د.عبد الحميد الموافي
كاتب ومحلل سياسي
ان الظروف الخليجية والاقليمية والدولية التي تعيشها دول المنطقة ، والعالم من حولها ، تشير بشكل واضح الى تعاظم وتفاقم التحديات التي تتعرض لها الدول العربية بوجه عام ودول الخليج العربية بوجه خاص ، ربما اكثر من اي وقت مضى ، ففي الوقت الذي تسعى فيه الجمهورية الاسلامية الايرانية الى تمديد نفوذها ، على حساب دول مجلس التعاون والدول العربية بوجه عام ، حيث تميل قيادتها الراهنة الى استخدام الميليشيات المذهبية – كحزب الله والحوثيين وغيرهم – لتنفيذ سياسات ايران ولزيادة تأثيرها في قرارات اكثر من عاصمة عربية ، وهو ما يتباهى به بعض قيادات طهران بشكل يدعو للاسى ، فان تركيا اردوجان باتت هى الاخرى مهووسة بالتمدد على حساب سوريا والعراق ، وعلى نحو اصبح يهدد بالفعل هاتين الدولتين العربيتين المهمتين ، حيث تحتفظ بقوات لها في سوريا وفي العراق بقوة الامر الواقع وبحجة الدفاع عن مصالحها ، وبرغم مطالبة بغداد ودمشق لها بسحب قواتها من اراضيهما . ثم جاءت عملية غزو عفرين السورية في 19 يناير 2018 – التي سماها الاتراك عملية غصن الزيتون في مفارقة صارخة – لتكشف بوضوح الوجه القبيح لاطماع تركيا في سوريا ، بغض النظر عن المبررات التي تسوقها انقرة لاعتدائها على اراضي سوريا . يضاف الى ذلك ان مشكلة الارهاب اصبحت اكثر تفاقما وانتشارا وتهديدا للمصالح وللامن والاستقرار في دول عربية عدة . وفي ظل ما تمر به مصر من ظروف ايضا ، فرضت عليها الانكفاء خلال الفترة الماضية ، وهو ما استغلته وتستغله كل الاطراف لخدمة مصالحها الخاصة ، بما في ذلك محاولة ازاحتها عن موقعها الذي طالما شغلته على الصعيد العربي وحفظت منه الامن العربي ايضا ، فان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تزداد حاجتها الآن ، حتى مقارنة بحاجاتها اوائل ثمانينيات القرن الماضي ، للحفاظ على مجلس التعاون وللعمل على تجاوز الخلافات داخله ، ومجاولة جعله ايضا ظهيرا حقيقيا لدعم الامن القومي العربي ، الذي يمثل امن الخليج جزءا اساسيا منه ، حتى ولو لم يدرك البعض ذلك ، أو عرضه للخطر بتجاوزات صبيانية ، أو بمواقف عناد ومكايدة سياسية تعرض مصالح دول وشعوب المنطقة لمخاطر جمة ، الآن وفي المستقبل ، خاصة وان المتربصين كثر ، وبدأوا يتسللون الى عقر دارنا بأشكال مختلفة وتحت مبررات ومزاعم واهية .
في هذا الاطار فان دواعي الحفاظ على استمرارية مجلس التعاون ، هى الآن كثيرة ومتعددة ، بل وتفرض ليس فقط الحفاظ على الاستمرار ، ولكن ايضا محاولة تفعيل العمل المشترك من خلاله ، ومن خلال جامعة الدول العربية ، ومن خلال اية اساليب للتعاون والعمل المشترك ، ثنائية كانت أو متعددة الاطراف ، بشرط الا تكون ادوات ، أو وسائل لتجميد أو لضرب مجلس التعاون أو الجامعة العربية بشكل أو بآخر ، لاننا نحتاج الى الحفاظ على ماهو قائم وتفعيله ، وليس الى هدمه والبحث عن صيغ أو بدائل من المشكوك الى حد البعيد امكانية النجاح في تحقيقها ، أو تعويض ما يمكن هدمه .
انه مما لا شك فيه ان الخطيئة الكبرى ، بالنسبة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بوجه خاص ، وللعمل العربي المشترك بوجه عام ، ان يتم الدفع نحو هدم المجلس ، أو التحريض للخروج عليه ، أو التشجيع على تجميده بأي شكل ، وعلى اي مستوى ، لأن ذلك لا يخدم ابدا مصلحة اي طرف من الاطراف ، فهو لا يخدم السعودية ولا دولة الامارات العربية المتحدة ولا البحرين ولا مصر ابدا ، كما انه لا يخدم دولة قطر بالتأكيد ، ولا أي من دول مجلس التعاون الاخري ، اي سلطنة عمان والكويت ، فهو فقط يخدم مشروعات التوسع وزيادة النفوذ الايرانية والتركية وبالطبع الاسرائيلية . صحيح ان مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد تجمدت انشطته ، أو توقفت اجتماعات لجانه ، انتظارا لحل الخلافات بين قطر والدول الاربع ، فالامانة العامة للمجلس لا تريد ان تفاقم الخلافات بالدعوة لانشطة او اجتماعات ، يمكن ان تحمل من الخلافات أكثر مما تحمل من اتفاق ، هذا لو عقدت من الاصل ، ولكن الصحيح ايضا هو ان الجهود ينبغي ان تنصب على سبل حل الخلافات بين قطر والدول الاربع الاخرى ، وبالسبل والوسائل التي تضمن التزام قطر وكل الدول الاخرى بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والتوقف عن دعم الارهاب بكل صوره ، اما القفز من ذلك الى البحث عن صيغ بديلة لمجلس التعاون ، أو عن اعادة تشكيل المجلس بدون قطر ، أو بتشكيل تحالفات جديدة ، ضيقة او واسعة ، فانه يثير القلق والمخاوف ، خاصة وان الدعوة له اخذت تتردد وتتسع في صحف ووسائل اعلام ذات وزن ، وهو مؤشر سلبي ، نتمنى الا يتم الانجرار وراءه تحت اية ظروف .
نعم تحدث البعض عن صيغ اخرى لمجلس التعاون ، وعن اعادة تشكيل ، وعن صيغة المحاور والمصالح ، كما اشار وزير خارجية قطر الى الحاجة الى تعديل النظام الاساسي لمجلس التعاون ، وتحدث البعض الآخر عن ان المجلس لم يعد ملائما للظروف الراهنة ، بعد ان مر على انشائه ستة وثلاثين عاما ، ولكن الصحيح بكل تأكيد هو انه اذا كان جو الازمة والخلاف يدفع نحو الحديث عن تعديل المواثيق ، وهو امر معروف في حالات كثيرة ، فان جو الازمة ذاته ، لا يمكن ان يكون الجو الملائم لتعديل المواثيق وقواعد العمل والمبادئ المتفق عليها للعمل المشترك ، لأن جو الازمة يوجد عادة المواقف متسقة معه والمتأثرة به ، ومن ثم تتسع وتتعدد الخلافات ، في جو انعدام الثقة القائم بين الاطراف المختلفة . وعلى ذلك ومن هذا المنطلق فانه لا ينبغي الالتفات الى تلك الدعوات الرامية الى هدم او تفكيك مجلس التعاون ، والتي تخدم حسابات محددة ، والاجدى والاكثر اهمية ان يتم التركيز على حل الخلاف بين الدول الاربع المقاطعة والمكافحة للارهاب وبين قطر ، ومحاولة التوصل الى مبادئ واسس واضحة ومحددة ومتفق عليها للالتزام الجاد بها ، بعيدا عن الصياغات والتفسيرات الفضفاضة والمتناقضة ، أو الظرفية ، فدول الخليج العربية ومصر والدول العربية عموما تحتاج الآن الى استعادة تضامنها وتجاوز الخلافات فيما بينها ، لصالحها جميعا ، مع الحفاظ على ماء الوجه لكل الاطراف ، حرصا على المستقبل ، وقطعا للطريق امام مزيد من الجنوح او الفرار الى ارض الخصوم ، وهم كثر . ولعل النشاط السياسي المكثف والمتعدد الجوانب ، والذي تشارك فيه سلطنة عمان على اعلى المستويات ، لعله يساهم بدوره في دعم وانجاح الجهود المبذولة التي يتطلع كل العرب تقريبا الى نجاحها حفاظا على المصالح العربية اليوم وغدا .
ومن هذا المنطلق ايضا ، فان نجاح القيادة الكويتية ، وبدعم عماني ، في عقد القمة الخليجية الثامنة والعشرين في الكويت في موعدها في الخامس من ديسمبر الماضي ، وبرغم تدني مستوى تمثيل السعودية والامارات والبحرين فيها ، وعلى نحو غير مسبوق ، وكذلك نجاح القيادة الكويتية ، بعد ذلك بوقت قليل ، في تنظيم الدورة الخليجية لكرة القدم – خليجي 23 – في الكويت ايضا ، في محاولة لكسر الجمود بين قطر والدول المقاطعة لها ، ولابعاد شبح تفكك مجلس التعاون ، هو بالقطع جهد طيب ومهم تدعمه السلطنة ، وينبغي دعمه، الا ان استمرار الخلافات بين قطر والدول المقاطعة لها ، وعدم ظهور ما يؤشر الى امكانية حل الازمة قريبا ، هو امر يدعو الى القلق ، وفي كل الاحوال ، ومهما طالت ازمة قطر ، فانه من المؤكد ان الدفع نحو تفكيك مجلس التعاون ، بأية وسيلة ، يظل خطيئة كبرى تتحمل الاطراف الداعية اليها والمساهمة فيها والمشجعة عليها مسؤوليتها ، ومسؤولية ما سيترتب عليها من نتائج امام الشعوب العربية وامام التاريخ . ولا يزال هناك امل في حكمة القيادات الخليجية والعربية للخروج من الازمة وتعزيز التقارب والتضامن بين الاشقاء ، برغم اية اغراءات وهمية او حسابات قصيرة النظر على هذا الجانب أوذاك .