شهرية ..مستقلة

يامراااااري؟!

0

بقلم: سعاد سليمان

لكل الشعوب ألفاظ يعبرون بها عن الاندهاش والمفاجأة ، أو الهول الذي حل بالشخص ، نبدأ من الشام  “يا دلي” وتضم المنطقة حاليا سورية ولبنان والاردن وفلسطين ، ثم نعود  إلي القاهرة والاسكندرية ومعظم المدن المصرية لنجد كلمات  “يالهوي” ، و”يا دهوتي” …أما “اللهوي”  فربما أتت من اللهو ، وأذا اقتربنا من التصور الشعبي لفكرة اللهو الخفي أو الالهاء بالفصحي ، فقد أتت منها عبارة التسخيف لشخص لا يعجبنا قوله “اتلهي علي عينك”..أي الزم الصمت ، فما تقوله كلام فارغ لا ينفع ولا يضر ..والمرادف الأخر المصاحب لها “يا دهوتي” فهي تأتي من  جذر كلمة “داهية” ،وعندما نصرخ “يا دهوتي” أي ان الداهية اصابتني بكارثة ، وللتخفيف صارت من يا “دهيتي” إلي يا “دهوتي” .

ونصل إلي الجنوب ، تحديدا بلاد الصعيد الذي له مفردات والفاظ ومعاني اخري اكثر فداحة في التعبير عن الاحساس بوقع المصيبة ، وهي عادة من نسيج البيئة ، ومنها يا مري ..ويا مراري ..ويا حنضلي ، وهذه نباتات لها وجود اصيل في البيئة الزراعية الجنوبية ولها استعمالات عديدة ، فالحنظل نبات طبي معروف بمرارته الشديدة ، واستخداماته العديدة في علاج الامراض حيث يتسيد الطب الشعبي الحياة ، ولسوء الخدمات الطبية علي مر العصور فقد تجرع الصعايدة الحنظل مادة للعلاج ، وخبروه ، واتخذوا من مرارته تعبيرا عن فواجعهم ، اضافة إلي طقوسهم الخاصة في الأحزان الذي يذكرونه صراحة بقولهم ” يا حزني” بالصوت الحياني ، واستعمال “النيلة” التي يلطخ بها النساء الحزاني وجهوهن وثيابهن ، ومنهن من لا تتخلي عن وضعها طوال عمرها ، وخاصة منهن اللاتي تسعين للاخذ بالثأر حتي تأخذ بثأرها ، خاصة أن “النيلة” نبات صعيدي بالأصل حيث ثبت وجوده قبل الميلاد بثلاثة ألاف عام ، كما وجد مصنع لصناعة الأصباغ في “تل اتريب” القريب من سوهاج منذ العصر الروماني .

ويزيد الصعايدة كلمة اخري بقولهم “يا كاسي”.. ولأن  لهجة أهل الصعيد تتميز بالمجاز والرمزية والتكثيف ، ولشرح معني “الكأس” فقد افاض واستفاض في رسم صورة بديعة لما يشعر به حيث جعل للصبر كأسا – أي كوبا يشرب منه  حتي لو كان مملوء بالحزن والقهر – فإذا كان مهموما وقدمت له مشروبا يبدأ في المقارنة بين المشروب وما يتجرعه من مصائب الزمن فيقول: “شارب من كيعاني” …والكيعان هما كوعي اليدين ، وبالطبع هو معني رمزي يوضح أن ما يحتمله اغرقه من القدمين حتي الكوع ، أو من الرأس حتي الصدر والكوع ، وتفنن الصعيدي – رجلا كان أو امرأة – في التعبير عن ذاته بفنون عدة منها الأمثال العدودة والحكايات الشعبية والتعبيرات اليومية ليبقى في قاموس تعبيرات الصعايدة لفظ “ياغورتي” والتي هي دعوة للاغاثة  بمعني يا غوثي  او من يغوثني؟

ويبدو ان التاريخ والجغرافيا اسرفت في ظلم بقعة الجنوب ، فهو من المناطق التي تتعرض منذ ازمان سحيقة لمظالم لا حد لها ، ربما منذ نكبة اخناتون في تل العمارنة والخراب الذي حل بالجنوب ففقد مجده كعواصم مزدهرة ، ثم توالي القهر لهذا  الجنوب ، والذي مازال مستمرا حتي الأن!

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق