شهرية ..مستقلة

لحظة من فضلك

0

خمسون يوما تمضي على رحيل السلطان قابوس بن سعيد – الثامن في تسلسل سلاطين أل بوسعيد -الذي وافته المنية المحتومة في العاشر من يناير الماضي مخلفا وراءه إرثا من الإنجازات والمكتسبات على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،مؤسسا لدولة عصرية حديثة يشار إليها بالبنان باعتبارها نموذجا للحياد الإيجابي الفاعل في محيطها الإقليمي والدولي.

خمسون عاما الا قليلا من مسيرة النهضة العمانية الحديثة – التي قادها السلطان الراحل – لايمكن تعداد مكتسباتها في مساحة محدودة..فهي تجسيد لمرحلة زمنية من التاريخ العماني باعتبارها ملحمة تطول فصولها في صفحات ممهورة بمزيج من الدماء والدموع والابتسامات والاحزان والافراح ما يجعل السلطان قابوس خالدا في قلوب وعقول العمانيين باعتباره “أبا روحيا” لدولتهم العصرية الحديثة.

كان السلطان حكيما في كل تصرفاته وقراراته وخياراته،فهو لم يكن راغبا في رؤية دولة على خارطة العالم لاتربطها علاقة صداقة مع بلاده،وكان له ما أراد،فقد ظلت عمان طوال سنوات حكمه الخمسين الوجه البشوش لدى الفرقاء في الإقليم والعالم،وسيطا مقبولا للسلام بينهم، مضيافا للعديد من المباحثات والمفاوضات التي كثيرا ما انتهت الى إخماد حروب كادت تندلع وشرور كادت تتفشى.

لم يكن يختلف اثنان في عمان على شخص السلطان قابوس موقنين جميعهم بأن قراره هو الصائب،وأن اختياره هو الصحيح، فهكذا عهدوه طوال ما يقرب من نصف قرن، ولعل ذلك هو الدافع وراء قرار مجلس العائلة الحاكمة بعدم الدخول من باب التصويت على من تحق له الخلافة من بعده – وفق ما تنص عليه المادة السادسة من النظام الأساسي في سلطنة عمان – مكتفين “بالاجماع” بفتح وصية السلطان الراحل، مرتضين بمن اختاره خلفا له، مغلقين باب الفرقة والتنازع.

كنت على قناعة تامة بأن الوصية تتضمن الاسم الأقرب الى قلب وعقل السلطان الراحل، والذي يتميز بنفس الصفات..الهدوء والحكمة واللباقة..رجل الدبلوماسية والرصانة الذي تمازج أفكاره بين التراث والحداثة منفتحا على كل ماهو جديد ليأخذ منه ما يفيد بلاده وشعبه..كنت على يقين بأن الوصية تحمل اسم “هيثم بن طارق أل سعيد”..ليس من قبيل التخمين أوقراءة الكف أومطالعة النجوم..فحين أتحدث عن ملامح شخصية السلطان هيثم بن طارق أقول بأنني تبينتها عن قرب حين كان لي شرف مقابلته في لقاءات خاصة ثلاث مرات خلال الأعوام الخمس السابقة..فقد تشرفت بلقائه للمرة الأولى في مكتبه – بصحبة صديقي العزيز السفير والأمين العام المساعد الأسبق للشئون السياسية لمجلس التعاون الخليجي الشيح سيف بن هاشل المسكري – حيث تفضل صاحب السمو السيد هيثم وزير التراث والثقافة حينها بقبول دعوتي لرعاية حفل تدشين كتابي المعنون “قابوس..سلطان أم صاحب رسالة”…وتشرفت بلقائه ثانية مودعا قبيل مغادرتي النهائية للسلطنة في سبتمبر من العام 2017م،وتشرفت بلقائه للمرة الثالثة في ربيع العام 2018م خلال زيارة قصيرة لمسقط. وكان من المقرر أن أشرف بلقائه للمرة الرابعة في سبتمبر من العام الماضي ،خلال تواجدي بالعاصمة العمانية بدعوة كريمة من النادي الثقافي مشاركا في أمسية حول الشورى العمانية وأفاقها المستقبلية ، لكن ظروفا تتعلق بارتباطات حالت دون ذلك.

في المرة الأخيرة التي شرفت بلقائه قبل حوالي عامين حدثني كثيرا عن الرؤية المستقبلية لعمان 2040م،والتي اختاره جلالة السلطان الراحل رئيسا للجنة الرئيسية المكلفة باعدادها، وكيف أنه كان متحمسا لجيل الشباب الذي يعتبره هدفا لهذه الرؤية التي سيعيشها،وأن من حقه المشاركة في وضعها ليوثق طموحاته ضمن محاورها وأهدافها، وأوجه الاختلاف بين الرؤية السابقة 2020م والحالية 2040م،وجدته عارفا ومقدرا ومتحمسا لطموحات الشباب التي يجب ألا تتجاوز في ذات الوقت حدود الممكن والمتاح.

كنت اصغي اليه باهتمام بالغ مقارنا أفكاره ورؤاه مع تلك التي حملها وافصح عنها السلطان الراحل قابوس،والتي كانت في معظمها متطابقة، وكم تمنيت حينها أن يصدق حدسي بأنه السلطان القادم..وقد كان..فهنيئا للشعب العماني الشقيق جلالة السلطان هيثم بن طارق الذي هو بالفعل خير خلف لخير سلف.

رئيس التحرير

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق