شهرية ..مستقلة

ضمن عروض القومي للمسرح .. “مترو” إعادة إنتاج لفكرة الانتظار والحنين للماضي

0

أمنية طلعت

من الصعب جداً الإشادة بعمل مسرحي فقط لأن الممثلين كانوا متميزين، ولكن هذه حقيقة لا يمكن إغفالها مع مسرحية “مترو” التي يعرضها مسرح أوبرا ملك ضمن عروض مسرح الشباب المشاركة بالمهرجان القومي للمسرح، والتي يستحق ممثلوها إشادة خاصة، فلولا أدائهم المبهج ما استطاع أحد الاستمرار في مشاهدتها إلى نهايتها، ولذلك أحب أن أذكر أسماءهم وهم أحمد خالد وشريهان قطب وخالد شرشابي وأحمد عمار وسلمى عصمت ومصطفي رضا.

أما المسرحية نفسها، فهي في حقيقة الأمر مجرد فكرة جيدة لم تكتمل في شكلها النهائي كعرض مسرحي، فالنص والذي يلعب على تيمة “الانتظار”، مثل المسرحية الأشهر والنموذج “في انتظار جودو” لصمويل بيكيت التي تدور حول شخصيات معدمة ومهمشة ومنعزلة، تعيش طوال الوقت في انتظار شخص اسمه جودو، يؤمنون تماماً بأنه سيغير حياتهم للأفضل عندما يأتي، ولكنه لا يأتي أبداً، فيصبح هو المستحيل الذي يعيشونه. يستبدل مؤلف المسرحية محمد فضل شخصية جودو بالمترو، حيث أن أحداث المسرحية كلها تدور داخل ديكور لمحطة مترو مجهولة، لا اسم لها ولا تحتوي على منفذ يساعد على الخروج منها، حيث يجد شاب وفتاة أنفسهما محاصرين داخل هذا المحطة في انتظار المترو أن يأتي ليتحركوا ولكنه لا يأتي وتضيع تذكرتيهما، فيتعمق لديهما الإحساس بالعزلة والضياع.

إلى هنا ولا يوجد ما يعيب المسرحية، ولكن للأسف الشديد، لم يستطع المؤلف أن يصعد بالدراما التي رسم خيوطها الأولى ونجده يقع في منزلق الخطابات الأشبه بمحاضرات التنمية البشرية، فهو بالتأكيد حاول أن يكسر فكرة الانتظار بتقديم دعوة للتفاؤل والمضي قدماً في الحياة رغم صعوباتها، ولكن بدلاً من أن يقدم لنا هذه الفكرة في حبكة درامية متصاعدة، قدمها في حوارات واضحة ومباشرة وتكاد تصل إلى شكل فن المقال الصحفي ذو التوجيه المباشر، وهو ما لم يعد مقبولاً منذ زمن طويل حتى في الموضوعات الصحفية والتناولات الإعلامية للقضايا اليومية، فما بالكم بالفن والمسرح بالتحديد.

نجد المؤلف أيضاً يركن إلى الحلول الجاهزة في أسباب حزن وانعزال الشاب والفتاة اللذان تجمعهما الأقدار في محطة المترو التائهة في دوامة الزمن، فيكرر نفس المشاكل التي تم استهلاكها مراراً في جميع القوالب الفنية منذ عشرين عاماً، فلابد وأن الشاب يعمل في مهنة أجبرته الحياة عليها وأن المجتمع قهره ضمنياً كي يبتعد عن أحلامه وينخرط داخل ماكينة الرأسمالية الطاحنة، وأنه بالتأكيد لا يربح المال الكافي كي يحقق أدنى متطلباته الإنسانية وهي أن يحب ويتزوج، أما الفتاة فهي بالتأكيد تتعرض للتحرش والمجتمع يضغط عليها من أجل الدخول في قالبه التقليدي وهو الزواج والإنجاب، والغريب أنه يجعل حل مشكلتها في مسرحيته هو أن تقع في الحب ولكن بالطبع تحب الفتى الذي لا يملك شيئاً ومطحون مثلها.

يلجأ المؤلف أيضاً بدون مبرر درامي إلى دوامة نوستالجيا الثمانينيات التي وقعت مصر كلها في حفرتها منذ ما يقرب من عشرة سنوات، وبدأها محمود جمال حديني في مسرحيته الناجحة والشهيرة “1980 وأنت طالع”، وربما لما حققته هذه المسرحية من نجاح مبهر، جرى كثيرون وراء الفكرة فشاهدناها مراراً وتكراراً مع إسعاد يونس في برنامجها “صاحبة السعادة”، وأنشأ كثيرون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” لتقديم نفس المحتوى، ويبدو أن نظرية شريط الكاسيت الذي نقوم بلفه بالقلم معلقة في الأذهان لأنها مكررة في كل محتوى تم تقديمه عن نوستالجيا الثمانينيات، والتي يقدمونها على أنها حقبة مزدهرة في مصر، في حين كانت حقبة تمثل بداية تصاعد الجماعات الدينية المتطرفة وسيطرتها على الشارع المصري وبداية اختفاء معالم المدنية والتطور، إضافة إلى الإنتاج الفني الهابط سواء كان في السينما أو المسرح فيما عدا القليل من الأعمال التي ارتبطت بأسماء مخرجين ومؤلفين كبار، هذا عدا بداية ضياع الهوية الثقافية المصرية والانفتاح على ثقافات الصحراء وانتشار المخدرات بين الشباب، وانتشار الفساد وغير ذلك الكثير، ما أدى بنا في النهاية إلى الوقوع في منزلق الثورات واشتعال ثورة 25 يناير، وكل هذا يجعل من حقبة الثمانينات مرحلة لا تشكل أي نوع من أنواع “الزمن الجميل” كما نحب أن نلقب بؤر النوستالجيا في ذاكرتنا.

في نهاية المسرحية تشعر بأن المؤلف والمخرج أحبا أن يطيلا في زمنها قليلاً، فقدما رقصة على أغنية “عهد الهوى” للمطربة الراحلة ليلى مراد وتأليف حسين السيد وتلحين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، حيث قُدمت الأغنية كاملة مع رقص الممثلين، وهو ما لم يكن له أي مبرر درامي وإن كانت الأغنية والرقص ممتعين جداً وأخرجونا من حالة الملل الذي تسبب فيه الحوار الخطابي.

جاء الديكور موفقاً بشكل كبير للتعبير عن محطة مترو مهجورة مع وضع “مانيكانات” على جوانب المسرح للتعبير عن أشخاص آخرين في حالة انتظار للمترو الذي لا يأتي أبداً، وإن كنت لا أدري لماذا تحول اثنين من هذه المانيكانات إلى شاب وفتاة فجأة وبدون مقدمات، لنجدهما بعد ذلك يكرران حكاية الشاب والفتاة الذين مثلا حالة الضياع في الانتظار وتنتهي معهما المسرحية، وكأنهم يرغبون في أن يقولوا أن حالة الانتظار تحدث دائماً وطوال الوقت وأن وصول المترو الذي ننتظره يحتاج لأن نتحرك نحن له، ولكن الأمر جاء بشكل باهت وأراهن أن أحداً من المشاهدين لاحظ الأمر أو فهم المغزى من ورائه.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق