شهرية ..مستقلة

“يهوذا” عرض مستقل يناقش فكرة الخطيئة في القومي للمسرح

0

أمنية طلعت

لطالما كانت شخصية يهوذا الاسخريوطي موضع إلهام لدى الأدباء والفنانين للتدليل على الخيانة البشرية، وهو ما استخدمه كريم عبد الكريم مؤلف ومخرج عرض “يهوذا” الذي شاركت به فرقة “مرحلة” المستقلة ضمن المسابقة الثانية بفعاليات الدورة الثانية عشر للمهرجان القومي للمسرح.

تدور أحداث المسرحية حول فكرة الخطيئة، وكيف يمكن أن يرتكبها الإنسان رغم أنها ضد مبادئه المعلنة، من خلال تجسيد الصراع الدائر حول شخصية يهوذا الذي كان واحداً من تلاميذ السيد المسيح، لينقلب ضده ويسلمه للجنود الرومان مقابل عشرين من الفضة.

يُفصل المؤلف والمخرج لصراع الإنسان الداخلي بين ما يظهره وبين ما يدور في عقله من أفكار تبدو شريرة له هو نفسه، وهو ما نطلق عليه “وسوسة الشيطان”، وذلك باستخدام أشهر خاطئ ملعون في التاريخ بعد قابيل، “يهوذا الاسخريوطي”، فيختار من قصة سيدنا المسيح هذه اللحظة الخاصة بوقوع يهوذا في هاوية اللعنة الأبدية لتسليم المُخلص.

تبدأ المسرحية التي تتميز بأنها شديدة الدقة في استخدام التفاصيل المعيارية للمسرح، حيث لا جنون ولا شطط إبداعي، فقط كل شئ مُقدم بميزان حساس، تبدأ بمشهد للمعبد اليهودي الذي وفقاً للتاريخ الإنجيلي، لم يكن يستقبل سوى الفريسيين والصدقويين، ولا يعترف بالطبقات المهمشة من اليهود، حيث كانوا ينبذون الكنعانيين والمرضى والفقراء المطرودين على أطراف المدينة وفقاً للشريعة اليهودية التي تحكم فيها كهنة المعبد. نجد هؤلاء المهمشين يتجمعون أمام بوابة المعبد في انتظار المسيح المخلص كي يشفيهم بلمسة من يديه، مع استنكار الكاهن الذي يأمر مساعده كي يتبين أمر هؤلاء الغرباء.

يظهر بعد ذلك الشخص الذي يجسد المسيح وقد تم تغطية وجهه تماماً، وهو ما رأيته غير مناسب درامياً، فلو كنت ترى أن هناك ما يعيب تجسيد شخص المسيح فنياً، فلا يوجد ما يجبرك على تجسيده على الخشبة، حيث بالإمكان استبدال المشهد بما يعبر عنه من آلاف الحلول الفنية!

يتعرض النص لأكثر من خط للصراع، فنجد مثلاً الكاهن ومساعده، حيث الكاهن الذي يدافع عن سطوته ومكانته بسيطرته على المعبد والسلطة الدينية ويعادي المسيح وتعاليمه لأنها لا تخدم مصالحه السلطوية، فيبدو متسقاً مع ذاته ودوافعه التي تعادي المخلص، وفي المقابل يأتي مساعده ويهوذا، فالمساعد يحاول أن يوازن بين حفاظه على عمله بالمعبد وبين إيمانه بتعاليم المسيح، وكذلك يهوذا يحاول أن يحسم الصراع داخله بين تسليم المسيح للرومان لأن مملكته في السماء ولأن هذا هو القدر المكتوب له وللبشرية، وبين إيمانه به وبتعاليمه!، نفس الصراع الذي يعيشه الإنسان طوال الوقت بين ما هو مفروض أن ينحني له كي يعيش مفردات الحياة المادية، وبين قناعاته وإيمانه بفكرة أو مبدأ.

رغم كلاسيكية الديكور والتناول الدرامي للنص، إلا أن الكرويجراف جاء متميزاً جداً، حيث مشاهد الصراع للشيطان وأتباعه مع يهوذا خرجت في رداء حركي راقص متقن وإبداعي، استطاع أن ينقل الإحساس بوسوسة الشيطان ليهوذا وتكتله مع أتباعه عليه من أجل إقناعه بأن صلب المسيح قدر محتم، وأنه ما هو إلا أداة لتنفيذ مشيئة الله بتحقيق قدر المسيح المحتوم، كي يذهب إلى مملكته في السماء.

الإضاءة أيضاً خرجت متميزة، وتحديداً في المشهد الأخير من المسرحية ذات الفصل الواحد، حيث ينتهي الصراع النفسي داخل يهوذا بشنق نفسه، وظهور المسيح في عمق بوابة المعبد وهو مصلوب، ليتحقق المصير وتتجسد الخيانة الكبرى في التاريخ إلى الأبد.

خرجت مسرحية يهوذا ككبسولة سريعة وخاطفة، لعرض رشيق رغم كلاسيكية الإطار الذي انصب داخله، لكن في النهاية نستطيع أن نميز فيه أداء الممثلين الذين جسدوا دور الشياطين على المستويين التمثيلي والراقص، كذلك الممثل الذي أدى دور يهوذا رغم انفعالية الأداء في بعض الجمل، وإن كان في المجمل قدم أداءً تمثيلياً مميزاً، وإن كان ثبات الديكور وظهوره في شكل كتلة ضخمة لم يساعد على إظهار تنوع وتلاحق الأحداث، وهو ما ساعدت الإضاءة على تفكيكه قليلاً، لكن يبقى الديكور نقطة الضعف الواضحة لعرض تميز بالانضباط الدرامي الشديد.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق