ظل لسنوات طويلة في مكتبه المتميز بتقليديته وأناقته المعبرة عن ثقافة وتراث أمة عريقة ساهمت – ولاتزال – في صناعة الحضارة الإنسانية بنصيب لايمكن انكاره،ولعل من أبرز تلك المساهمات في الفترة الزمنية العصيبة من واقعنا العربي والإسلامي أن الصورة الذهنية لعمان أصبحت ترتبط بصناعة السلام،والسعي الدؤوب والنزيه من أجل اقراره ليس فقط لصالح شعوب المنطقة،وانما أيضا من أجل الانسانية جمعاء،فضلا عن الكراسي العلمية التي طالت معظم الجامعات العالمية من اليابان والصين شرقا الى الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوربي غربا،والتي هي في مجملها مشاريع ثقافية “مستنيرة” ، وذلك كله الى جانب مساهمات العمانيين التاريخية في نشر الإسلام “شرقا وغربا” بالتي هي أحسن..بأخلاقهم وحسن عشرتهم والتزامهم الأمانة في المعاملات والصدق في القول.
هو رجل دولة من الطراز الأول..تكاد تتطابق أفكاره ورؤاه مع تلك التي نعرفها عن جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد الذي يعتبره هو شخصيا المعلم والقدوة.
خلع عباءة الدبلوماسية – التي قضى في أروقتها معظم سنوات حياته العملية متدرجا في المواقع والمناصب المختلفة التي كان أخرها أمين عام وزارة الخارجية – ليرتدي ثوب التراث والثقافة بحكم منصبه وزيرا سابقا لهما حيث عمل على تحديث المفاهيم،والاجتهاد من أجل الترويج لثقافة بلاده ،وتشجيع حركة التنقيب في مواقع عديدة من السلطنة للتفتيش عن المزيد من تراث الأجداد،فضلا عن التطلعات الواضحة لمواكبة التطورات الكونية في مجال الحفاظ على التراث والثقافة باعتبارهما تستحقان العناية والرعاية عبر تسجيل الكثير من المواقع الاثرية والمعالم التراثية العمانية في قائمة التراث العالمي من خلال منظمة اليونسكو .
شخصية موسوعية جمعت بين الدبلوماسية والسياسة والثقافة،وهو ما يجعل رؤاه وأراءه موضع اهتمام وعناية وتحليل عميق يلامس الحقيقة والواقع.
السلطان هيثم بن طارق أل سعيد يؤمن بالتغيير باعتباره واحدا من سنن الحياة، اذ لا يمكن فرض سياسات على الأجيال الجديدة لاترغبها،وذلك في إشارة الى وضع الرؤية المستقبلية لعمان 2040 م التي كان السلطان الراحل قد اوكل اليه مسئولية اعدادها والاشراف عليها – باشراك الشباب والخريجين الجدد في صياغتها من كافة الارجاء العمانية – من المحافظة الى الولاية والقرية – بمشاركة شخصيات عالمية متخصصة من اقتصاديين وخبراء وأكاديميين بعد الانتهاء من صياغتها مرتكزة على رؤى الأجيال القادمة في اطار من المصارحة والشفافية بما يجعلها جاهزة للتنفيذ مطلع العام القادم.
تخرج في بريطانيا،وكان شغوفا بالعمل الدبلوماسي فالتحق بوزارة الخارجية،ثم ذهب لتلقي برنامج متخصص في جامعة أكسفورد للملتحقين بتلك الوزارة ليعود اليها مرة أخرى بادئا حياته العملية بالعمل سكرتيرا ثانيا لمدة أربع سنوات،اجتاز كل المراحل المعروفة في السلك الدبلوماسي الى أن تم تعيينه في عام 1986م وكيلا لوزارة الخارجية للشئون السياسية،ثم امينا عاما لها.
اكتسب من عمله بوزارة الخارجية خبرة في التفاعل مع المنظمات،وكذلك الزيارات الخارجية،واللقاءات مع رؤساء الدول،والاطلاع على أنماط متنوعة من الحياة في كل أنحاء العالم تقريبا،وهو ما شكل لديه ثراء معرفيا واسعا انعكس على عمله لاحقا مترجما كل هذه الحصيلة المعرفية والخبرة في وزارة التراث والثقافة.فقد اهتم بالمتاحف والمكتبات في دولة ذات تاريخ ثقافي عريق عاملا بالفعل – وفي صمت – على ترسيخ دور المؤسسات الثقافية والتراثية.
يعتقد بأن تغييرات جذرية لحقت بالثقافة ليس فقط في الدول العربية وانما في العالم كله حيث أصبحت الان تأتي الينا عبر الهواتف المحمولة دون حاجة الى عناء البحث عن كتاب أو حاجة للذهاب الى السينما لمشاهدة أحد الأفلام،ولا المسرح لمشاهدة مسرحية معينة..فكل شيء يأتي اليك على هاتفك المحمول..وان كان تأثير هذه الأجهزة لايخلو من إيجابيات لكنه يعتقد بأن سلبياته أكثر بكثير.
عمل صحفيا “ذات مرة” قبل ما يزيد على سبعة وعشرين عاما محاورا لشخصية عظيمة في حجم الراحل السلطان قابوس،وكان متمحورا أنذاك حول قضايا الشباب ،وكيف يفكرون،ويتطلعون الى المستقبل،كما سأله عن بعض الأمور الخاصة به في فترة شبابه هو شخصيا.
وكان قد أعد أسئلة منتويا توجيهها وتسجيل الإجابات،ولكنه تحول الى حوار مفتوح..فلم يكن قابوس تقليديا ،ولايحب الأساليب التقليدية المألوفة.
يحرص السلطان هيثم بن طارق على مطالعة بعض الصحف اليومية ،والاستماع الى أخبار العالم في نشرات الاخبار الرئيسية.كما يحب قراءة المجلات المتخصصة في مجالات العلوم والطب على وجه الخصوص،وكل ماهو جديد في هذا المجال،حيث يتابع عددا منها أسبوعيا وشهريا..
ولداه الاثنان أحدهما يعمل في وزارة الخارجية بينما اختار الاخر دراسة الهندسة حيث تخرج حديثا مهندسا معماريا.
دائما يصف علاقات السلطنة مع مصر بالتاريخية ،مشيرا الى حيوية الدور المصري في المحيط العربي والإقليمي،مشددا على ضرورة المحافظة على هذا الدور وعدم التراجع عنه ،وأن عمان تتعامل مع مصر الدولة بكيانها ورسوخها العميقين ،ومصر الشعب الذي تجمعه مع الشعب العماني أواصر الصداقة والمحبة منذ قديم الزمان،وهو ما يؤكده التاريخ منذ أيام الفراعنة الذين كانوا يستوردون “اللبان العماني” من ظفار في الجنوب العماني لاستخدامه بخورا مقدسا في معابدهم،كما أن تواصلا كبيرا قائما مع الأزهر الشريف من خلال المؤسسة الدينية العمانية..وهو ما يدلل على صحة الاعتقاد العماني بالوسطية ومخاصمة التعصب المقيت بكل أشكاله وألوانه،كما أن عمان حريصة دوما على استمرار الارتباطات التقافية والتعليمية بين مسقط والقاهرة،وأن كلاهما لن يسمحا أبدا بوجود ما يمكن أن يعكر صفو هذه العلاقات الطيبة بين البلدين.