى تقديرى  إن أى حراك للتغيير الثورى بالدول العربية والاسلامية يستهدف الخروج عن الطابع المدنى للدولة الوطنية أو استعادة دولة الخلافة الاسلامية الكبرى فى هذا التوقيت ،أى قبل استيفاء استحقاقات النهوض الحضارى والعلمى وأسباب القوة الاقتصادية والقوة العسكرية الرادعة  ،يعتبر نوعاً من الأنتحار أو المؤامرة غير المحسوبة.

نظام أمنى فاعل  

 – الى أى مدى ترى أن ثمة فراغا استراتيجيا فى المنطقة مما يبرز الحاجة الماسة الى نظام أمنى عربى محكم وفاعل؟

* تعددت شكاوى العرب مما يسمى بالفراغ الاستراتيجى فى منطقتهم  الناجم عن توافر مقومات جغرافية وموارد طبيعية واقتصادية حيوية دون أن تحميها قوة كافية  ،ورغم الحرص المبكر على عدم الانخراط فى الأحلاف العسكرية التى تشكلت عقب الحرب العالمية الثانية ، وعدم الإنضواء تحت أى من معسكرى الشرق والغرب فى ذلك الوقت (حلف وارسو وحلف الاطلنطى) إلا أنهم – أى العرب – لم يتمكنوا من تشكيل قوة استراتيجية عربية ذاتية تستطيع أن تصون أراضيهم ومواردهم الاقتصادية  ومياههم الاقليمية ومقدساتهم الدينية والتراثية.

وعلى الرغم  من تعدد المحاولات التى جرت منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضى لإبرام معاهدة للدفاع العربى المشترك ، وإقامة قيادة مشتركة للجيوش العربية بين مصر وسوريا والاردن ، واجراء تدريبات عسكرية ومناورات مشتركة بين بعض الدول على المستويات الثنائية  أو متعددة الأطراف، ورغم دعوة مصر التى أطلقتها   فى إطار القمة العربية التى عقدت بشرم الشيخ فى مارس 2015 م لانشاء قوة عربية عسكرية مشتركة ،إلا أن هذه المحاولات لم يكتب لها التفعيل الكامل والمستمر ،وظل بعضها حبراً على ورق؟ والمدهش أن الحالات الاستثنائية التى كان لها نصيب من بعض النجاح  جاءت فى اطار تحالفات ظرفية مؤقتة اشتركت فيها بعض الدول العربية مع أطراف دولية أجنبية ضد جيوش عربية أخرى (كالتحالف العربى الدولى لتحرير الكويت من الغزو العراقى،والتحالف العربى الدولى لاسقاط نظام صدام حسين فى بغداد،والتحالف العربى الدولى للقضاء على تنظيم  داعش فى العراق وسوريا،الى جانب العمليات العسكرية التى تمت بواسطة حلف الأطلنطى لحماية المدنيين فى ليبيا واسقاط نظام معمر القذافى عام 2011 م “وذلك بناء على طلب عربى الى مجلس الأمن”..وهكذا يبدو أن الدول العربية غير قادرة وغير راغبة فى الاعتماد على قواها الذاتية لحماية اراضيها ومواطنيها وثرواتها ،وأنها تفضل الاعتماد على قوى أجنبية لتحقيق هذه الحماية رغم توافر اليقين لدى الجميع بأن تلك القوى الاجنبية لديها أغراض ومخططات أخرى غير معلنة.

والتساؤل الذى ينبغى أن يثار الآن لمعالجة هذا الخلل يلزم أن يكون حول طبيعة النظام الأمنى العربى المطلوب وشروطه وخطواته الضرورية ،وفى هذا السياق نطرح العناصر التالية:  

  1-أهمية تحديد مفهوم واضح وشامل للأمن القومى العربى تتفق عليه جميع الدول العربية  بحيث يشمل الابعاد العسكرية والاقتصادية والاجتماعية،ويتعامل مع مختلف التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية.

  2- ضرورة إسناد مهام حماية هذا الأمن الى الدول العربية بالأساس ،وأن يتم تقاسم وتوزيع تلك المهام والأدوار حسب إمكانيات كل دولة.

  3-أهمية أن تتشكل لهذا النظام الأمنى هياكل وآليات وأدوات متخصصة فى جمع وتحليل المعلومات ، والتدريب المشترك ، وتخطيط السياسات والتحركات الميدانية ، وأن يتوافر لإدارته سلطات وصلاحيات قومية عليا يتفق عليها عند صياغة الاطارالقانونى.  

  4-أهمية الاستفادة من التجارب العربية الجزئية السابقة ،وتقييم أسباب نجاحها أو تعثرها مع الاستفادة ايضا بتجارب النظم الاقليمية الأخرى كالاتحاد الاوروبى ، والاتحاد الافريقى فيما يتعلق بالنظم والسياسات الأمنية والدفاعية والاقتصادية الناجعة.

الدولة الوطنية   

  – كيف تقرأ مستقبل ” الدولة الوطنية ” فى المنطقة العربية بين مخاطر التفكك وحتمية الإصلاح؟  

 *يواجه كيان ” الدولة الوطنية الموحدة ” فى المنطقة العربية مخاطر التفكك والتقسيم  على خلفيات التباينات العرقية والطائفية والمذهبية على نحو ما حدث  – ومازال يحدث – فى كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن, وعلى نحو ما حدث بالفعل فى السودان ، وما قد يحدث مستقبلا فى دول عربية أخري ، وتتوزع الأسباب المؤدية الى هذا المصير بين مسئولية نظم الحكم فى تلك الدول الأم واقتصادها وقدراتها الإستراتيجية الى جانب العلاقات الاجتماعية والإنسانية والمصالح التى تكونت بين مواطنيها عبر سنوات طويلة منذ نشأتها واستقلالها.  

  وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو التى وضعتها القوى الأوربية الاستعمارية السابقة  لتقسيم ميراث الإمبراطورية العثمانية فى المنطقة العربية  قد تعمدت رسم حدود الدول العربية على نحو معين ،فقد بات جليا أن فلسفة هذه الدول الاستعمارية من وراء ترسيم هذه الحدود  لم تخل من بعض الأغراض الخبيثة التى تخدم مصالح تلك الدول الاستعمارية على المدى البعيد  ،حيث أبقت الأكراد والامازيغ موزعين بين عدة دول عربية فى مشرق العالم العربي ومغربه ، وادخلت بعض القبائل الأفريقية داخل حدود السودان.

 أما نظم الحكم الوطنية التى توالت فى الدول العربية   بعد حصولها على الاستقلال  فقد كانت من جانبها مسئولة الى حد ما   عن عدم الإحكام فى صياغة العلاقات القانونية وعدالة توزيع الموارد   والخدمات بين كافة أقاليمها وجميع مواطنيها.  

  وإذا كان الانقسام المذهبي بين المسلمين الى – سنة وشيعة – قد عرف فى البلاد العربية تعايشا سلميا ملحوظا وممتدا عبر سنوات طويلة الا أن الثورة الخومينية فى ايران  فجرت منذ عام 1979 م هذا التعايش السلمي الهادئ عبر تبنيها خيار  “تصدير الثورة” الى الخارج  فكان ما كان من اضطرابات داخل العراق والكويت والبحرين ولبنان واليمن ، الى جانب التهديدات الموجهة الى السعودية والإمارات التى يمكن ان تعرض كيان الدولة الوطنية وسلامة إقليمها ومواردها فى تلك البلدان الى أخطار وقلاقل غير هينة.  

  والمطلوب الآن من كافة النظم الحاكمة فى مختلف البلدان العربية إعادة صياغة السياسات الاقتصادية والأمنية والثقافية والإدارية على نحو يكفل أكبر قدر من العدالة والإنصاف بين كافة المواطنين دون تمييز على أسس أثنية أو لغوية أو دينية أو مذهبية ، والتأكيد على مفهوم “المواطنة ” كأساس وحيد للحقوق والواجبات ،مع تطوير لنظم وآليات الإدارة المحلية للأقاليم والمدن والقرى ، الى جانب ضمان التمثيل العادل لمختلف شرائح وفئات الشعب داخل كافة المؤسسات الوطنية.

أما الأقاليم التى تواجه فيها بعض الدول العربية  حركات انفصالية أو احتجاجية عنيفة داخل أراضيها فلا بد من معالجة هذه الحالات باستخدام الحجم المناسب من القوة دون إغفال لحقوق المدنيين وحقوق الإنسان عموما ..وهي معادلة صعبة لا شك وتحتاج درجات عالية من الحكمة وبعد النظر وضبط النفس.

الحكم الرشيد  

  – هل ثمة  استحقاقات  للوصول الى  ” الحكم الرشيد ” وما هو  دور النخب السياسية والقوى الشعبية فى ذلك ؟

* بالتـأكيد.. فالى جانب دور النظم الحاكمة ومسئولياتها فى معالجة التحديات السياسية والتصدي للإشكاليات المجتمعية وللمخاطر الأمنية التى تواجهها الدول العربية فرادي أو مجموعات ,  

 هناك أدوار ومهام أخري يلزم ان تتصدي لها النخب والأحزاب السياسية  والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الإعلام والتثقيف والتربية الدينية  ورجال الأعمال من أجل الوصول الى ما يمكن تسميته بالمجتمع العربي الرشيد ،ومن بين هذه الأدوار المطلوبة على سبيل المثال  تنمية وتطوير الوعي بمفهوم المواطنة وما يرتبط به من حقوق الأفراد وواجباتهم ، والتدريب المستمر والمتجدد على كيفية ممارسة الديمقراطية داخل البيت والمدرسة والجامعة وفى علاقات العمل ، والنوادي الرياضية والجمعيات الأهلية  بما يسمح بتأهيل المواطنين والأفراد للمشاركة الواعية والصحيحة فى الانتخابات العامة وكيفية التعامل مع المختلفين ، وفي كيفية تسوية النزاعات وإنهاء الخصومات.

ومن بين الأدوار الأخري المهمة للوصول الى الحكم الرشيد أيضا تشجيع المواطنين على تنظيم الأسرة ، وعادة الإدخار ، والحفاظ على المرافق العامة ، والإقبال على دفع الاستحقاقات الضريبية ، والمساهمة فى مشروعات الإغاثة الإنسانية للفئات السكانية والمناطق المتضررة فى حالات الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ ، وتكريم المتفوقين علميا ومهنيا ، وتطوير الفهم الصحيح لرسالة الأديان وعلاقتها بنظم التشريع والسياسة والحرب والاقتصاد  والقضاء ، وتعزيز الاخوة الوطنية بين المنتسبين الى أديان ومذاهب مختلفة داخل الوطن الواحد.  

ومن المؤكد أن هناك أدوارا خاصة لرجال الأعمال والجمعيات الأهلية ,يمكن تقديمها فى ميدان العدالة الاجتماعية بما يساند دور الدولة ،ويخفف عنها بعض الأعباء المادية كتخصيص نسب معينة من قوة العمل فى المشروعات الإنتاجية والخدمية الجديدة لتشغيل شرائح من الشباب العاطل ، أو تسكين بعض الأسر الفقيرة ، أو تخفيض الآم النزوح والاغتراب عن بعض فئات المهاجرين والنازحين من بلادهم الأصلية.

النظام الإقليمى العربى   

 – فى ظل كل هذه المعطيات ما هو مستقبل النظام الإقليمي العربي المتمثل فى جامعة الدول العربية؟  

*يحتاج النظام الاقليمى العربى ، المتمثل فى جامعة الدول العربية ومجالسها ومنظماتها التابعة لها ، الى قدر كبير من المراجعة وتطوير الهياكل والآليات   بما يجعلها قادرة على الوفاء بالاحتياجات والظروف المستجدة فى المنطقة العربية و يتماشى مع التطورات الجارية فى العديد من النظم الاقليمية الاخرى فى اوروبا وافريقيا, واختصاراً يمكن عرض مواضع التطوير المطلوب على النحو التالى:  

أولا- إعادة طرح فكرة انشاء قوة عربية مشتركة للتعامل مع مشكلات الارهاب  ،الى جانب انشاء قوة عربية لحفظ السلام فى مناطق النزاعات  بحيث تكون جاهزة للقيام بوظائف المراقبة  والإشراف على عمليات فك الاشتباك ومراقبة الحدود ونزع سلاح الميلشيات المسلحة المتصارعة ،وإعادة ادماجها فى الجيوش الوطنية الرئيسية  ،ويمكن توظيف هذه القوة العربية المقترحة فى إطار التسويات السياسية التى تجرى برعاية مبعوثى الأمم المتحدة فى كل من ليبيا واليمن وسوريا.  

ثانيا :تعزيز صلاحيات البرلمان العربى ودعم آلياته فى التشريع العربى الجماعى ،ومراجعة الاتفاقيات والنصوص التى تعدها مجالس الجامعة العربية على المستويات المختلفة ، بالاضافة الى مراقبة تنفيذ الميزانيات العامة ووجوه الانفاق لمنظمات العمل العربى المشترك  ،وربما يضاف أيضاً صلاحية تشكيل لجان لتقصى الحقائق والمشاركة فى تسوية ما قد ينشأ من نزاعات سياسية أو حدودية بين الدول الأعضاء وحسب المقتضى.  

 ثالثا: ترشيد أساليب التحضير للقمم العربية الدورية  من خلال اختزال أو تركيز جداول أعمالها  على نحو يكفل عدم التكرار وإهدار الوقت وتجانس المخرجات ،والعمل على استعادة نظام القمم العربية التخصصية  التى سبق العمل به بناء على مقترحات مصرية وكويتية ، مثل قمة مخصصة للمسائل الاقتصادية والاجتماعية  و أخرى مخصصة للمسائل السياسية والأمنية.

 رابعا : منح صلاحيات نوعية خاصة للأمين العام للجامعة العربية  ,فى إطار البحث عن تسويات لبعض الأزمات والمواقف الخلافية ، أو للتصدى لبعض المشكلات المستجدة التي لم يسبق عرضها على مجلس الجامعة العربية.  

خامسا:النظر فى كيفية تكامل الأدوار بين الجامعة العربية والمنظمات العربية   دون الاقليمية كمجلس التعاون الخليجى   واتحاد دول المغرب العربى.  

ملاحظات  أخيرة

وفى الختام- يقول السفير خلاف – أود أن أورد جملة من الملاحظات  والمقترحات الإضافية بشأن مستقبل العرب وعلاقاتهم بالقوى العالمية والإقليمية الأخري .  

أولا : إن العالم العربي ما يزال يحمل فى أوضاعه ومشكلاته وإنجازاته قدرا كبيرا من الإمكانات الواعدة والتحديات الصعبة ، وأن تقريب المسافات بين الآمال والواقع فى حياتنا العربية يحتاج الى فكر جديد وأدوات جديدة تتجاوز ” الأنا ” القطرية الضيقة ، وتؤمن بالحوار والحلول التفاوضية للمشكلات ، وبأن مالا يدرك كله لا يترك كله ، وتستحضر المستقبل بأكثر من التوقع فى الماضي والبحث فيه عن حلول لمشكلات الحاضر.  

ثانيا : ليس من العيب أو الخطأ أن يعترف العرب بتخلفهم عن مواكبة المتغيرات الحديثة  فى العلوم والاقتصاد والنظم السياسية والاجتماعية والتربوية ، وفى بناء وتشغيل المؤسسات الوطنية والنظم الإقليمية ، وإنما العيب والخطأ هوفى التوهم بأنه “ليس فى الإمكان أبدع مما كان ” أوفى مواصلة السياسات والنظم والاجراءات القائمة دون مراجعات حقيقية لمدي كفاءتها وكفايتها فى تحقيق المصالح العربية.   ثالثا : إن إقامة الحوار فيما بين الأطراف العربية ذاتها،وفيما بينها والقوى الاقليمية والدولية الأخري ، ينبغي أن يكون محور الاهتمام الرئيسي لنا فى المرحلة المقبلة  ،ولا ينبغي أن نكتفي فى تلك الحوارات ببناء هياكلها ومجالسها وجداول أعمالها،أو أن نكتفي فيها بتصدير الممثلين الرسميين للحكومات، وإنما يلزم تحرير هذه العملية من قوالبها النمطية ذات الطابع الشكلي والاحتفالي ،وذلك بالتدقيق فى تحديد موضوعات التحاور ، وتنويع اساليب الطرح ، والاستعانة بخبراء أكفاء من بين المفكرين السياسيين وعلماء النفس والاجتماع ,وممثلين عن اصحاب المصالح الميدانية المباشرة فى تطوير العلاقات كرجال الأعمال والتجار ، وأعضاء الجاليات المغتربة ، وشركات النقل والطيران ، ورجال الإعلام ، وممثلين عن السلطات التشريعية، وهو ما يحقق تكاملا في طروحاتنا ومطالبنا من هذه الحوارات.   

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق