شهرية ..مستقلة

قصة الجامع الأكبر والاوبرا السلطانية؟

قطعة واحدة من السجاد تغطي أربعة آلاف ومائتين وثلاثة وستين متراً مربعاً

0

ليست قصة من قصص ألف ليلة وليلة،انما هي مشاهد حسة يمكن لزائري مسقط زيارتها للتعرف على حقائق أغرب من الخيال؟
قصة جامع أقيم في قلب العاصمة العمانية على مساحة تقترب من نصف مليون مترا مربعا..يتسع لعشرين ألف مصل..مصلى النساء وحده يتسع لسبعمائة مصلية.
وزن الثريا الرئيسية يصل الى ثمانية أطنان بها أكثر من 1200 مصباحا..وهي من الكريستال الأصلي الخالص مطلية بالذهب؟
وليس بعيدا عن الجامع الأسطورة – على الشارع المقابل – مبنى أخر تتجلى في تصميمه روعة المعمار الغربي حيث الاوبرا السلطانية العمانية..
انها الممازجة الصعبة..لكنها ليست مستحيلة بين التراث والحداثة..فعلتها عمان؟؟
…..
كوكتيل من الفنون
اثنتا عشرة قاعة يحمل كلٌ منها طرازاً معمارياً فنياً خاصاً يعود إلى حقبة تراثية مميزة تمثل نماذج تطور وتعدد أشكال الزخارف المعمارية وثقافتها من الأندلس غرباً حتى الصين شرقاً.. فتلك قاعة لفنون سلطنة عُمان والجزيرة العربية، وأخرى، وخامسة للفن البيزنطى وسادسة للإيراني الصفوي.. وهكذا حتى الفن الإسلامى المعاصر.
هو مركز للتفاعل مع روح الإسلام ديناً وعلماً وحضارةً، ومع نتاج تاريخه الأدبي والثقافي حيث تضم مكتبته عشرين ألف مجلد مرجعي في مختلف العلوم والثقافة الإسلامية والإنشائية، ويتسع لعشرين ألف مصلّ ومصلية. بدأ تنفيذه في عام 1995م وتم افتتاحه في عام 2001م. إنه “جامع السلطان قابوس الأكبر” بمسقط؟
مسابقة معمارية عالمية
ففي عام 1992م أصدر السلطان الراحل تعليماته لإنشاء أكبر جامع في السلطنة الهدف من إقامته غير مقتصر على توفير مكان للصلاة والتعبد فحسب، إنما أيضاً ليكون مركزاً للتفاعل مع روح الإسلام ديناً وعلماً وحضارةً ومع نتاج تاريخه الأدبي والثقافي. وأقيمت مسابقة معمارية عالمية حيث تمت دعوة مستشارين عرب وعالميين إلى المشاركة في تقديم المخططات المعمارية لتصميم المشروع. واختير الموقع على مقربة من الطريق المؤدي إلى قلب العاصمة مسقط، وعلى اتصال مباشر بالطرق السريعة التي تربط مسقط بالمدن والولايات العمانية الأخرى. وبدأ الشروع في بناء عمارة الجامع عام1995م مستغرقة ما يزيد على ست سنوات من العمل المتواصل. يحتل الموقع مساحة إجمالية قدرها 416.000 متر مربع ،وتغطي مساحة أرضية المجمع ما يقرب من 40.000 متر مربع ،وتؤدي ثلاثة معابر من منطقة الوصول إلى أرضية المجمع عبر ثلاثة مداخل يلي كل منها صحنه الخاص والمرتبط بدوره بسلسة من العقود.. يقع المدخل الرئيسي على المحور الأفقي للمخطط منتهياً بالمئذنة التي تقف شامخة على ارتفاع 91.3 متراً أو 300 قدم، وإلى الشرق والغرب من المدخل الرئيسي يقع المدخلان الثانويان وجميعها تؤدي إلى الصحن الخارجي المحيط بقاعات الصلاة، ويمتدّ الصحن على مساحة 24.400 متر مربع، ويأخذ المصلّى الرئيسي شكلاً مربعاً، أبعاده الخارجية “74.4×74.4” متراً بقبته المركزية التي ترتفع عن سطح البلاط بخمسين متراً، وتشكل مع المئذنة الرئيسية المنظور المميز للجامع.
إلى الشرق من المصلّى الرئيسي يقع مصلّى النساء مشكلاً امتداداً للمصلّى الرئيسي عبر الصحن الداخلي الذي تحيطه ومصلّى النساء مجموعة من الأروقة المعقودة وست قباب تبرز على مداخل الوجهات، وقد صمم المصلّى الرئيسي ليستوعب 6.500 مصلّ، وسعة مصلّى النساء 750 مصلية مع إمكانية احتواء الصحن الخارجي لثمانية آلاف مصلّ ،وبالإضافة إلى الصحن الداخلي والأروقة تصل السعة الإجمالية للمجمع إلى عشرين ألف مصلّ ومصلية.
تشكل الأروقة الشمالية والجنوبية الفضاء الانتقالي الفاصل بين أماكن العبادة ومرافق المجمع الأخرى، حيث يمتد كل منها على مسافة داخلية طولها 221 متراً، وتسقف فضاءاتها سلسلة من القباب الهندسية القوام، وتكون جدران الرواق الجنوبى ساتراً مرئياً مزدوجاً يضم مجموعة من مرافق المجمع الوظيفية، منها المكتبة التى تضم عشرين ألف مجلد مرجعي في مختلف العلوم والثقافة الإسلامية والإنسانية، وتقع قاعة الاجتماعات والندوات التي تسع ثلاثمائة شخص إلى الغرب من الرواق بينما تم تصميم أماكن الوضوء في الوسط على طول خلفية الرواق المحاذية للصحن الخارجي.
السور الامين
تبدو الأروقة بمثابة “سور أمين” حول عمارة الجامع إلا أنها تختتم بالمآذن الأربع التي ترسم حدود الموقع بارتفاعها إلى خمسة وأربعين متراً، حيث تجتمع المآذن الخمس في الجامع لترمز إلى أركان الإسلام الخمسة، وتتخلل الجدران البيضاء المهيبة مجموعة من الأقواس والكوّات المفتوحة والصماء مع دعامات تستهل واجهة المصلّى الرئيسي، لها وظيفة إنشائية فضلاً عن أنها ملاقف للهواء على غرار عناصر الأبراج المناخية التقليدية والسائدة في العمارة المحلية العمانية التي يسمونها “البراجيل”. وتتوج جدران المصلّى الرئيسي شرفات يتأصل طرازها في عمارة القلاع العُمانية خاصة ومسننات الشرفات في العمارة الإسلامية عموماً، وأمّا جدار القبلة فيتميز بكوة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة كما هو التقليد في وضوح التعبير عن حائط القبلة في تصميم المساجد العُمانية، ويحتوي جدارها على مدخل السلطان “جنوب المحراب” ومدخل الإمام المؤدي إلى المنبر شمال المحراب.
زخارف اسلامية
استُخدمت مجموعة غنية من الزخارف الإسلامية فى تصميم النقوش المحفورة في أبواب المصلّى الخشبية التي تعلو كلاً منها آيات قرآنية بخط “الثلث” بينما تحتوي الأبواب الخشبية المحفورة التي تربط الصحن الداخلي بمصلى النساء على “مشربيات” مبطنة بألواح الزجاج الملون تأكيداً على تواصل المكان المخصص للصلاة ووحدته. كما تقتصر تفاصيل عناصر الجدران الخارجية على تقاسيم الزخارف المحفورة بأنماطها الهندسية والنباتية والآيات القرآنية الكريمة المكتوبة بخط “الثلث” أيضاً. ويحزم قمة جدران المصلّى والصحن الداخلي شريط غني بالآيات القرآنية الكريمة بخط “الثلث الممشوق”، وتملأ الزخارف الهندسية الإسلامية إطارات أقواس الأروقة المتوّجة بحزام من السوَر القرآنية عند العقود حيث تنتشر طبيعة هذا التشكيل الفني إلى جميع أقواس المداخل الرئيسية. وتحتلّ أسماء الله الحسنى موقعها بين أقواس وجهات الأروقة وغيرها محفورة بالخط “الديواني” بينما تحتوي الواجهة الجنوبية من قاعدة المئذنة الرئيسية على نص الأذان فيما حفر اسم الجامع على وجهتها الشمالية.
رخام في رخام
ورصفت أرضية المجمع برمّتها ببلاط الرخام وفق ترتيب ونمط هندسي متناسق بينما صمّمت قطع بلاط الصحن الخارجي والداخلي الرخامي بمقياس وحدة سجادة الصلاة، ووضعت هندسة الجنائن في حديقة صممت شرق المجمع بما يقترن بمبدأ تصميم الحديقة الإسلامية، حيث بنيت مقصورة بصحن وأروقة وإيوان في وسطها بركة رخامية بمجرى مائي يربط المقصورة مع وسط الحديقة، وقد صممت على الصحن الداخلي مظلة متحرّكة لتمتدّ حين تدعو الضرورة إلى توفير الظل داخل الفضاء المكشوف.
جدران قاعة المصلّى الرئيسية مكسوّة بكاملها من الداخل بالرخام الأبيض والرمادي الغامق، بها جداريات مشغولة بزخارف مورقة بنمط هندسي يغلب على تصميمها أسلوب الفن الصفوي، وهي مصممة بمخطط مفتوح ذي أربعة أعمدة رئيسية حاملة لهيكل القبة الداخلي الذي يمتدّ بمحاذاة كل من الجدارين الشمالي والجنوبي رواق ينفتح على قاعة المصلّى بأقواس مزررة بزخرفة كما في العمارة المملوكية، وصمم المحراب بإطار مرتفع يضم “كوتين” بتقاسيم متراجعة في عمق الجدار بمقرنصات وعقود يحيط بإطاره حاشية من الآيات القرآنية الكريمة وثنية خزفية ناتئة على شكل حبل مفتول مصنوع من الخزف المطلي بالذهب، وتعتلي فتحات الجدران الجانبية شبابيك الزجاج الملوّن بزخارف مكمّلة في تصميمها لطبيعة ونمط زخارف الجدران.
القبّة مجمّعة بمقرنصات تشكل مثلثات كروية هندسية ضمن هيكل من الأضلاع والأعمدة الرخامية الخالصة المتقاطعة بأقواس مدببة مرصعة في جميع عناصرها بألواح من “القيشانى” بينما تمتد الألواح الخشبية في السقف بطراز ينبثق عن تطوير السقوف العمانية الأصلية.
السجادة العجيبة
السجاد أحد مقومات التصميم الداخلي التي تفرش بلاط المصلّى بقطعة واحدة تغطي مساحة أربعة آلاف ومائتين وثلاثة وستين متراً مربعاً مؤلفة من مليار وسبعمائة مليون عقدة تزن واحداً وعشرين طناً استغرقت صناعتها وإنتاجها أربعة أعوام تجمع في تأليفها ونوعية تصميمها سجادة “تبريز وكاشان وأصفهان” الأصلية، واستُخدم في نسجها ثمانية وعشرون لوناً بدرجات متنوعة تم صناعة غالبيتها من الأصباغ النباتية والطبيعية، وتم تصميمها في وحدات من خانات الصلاة تفصل بينها حواشٍ زرقاء وبيضاء بزخارف مستمدة من النسيج العماني.
كما صممت مجموعة من “الثريات” عددها خمس وثلاثون خصيصاً للمصلّى الرئيسي مصنوعة من كريستال “سوروفسكي” ومعادن مطلية بالذهب تتدلّى حول قاعة المصلّى بينما تتدلّى “الثريا المركزية” من قمة القبة بقوام يبلغ طوله أربعة عشر متراً بقطر ثمانية أمتار بها ألف ومائة واثنان وعشرون مصباحاً تزن ثمانية أطنان، وصمّمت ثريات مصلّى النساء التسع بطراز “عثماني” مصنوعة من الكريستال التركي.
الأروقة الشمالية والجنوبية تضم اثنتي عشرة قاعة صممت كل منها “بكوّات” تحمل طرازاً معمارياً فنياً خاصاً يعود إلى حقبة تراثية مميزة، ويأتي انتقاء الأعمال الفنية في القاعات ليمثل نماذج تطور وتعدد أشكال الزخارف المعمارية وثقافتها التي انتشرت بأنماط غنية من الأندلس إلى الصين حيث يحتوي الرواق الشمالي قاعة لفنون سلطنة عمان والجزيرة يتبعها أخرى للفن العثماني ثم فن عمارة “المماليك” تليها قاعة فن الزليج “المغربي” ثم فنون بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، وأخيراً الفن البيزنطي. أما قاعات الرواق الجنوبي فتبدأ بفن “بلاد الحجاز” ثم الفن الإسلامي “الهندي” يتبعه قاعة الفن “التيموري” في آسيا الوسطى ثم الفن “الإيراني الصفوي” والفن الإسلامي المعاصر، وأخيراً نموذج في أعمال إسلامية فنية حديثة.
مركز الثقافة الاسلامية
وفي قلب الجامع الأكبر يقع مركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية الذي تمكّن منذ إنشائه من تنفيذ مئات المحاضرات والندوات الحوارية التي خصص من بينها العشرات للنساء فقط، وهو يشارك في العديد من الفعاليات الثقافية الخارجية، كما يستقبل شخصيات مهتمة بالثقافة من أبرزهم المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومدير مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومدير مركز الدراسات الإسلامية في “كيرلا” بجمهورية الهند ورئيس الجامعة الإسلامية في “ميتشجان ” بأمريكا الشمالية، ويقوم بطباعة كتيبات للتعريف بالإسلام للمفتي العام للسلطنة مترجمة إلى اللغة الإنجليزية باعتبارها تستهدف الناطقين بغير العربية، وأصدر ملحقاً خاصاً بالأطفال في مجلة “رسالة المسجد” التي يعمل على زيادة انتشارها، وأنتح مكتب الإعلام والعلاقات الخارجية بالمركز فيلماً وثائقياً عن التعليم الديني في عمان قديماً وحديثاً، إلى جانب تنفيذ دورات ومحاضرات شبه ثابته يلقيها الأئمة الأكفاء بالجوامع والمساجد، كما أرسل عدداً من المرشدين الدينيين إلى شرق أفريقيا للقيام بدور التوجيه والتثقيف خلال العطلة الصيفية، ويقوم بتنظيم وتطوير مسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم بالإضافة إلى تطوير عدد من المكتبات الموجودة بالمؤسسات التعليمية والجوامع التابعة.
من أبرز إنجازاته الثقافية إنشاء وتأهيل مكتبة “جامع السلطان قابوس الأكبر” التي تعتبر المكتبة العامة الأولى في محافظة مسقط من حيث سعتها الاستيعابية وتنوّع وسائطها، حيث تتخذ موقعها في مبنى مكوّن من ثلاث طبقات تضم اثنين وعشرين ألف كتاب في جميع مجالات المعرفة العامة والفلسفة وعلم النفس والديانات والعلوم الاجتماعية واللغات والعلوم العامة والعلوم التطبيقية والفنون والآداب والطبيعة والتاريخ والسير والتراجم، إلى جانب قسم خاص للأطفال يضم مجموعة جديدة من الكتب والإصدارات المتخصصة في ثقافة الطفل، كما توفر خدمة “الإنترنت” عبر شبكة من أجهزة الحاسب الآلي وتجهيزاتها التي تساعد في عمليات البحث، بالإضافة إلى مجموعة من الوسائل السمعية والبصرية في مختلف المجالات العلمية والبحثية، وهي تستقبل روادها من الباحثين والمثقفين وطلاب العلم خلال فترتين صباحية ومسائية، وقد استقبلت خلال تسعة أشهر فقط أربعة وعشرين ألف ومائتين وخمسة وتسعين زائراً، وهو يسعى إلى الارتقاء بمستوى أداء أئمة الجوامع والمساجد حيث يعقد الدورات التدريبية للأئمة في مجالات الخطابة وحفظ القرآن الكريم واللغة العربية.
الاوبرا السلطانية
وعلى مسافة لا تبعد أكثر من خمسة كيلومترات من جامع السلطان قابوس الأكبر الذي لم يكن مجرّد مكان للعبادة والصلوات بقدر ما هو منارة ثقافية تشعّ بأضوائها المبهرة تنشر المحبة بين الأمم والشعوب معتمدة “حوار الحضارات” بديلاً خيراً عن صراعاتها، وقبل حوالي سبعة عشر عاما من الآن، تكللت المسيرة الثقافية المضيئة بافتتاح “دار الأوبرا السلطانية” التي كان قد أمر السلطان الراحل قابوس بإنشائها لتأخذ بأرقى المعايير الفنية واستدامتها وتقديم برامج فنية مفعمة بالإبداع والتميز الذي ينضوي على التواصل لإذكاء روح الإبداع المقرون بالتنوّع الثقافي والتوعوي في إطار برامج تراعى فيها القيم العالمية للفنون والأطروحات الثقافية وخصوصيات المجتمعات المحلية والسعي الدؤوب في سبيل مشاركة أوسع نطاقاً على المستوى الشعبي.
كلاهما..الجامع والاوبرا يشيران الى الحرص على ممازجة التراث بالحداثة..وهي معادلة صعبة ..لكنها لم تعد مستحيلة؟!

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق