شهرية ..مستقلة

تطويق إيران..من يدفع الفاتورة؟

0

“الزمن”تفتح الملف وتطرح الأسئلة الكبرى

القوات الامريكية تعيد انتشارها في المنطقة

الوجود العسكري الأمريكى فى الشرق الأوسط بين البقاء والتمدد والإنكفاء والعزلة

الإنسحاب من سوريا لايعنى أن تترك واشنطن مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة

المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من إعادة تنظيم نفوذ القوى الكبرى خصما من رصيد دولها

تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجى  يهدف لبناء ترتيبات إقليمية تعظم من هيمنة الولايات المتحدة لا حماية حلفائها

ملف وحوارات: العزب الطيب الطاهر

الى أى مدى يمكن النظر بجدية لما يبدو أنه نزوع أمريكى لمغادرة منطقة الشرق الأوسط ؟ وذلك فى ظل جملة من الاعتبارات.. أولها: أن ثمة خطوات عملية اتخذت بالفعل بهذا الاتجاه كان آخرها إعلان الرئيس دونالد ترامب قرار سحب قوات بلاده من سوريا, الأمر الذى أربك القوى الفاعلة فى  المشهد الداخلى لهذه الدولة التى تكابد القتل والدمار والتشظى منذ أكثر من سبعة أعوام ،أما ثانيها فإن هناك حالة تلكؤ فى تنفيذ هذا القرار  بل إنه لم يتم وضع جدول زمنى لهذا الإنسحاب انتظارا للانتهاء من ترتيبات بتوفير الحماية للأكراد الذين تتعامل معهم تركيا بحسبانهم العدو الرئيسى الذين يتعين تقليص مخاطرهم على الأمن القومى التركى ،فضلا عن ذلك  فإن الولايات المتحدة توسع من وجودها العسكرى فى العراق ( يبلغ عدد قواتها العسكرية 5200 جندى  ،وذلك من خلال زيادة أعداد القواعد العسكرية  ،والأهم من كل ذلك  أن للولايات المتحدة حوالى 15 قاعدة عسكرية بالضفة الشرقية لنهر الفرات فى كل من الأراضى العراقية والسورية ،ما يعنى أن سحبها لقواتها من شرق الفرات فى سوريا هو بهدف تمركزها غرب النهر  الى جانب وجود قاعدة عسكرية جديدة فى شمال أربيل بإقليم كردستان العراقى ، وهذه المرة ليس فى إطار مواجهة تنظيم داعش ”  فحسب – والذى سيظل هدفا عسكريا حيويا لواشنطن – وإنما كذلك ضمن الاستعداد لمواجهة مرتقبة مع إيران  التى باتت تشكل خصما أساسيا واستراتيجيا لإدارة ترامب  فى المنطقة  فى ضوء اتساع قاعدة التناقضات بين البلدين  لاسيما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة( 5+1 ) وما أعقبه من إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها  مصحوبة بعقوبات نفطية لإجبارها على توقيع اتفاق جديد وتغيير سلوكها الذى تراه عدوانيا .

العزلة والإنكفاء

فى ضوء ذلك ،يمكن النظر الى القرار الأمريكى الأخير بإعلان الانسحاب من سوريا – والكلام ل”منى سليمان ” الباحثة بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية – يكشف عن توجه يتصاعد داخل النخبة السياسية الأمريكية  يتمثل فى الإنكفاء على الذات والعزلة  وتفعيل شعار ترامب الإنتخابى ” أمريكا أولا ” متزامنا ذلك مع إعلان ترامب مؤخرا نيته   سحب جزء كبير من قوات بلاده م أفغانستان ،فضلا عن تصريحاته خلال حواره مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مطلع ديسمبر الماضى , التى طرح فيها احتمالية الانسحاب الأمريكى سياسيا وعسكريا من منطقة الشرق الأوسط  نظرا لتراجع أهميتها الاستراتيجية لدى واشنطن ،وهو ما يتفق مع التوجه السائد حاليا  لدى عدد من مراكز الأبحاث الأمريكية  بضرورة تقليل الاهتمام الأمريكى بالشرق الأوسط ،والتركيز على الأمة الأمريكية ،وهو ما يعكس الرغبة فى الانسحاب من الإنخراط بقضايا الشرق الأوسط ككل وليس فقط سوريا.وعلى الرغم من أن قرار ترامب سحب قوات بلاده العسكرية من سوريا  لم يمر عليه سوى فترة قليلة، فإن تداعياته بدأت تتبلور على مجمل التفاعلات بملفات الشرق الأوسط التى تشهد إعادة ترتيب لتوازنات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة فيها ،ويتزامن ذلك مع بدء مساع دولية حثيثة لتفعيل تسويات سياسية لعدد من الملفات التى شهدت صراعات عسكرية خلال الأعوام السبعة المنصرمة،حيث بدأت عملية سياسية فى اليمن فى ضوء مشاورات السويد برعاية أممية على الرغم من انتهاكات الحوثيين لمخرجات هذه المشاورات فيما يتعلق بمنطقة الحديدة ،الى جانب جهود لتسوية الملف الليبى بعد عقد مؤتمر “باليرمو” بإيطاليا خلال شهر نوفمبر الماضى ،وبالطبع روسيا التى تدير ببراعة محادثات الأستانة لطرح التسوية النهائية للملف السورى .

تقاسم النفوذ

وفى ظل هذه الجهود المتنافسة سياسيا والمتصادمة عسكريا  – كما تضيف منى سليمان – يأتى قرار ترامب ليضاعف من حدة هذا التنافس على تقسيم مناطق النفوذ بالشرق الأوسط فى مرحلة تعيد للأذهان ما تم قبل قرن كامل من الزمن ،فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى -1918 – شهدت المنطقة تقسيما مماثلا للنفوذ السياسى  أسفر عن بلورة نظام إقليمى استمر عشرات السنين …واليوم نشهد حالة مماثلة ،ولذلك فإن قرار ترامب الذى يكتنفه الغموض سيقود الى جملة من النتائج :

 – تصاعد النفوذ الروسى بمنطقة الشرق الأوسط فى مختلف الملفات ،فموسكو تدير فعليا الأزمة السورية وربما تتدخل بشكل مماثل فى الملف الليبى،وقد نجد مبادرة روسية لحل الصراع العربى الإٍسرائيلى ،فضلا عن تعزيزموسكو علاقاتها السياسية والعسكرية  مع عدد من الدول المهمة والمؤثرة فى المنطقة. وسينعكس هذا النفوذ الروسى على أقاليم أخرى بالعالم محل اهتمام روسى – أمريكى مشترك ،مثل أوكرانيا والخلا فات بالاتحاد الأوربى  والوضع فى جنوب شرق آٍسيا .

– تبديل التحالفات الكردية : حيث يشعر أكراد سوريا بأن أمريكا تخلت عنهم ،وإن كان جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى –الكلام لكاتب هذه السطور – قد قام بزيارة لأنقرة لحثها على عدم توجيه ضربات عسكرية للأكراد والسعى لاتفاق مع حكومتها لتوفير الأمان لهم – أى الأكراد- والذين شكلوا على مدى سنوات الأزمة السورية حليفا رئيسيا لواشنطن، ورأس حربة فى القضاء على تنظيم داعش وهزيمته فى عاصمته – مدينة الرقة – ومع ذلك،فإن ثمة شعورا بعدم الأمان لدى التنظيمات الكردية ،الأمر الذى جعل بعض قياداتها تتجه لتوفير الدعم اللوجستى والعسكرى البديل  الذى قد يجدونه فى اسرائيل   التى تدعم الحلم الكردى فى الإنفصال   وتكوين دولة مستقلة سواء فى سوريا أو العراق ،أولدى فرنسا التى قد تعرقل الأوضاع الداخلية فيها  إمكانية قيامها بدور نشط فى هذا الشأن ..وهناك أيضا روسيا التى يمكنها أن تقدم لهم   كل الدعم مقابل  تقديم تنازلات خلال التسوية النهائية للأزمة السورية ،كما يمكنهم التحالف مع النظام السورى لمواجهة العمليات العسكرية التركية التى تهددهم بها أنقرة.

تحالف الشرق الأوسط

ولكن .. مقابل هذه التفاعلات ،فإن  ما يؤشر الى اعتزام واشنطن البقاء فى المنطقة  ,هو حرصها على بناء التحالف الاستراتيجى للشرق الأوسط  الذى تم طرح فكرته خلال إنعقاد القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض  فى الواحد والعشرين من مايو 2017  بمشاركة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب و55 من قادة العالم الإسلامى – وهو ما أكدته تصريحات مهمة خلال حوار المنامة  الاستراتيجى 2018  الذى عقد خلال شهرأكتوبر بمشاركة موسعة من  أكثر من 50 وزيراً ومسئولاً يمثلون 25 دولة،فى مقدمتهم وزيرالدفاع الأميركي السابق جيمس ماتيس  الذى غادر منصبه مستقيلا احتجاجا على رفضه قرار ترامب بالإنسحاب من سوريا  دون التشاورمع البنتاجون وغيره من الأجهزة الأمنية –  وقد أكد فى مداخلته أمام الحوار أن الولايات المتحدة تدعم المناقشات من أجل تشكيل هذا التحالف – واختصاره”ميسا”- لتوفير أرضية تقود الى مواجهة  جماعية للتحديات الأمنية  ، وذلك فى إطار التزام بلاده   بأن تعمل من خلال الشركاء والحلفاء في المنطقة  من أجل إيقاف كل الاعمال العدائية، وإجهاض أي سلوكيات تؤدي إلى انعدام الاستقرار على المستوى البحري والجوي والسيبراني وانتشار الأسلحة المختلفة ومنها الصواريخ .

تعزيز الأمن

الأمر نفسه أكده عادل الجبير- الذى كان آنذاك وزيرا للخارجية  السعودية قبيل  أن يعين وزيرا للدولة  للشئون الخارجية  – من خلال تشديده على أهمية بناء   هذا التحالف،لكن  الحديث عنه جاء واضحا  على لسان  الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة – وزير الخارجية البحرين – الذى لفت  الى أهمية الاقتراح المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية  لإنشاء تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي- فوفقا لمنظوره – فإنه سيسهم في تعزيز الأمن والازدهار في المنطقة، ومساعدة دولها في مواجهة التحديات المختلفة على كافة الأصعدة.   وفى سياق المساعى الرامية  الى الإعلان رسميا عن هذا التحالف ،فقد عقد اجتماعان أحدهما عسكرى فى الكويت تحديدا فى الحادى عشر من شهر سبتمبر الماضى  بمشاركة قائد القيادة المركزية الأمريكية “جوزيف فوتيل ”  ورؤساء أركان دول مجلس التعاون  الخليجى الست وكل من   مصر والأردن ،والثانى كان سياسيا بمشاركة وزراء  خارجية الولايات المتحدة والدول الثمانية على هامش اجتماعات الدورة الأخيرة للأمم المتحدة فى  الثامن والعشرين من الشهر ذاته ،وسبق ذلك جولة مطولة قام بها “تيم لندركينج ” نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الخليج العربي.. للمنطقة –  وحسب لندركينج – فإن التحالف  المرتقب سيكون بمثابة اتفاقية أمنية واقتصادية وسياسية بين الدول المشاركة فيها بهدف بناء درع قويً يحمي  دول الخليج من التهديدات، ومواجهة التهديد الإيراني الذى سيتصدر أجندة التحالف فضلا عن التصدي للهجوم الإلكتروني، والهجمات على البنية التحتية، وتنسيق العمل من أجل إنهاء الصراع في دول الحروب مثل سوريا واليمن.

 تحمل أعباء الدفاع

وحسب رؤية السفيرمحمد أنيس – منسق مجموعة عمل المنظمات الإقليمية والدولية  بالمجلس المصرى للشئون الخارجية – فإن ترامب يعتقد أنه على الدول الحليفة لبلاده   أن تشارك فى تحمل  أعباء الدفاع عن أمنها القومى  خاصة فى حالة الدول الغنية ،ويرتبط بذلك مفهوم بناء تحالفات إقليمية تتولى تعبئة القدرات الدفاعية للدول الحليفة والصديقة  على نحو يسهل الدور الأمريكى فى الدفاع عن هذه الدول ..وكان مركز أبحاث لندن القريب من حملة ترامب الإنتخابية  قد اقترح إقامة تحالف جديد للدفاع عن البحر الأحمر والخليج ،ثم  تطورت الفكرة لمشروع تحالف يضم الولايات المتحدة مع دول منظومة مجلس التعاون الست الى جانب كل من مصر والأردن ( حتى الآن لم تعلن الدولتان موقفهما الرسمى من هذا التحالف بل  إن الصحف المصرية التى عالجت هذا الموضوع لم تشر الى مصر مطلقا باعتبارها عضوا فى التحالف المرتقب )  …وهنا يشير السفيرسالم الى أنه على الرغم من إجراء مفاوضات  خلال النصف الثانى من العام المنصرم  بهدف الإعلان عن التحالف  خلال الفترة المقبلة،فإن البعض يشكك فى فرص قيامه بسبب بعض التناقضات بين عدد من أطرافه ،ووجود مساحات للخلاف مع واشنطن ،بالإضافة لتفضيل بعض الدول المشاركة فى الاجتماعات التحضيرية للتحالف العمل على أن تنوع علاقاتها الإقليمية والدولية بدلا من اتخاذ موقف التحالف مع الولايات المتحدة بما يستعدى أطرافا أخرى ..وأحسب – الكلام لكاتب هذه السطور  – أن الإشارة واضحة الى مصر .

إجراء تنفيذى

على أى حال ، فإن التحالف الاستراتيجى للشرق الأوسط يبلور – كما يضيف سالم – أهم فكرة طرحها معاونو ترامب ،حيث تحتوى على عدة عناصر أساسية تهمه فى المقام الأول  بما فى ذلك قيام الدول الصديقة بتحمل أعباء الدفاع عن نفسها ،وإيجاد إطار للمساعدة العسكرية الأمريكية  مع تأكيد أهمية التشغيل المتبادل الذى يتطلب قدرا من التوافق   بين نظم التسلح المختلفة للدول الأعضاء ..ورغم ما قد تتعرض له هذه الفكرة من عوائق – سواء بسبب قضية الصحفى السعودى جمال خاشقجى أو بسبب  تردد بعض الدول المقترح مشاركتها فى التحالف – فالأرجح أن يحاول ترامب تفعيلها عبر ” إجراء تنفيذى ”  لايتطلب موافقة الكونجرس ،بل لعل هذا التحالف يأخذ شكل بعض الخطوات الوظيفية ،كالمناورات المشتركة المنتظمة ،وتكوين قوات تدخل سريع ،وتطوير نظم التسليح والمعلومات  دون أن تأخذ الشكل الرسمى المؤسسى الذى قد يحرج بعض الأطراف .

 لوحة متكاملة

وثمة رؤية  يطرحها فيتالي نعومكين – رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية بموسكو – بشأن هذا التحالف ،فهو يعتقدأنه   

لايمكن النظرإلى هذا المشروع، مهما كان الاسم الذي سيحمله، من دون ربطه بمجموعة أحداث أخرى في المنطقة   تشكل مع بعضها البعض لوحة متكاملة بدأت تتجلى فيها أطر إعادة صياغة جدية لكامل منظومة العلاقات الدولية فيها …ويمكن – وبثقة – التكهن بأن الحديث يدور عن محاولة تشكيل، في جزء من الشرق الأوسط، نظام أمني غير شامل (مع عناصر هيكلية تحالفية  تحت رعاية دول عظمى من خارج المنطقة)، أو حتى نظام إقليمي جديد …ونتيجة لكل هذه المعطيات – التى تنطوى على حالة سيولة , بالنسبة للوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط بين البقاء والتمدد والإنكفاء والعزلة – قامت “الزمن ”  بقراءة معمقة فيها  عبر سلسلة لقاءات متنوعة مع بعض الخبراء السياسيين والاستراتيجيين .

يُتبع …

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق