رئيس التحرير: عاصم رشوان
قضية التعليم كانت ولاتزال وستظل هي القضية المحورية في حياة المجتمعات شرقا وغربا ..جنوبا وشمالا، باعتبارها المنطلق الفعلي لأية تنمية حقيقية بأبعادها المختلفة والمتنوعة،اجتماعية ..اقتصادية بل وسياسية أيضا.
لكن التباين يبدو واضحا بين السياسات التعليمية في تلك البلدان بكل مايحمله ذلك من حتمية اختلاف الأدوات والوسائل الكفيلة بتحقيقها ،وتحويلها الى واقع ملموس يخدم أهداف التنمية المنشودة،فما يصلح في بلد غربي أو شرقي بتقاليده وثقافته وعاداته لن يكون صالحا بالضرورة في بلد عربي يتميز بخصوصيته التي تتسم بالمغايرة للأخرين،والا يصبح حينها نبتا شيطانيا مجهول الهوية!
ليس في ذلك بالطبع دعوة للانغلاق على الذات أو الانكفاء الى الداخل دون اعتبار لتجارب الأخرين،وانما القصد هو الأخذ في الاعتبار عند التعامل مع تلك التجارب محاذير السقوط في خطيئة استنساخها بغض النظر ما اذا كانت ملائمة لمجتمعاتنا أم لا؟..والقصد أيضا أن نأخذ منها مايتناسب مع توجهاتنا في هذا المجال المفترض أن تتبلور في أعقاب سلسلة من الدراسات والنقاشات والحوارات المجتمعية كي نصل في نهاية المطاف الى إجابة واضحة وقاطعة للسؤال:ماذا نريد؟
نعم ..ماذا نريد للأجيال القادمة أن تكون..وماذا نريد منها لأوطانها..هل نحن بصدد إعادة انتاج الأجيال السابقة أم نطمح الى تشكيل جيل جديد من الشباب المبدع القادر على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بمتغيراته المتسارعة..هل نريدها بعقليات ناقدة أم مجرد قطعان بشرية لاتعرف غير السمع والطاعة؟
الوصول الى إجابة على هذه الاسئلة يستتبعها ضرورة التفكير في وضعية الأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف،والتي من أهمها أوضاع المعلمين الذين هم رأس الحربة في العملية التعليمية ،وأولياء الأمور وأبنائهم الذين هم مستهدفون بالعملية التعليمية التعلمية،وكذلك حال المدارس واداراتها والمناهج التعليمية والتقويم التربوي ..أن نتعامل مع كل هذه المفردات باعتبارها حزمة واحدة لايمكن الفصل بينها أو التغاضي عن واحدة لحساب أو على حساب الأخرى.
وسائل الاعلام أيضا معنية بتلك القضية، فهي مطالبة بأن تخدم أهداف النظام التعليمي التربوي في مجتمعها لا أن تعمل على خلق حالة من عدم الانسجام والتوافق الذي قد يصل أحيانا الى حد القطيعة بين ما يتلقاه التلاميذ في المدارس وما يقرأونه في الصحف أو المواقع الالكترونية أويشاهدونه على شاشات التلفاز أو يستمعون اليه عبر الأثير.
ان قضية اعداد أجيال المستقبل تستوجب تكاتف كافة المؤسسات السياسية والاقتصادية والمجتمعية،فليست وزارات التربية والتعليم أو وزرائها وحدهم هم المعنيون بذلك ،وان كانوا من بين الأدوات التنفيذية،كما أن تلك القضية لايمكن أن تأتي بقرارات فوقية تصدر من غرف مغلقة لمسئولين قد لايعرفون عن واقع مجتمعاتهم الشئ الكثير ربما لأنهم لايتعايشون معها أو يتعالون عليها فتكون النتائج كارثية حيث يتحول البشر الى أشبه ما يكونون بفئران التجارب فتصبح مخرجات العملية التعليمية مجرد أجيال مضطربة مهزوزة نفسيا وفكريا وثقافيا واجتماعيا..بل وربما نذهب الى القول بأنها فاقدة لانتمائها الوطني والقومي والديني على حد سواء.
ذلك كله يفرض تساؤلا مشروعا حول ما اذا كان نظامنا التعليمي – خاصة في مصر التي كانت المصدر الرئيسي للمناهج والمعلمين وادارات المدارس في عدد غير قليل من البلدان العربية – ما اذا كان هذا النظام قد تم وضعه وفقا لتلك المفاهيم السابقة،المتعارف عليها عالميا،أم أننا اتبعنا أساليب الهواة القائمة على المغامرة وعدم الاكتراث بالنتائج؟!
هل وضعنا أنظمتنا التعليمية استنادا الى دراسات معمقة وبحوث مستفيضة وحوارات مجتمعية موسعة تشارك فيها كافة المؤسسات على اختلاف أطيافها؟
هل لدينا خارطة طريق واضحة التضاريس والمعالم يمكن الاطمئنان الى مخرجاتها خلال العقود القادمة، أم أننا نتعامل بمنطق العشوائية البغيضة التي لم تعد مقبولة في عالم لايعترف بغير الأساليب العلمية بديلا؟
هل لدينا منهج دراسي موحد هادف أم أننا أمام هجين من المناهج الملتبسة الأهداف سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة أو الدولية؟
هل أعددنا المعلمين ليكونوا جنودا على درجة كافية من الكفاءة والوعي بخطورة وأهمية معركة صناعة المستقبل ، سواء كان عبر “التاب” أو غيره من النماذج المستوردة؟
أظن أن مسئولا واحدا يعنيه مستقبل شعبه ووطنه لا يمكنه التغاضي عن واقع النظام التعليمي المؤلم الذي وصلت أوضاعه المأساوية الى حد الخروج من منظومة التصنيف الدولي،سواء في المراحل التعليمية الثلاث الأولى أو حتى في التعليم العالي الجامعي.
الذين يزرعون الأشواك ليس من حقهم أن يتوقعوا حصادا من الورود!
رئيس التحرير