شهرية ..مستقلة

“أوبرا بنت عربي” تدعو لقبول الإختلاف بالقومي للمسرح

0

أمنية طلعت

في عالم من الأحلام؛ نسجت ياسمين فرج عرابي خيوط لعبتها المسرحية في “أوبرا بنت عربي” التي تعرض ضمن المسابقة الأولى بالمهرجان القومي الذي تجري فعالياته الآن وحتى نهاية شهر أغسطس الجاري. المسرحية من إنتاج البيت الفني للمسرح وتعرض على مسرح السلام بعد أن حققت موسمين مسرحيين ناجحين.

 عمدت ياسمين منذ اللحظة الأولى إلى رسم أجواء أسطورية لحكايتها عن هذا العالم الذي يعيش فيه الجميع على قدم المساواة رغم الاختلافات العقلية والجسدية. تبدأ أحداث المسرحية بصوت الراوي أو الراوية والتي أدته سيدة المسرح العربي سميحة أيوب بصوتها المهيب، فتأخذك فوراً إلى الأجواء السحرية لعالم ألف ليلة وليلة وسهرات المنشدين للسيرة الهلالية على الربابة، بعدها تُضاء الأنوار لتبدأ اللعبة.

بقصدية واعية أفضل إطلاق لقب “اللعبة” على مسرحية “أوبرا بنت عربي”، فالمخرج هشام علي الذي يحترف اللعب على خشبة المسرح، يأخذ جمهوره منذ اللحظة الأولى إلى تفاصيل لعبته، والتي قسمها وفقاً للأحداث إلى مستويات، وكأن عليك أن تنتهي من المستوى الأول للإبهار حتى تصل إلى قمة الإبهار مع نهاية الأحداث. يمتلك هشام مخيلة خصبة ومعبأة بكثير من الحواديت، إضافة إلى عين ذكية ومثقفة شاهدت الكثير من الصور الفنية متعددة الثقافة، ليستطيع بعد ذلك أن يترجم كل ما لديه من مخزون على الخشبة. وفي مسرحية “أوبرا بنت عربي” يتأثر هشام كثيراً بأجواء “أليس في بلد العجائب” وأشكال شخوصها، حيث الكثير من الشخصيات ترتدي ملابس تشبه “هامبتي دامتي” و “تويدل دامب” و “تويدل دي” و”كاتر بيللر” وغيرها من شخوص أليس العجيبة، وهو ما يبدو جلياً في المكياج الخاص بالشخصيات والتي برعت أماني حافظ في إبداعه، وكذلك الملابس التي أتقن هشام مع أميرة صابر رسمها، إضافة إلى أسلوب حركتهم وأدائهم.

رغم متعة الدخول في غمار أجواء الحواديت التي عبأ هشام المسرح بحلياتها، إلا أنني كنت أفضل أن لا تكون بهذا الكم الكبير والذي كان من الممكن الاستغناء عن بعضها، حيث لم تخدم بشكل جوهري الأحداث الدرامية، مثل دخول شخصية الأميرة أوبرا إلى خشبة المسرح بعربة أشبه بالعربة الحربية الفرعونية والتي لم يستخدمها سوى في هذا المشهد الذي لم يستغرق سوى ثوان معدودة، ما يدعو للتساؤل عن سبب وجودها من الأساس وبهذا الحجم الضخم، فقد كان من الممكن استبدالها بهودج صغير أو حتى أن يحمل أفراد الشعب الأميرة!

منذ البداية ونحن متفقون مع ياسمين وهشام على اللعبة التي أرسيا قواعدها، فأنت تبدأ مع الساحرة واندا التي تعيش في الغابة، وتهدد الملك نيار بأنه لو لم يرضخ لحكم الأقدار فسيلقى العواقب الوخيمة، ولكنه منذ البداية يحاول التملص من هذه الأحكام التي لا يفهمها، خاصة وأن القدر حكم عليه هو وقائد جيوشه الشجاع “عربي”، بأن لا ينجبا أطفالاً، وفي الوقت الذي يرى نيار أنه ليس بالشئ المهم أن يكون لعربي وريث، فإنه من الضروري جداً أن يكون له هو وريث ليتولى الحكم من بعده. بعد ذلك يبدأ الصراع الذي على أساسه سيحكم نيار على المختلفين بالنفي خارج مملكته ليعيشوا في أرض جدباء “مدينة آم” ليلقوا حتفهم عليها.

لم يكن الملك نيار التجسيد الحقيقي للشر، فهو شرير ضعيف من هذه الشخصيات الوصولية التي ترغب العيش على عرش صنع مجده غيرها، ولذلك عندما يرغب في التخلص من قائد جيوشه عربي الذي يحبه الشعب بسبب انتصاراته المتعددة على أعداء وطنهم، يرسم له الخطة وزيره المخادع “إمكار” ويتخذون من فقده لأحد عينيه ذريعه لتنحيته عن قيادة الجيوش.

وهنا يمكن الإشارة إلى نقطة اختيار الأسماء الخاصة بالشخصيات، فبين اسم واندا البولندي الأصل، وشكيب الفارسي الأصل، وعربي العربي، يأتي اسم نيار وإمكار مبتكرين تماماً، ثم اسم أوبرا والذي يعني “العمل المسرحي المُغنى”، وهنا نتساءل عن المنطق الذي على أساسه تم اختيار أسماء المسرحية والتي أعلن عن مكان أحداثها منذ البداية على لسان الراوية، بأنه واحدة من الممالك العربية القديمة، ولذا أعتقد أن اختيار أسماء عربية واضحة ذات دلالات أسطورية كان أفضل بالنسبة للعمل ويعطي عمقاً أكبر في ترسيخ القيم التي طرحها، خاصة أن استخدام اسم أوبرا للأميرة العمياء يبدو لعبة تسويقية واضحة تماماً من أجل استخدامها في اسم العمل المسرحي “أوبرا بنت عربي”، فتعطي ذلك الخلط المتعمد داخل عقل السامعين، فيعتقد الجمهور أنه بصدد مشاهدة أوبرا عن قصة فتاة عربية، وهو أمر ليس بمرفوض أو مستنكر كخطة تسويقية مسبقة من أجل جذب انتباه الجمهور المحتمل.

يتنازل الفنان علاء قوقة هذه المرة عن الشر للفنان محمد السعداوي، حيث يبرع قوقة في تجسيد دور نيار الملك ضعيف الشخصية الشره للبقاء في السلطة دون بذل أي مجهود والذي يسير وراء وزيره إمكار دون تفكير، بينما ينجح سعداوي في تجسيد دور الوزير الشرير الذي يمكر ويرسم الخطط لإفساد وإضعاف مملكة نيار حتى يصل هو إلى السلطة، كذلك يجسد باقي أبطال المسرحية تفاصيل الأحداث بعذوبة تسحبك نحو عالم أسطوري جميل، وإن كانت الفنانة نهاد فتحي تحتاج إلى إتقان دور فاقدة البصر ولو قليلاً، بينما أثبتت مؤلفة المسرحية ياسمين فرج عرابي قدرات تمثيلية جيدة في تجسيدها لدور الساحرة واندا.

يمكنني اعتبار مسرحية “أوبرا بنت عربي” باكورة الإنتاج الدرامي العربي الذي يقدم أصحاب القدرات الخاصة ويناقش قضايا دمجهم في المجتمع دون رفع للافتات وشعارات زاعقة، أو إعادة سرد قصص العباقرة المصريين والعالميين الذين عاشوا بنوع من أنواع ما يطلقون عليه اسم “الإعاقة” مثل طه حسين وسيد مكاوي وعمار الشريعي وغيرهم، وهو ما يُحسب للمخرج هشام علي الذي قرر التغريد خارج السرب وتقديم عمل مسرحي ضمن إنتاج فرقة الشمس لذوي الاحتياجات الخاصة، ليقدم مع ياسمين عرابي مسرحية ذات مضمون توعوي هادف، لكنها لم تقع في شرك الخطابات المباشرة وقدمت دراما مسرحية مسلية تحقق متعة المشاهدة بكل شروطها الفنية من خلال مضمون هادف يصلك من مدينة “آم” التي يعيش فيها الجميع سواسية.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق