شهرية ..مستقلة

أوجاع العرب .. وكوابيس المستقبل 3

0

أعد الملف: العزب الطيب الطاهر

الدكتور عمر الحسن.. رئيس مركزالخليج للدراسات الاستراتيجية والسياسية

أزمات المنطقة حصيلة “فراغ سياسى” استغلته القوى العالمية لاعادة رسم خرائطها وتحصيل الغنائم؟

نظرية المؤامرة هى الأشهر خلال السنوات السبع الماضية بقيادة أمريكية- إيرانية- إسرائيلية ودعم قطرى وتركى أشعل الحرائق والحروب

الخطر الإسرائيلى ما زال شاهرا سيفه فى وجوه العرب وطهران تتحرك بفاعلية للهيمنة عليهم من خلال عملائها وأذرعها فى الإقليماً

إصلاح التعليم بات ضرورة ملحة لكنه يتطلب رؤية وتخطيطا استراتيجيا وتوفير إدارات كفؤة للإشراف عليه

أكثر من 70 مليون من سكان الوطن العربى  يعيشون تحت خط الفقر..والثلثان في الاقطار منخفضة الدخول

حان الوقت لإنشاء دولة المواطنة العربية التى تقبل بالتعددية وتسمح بالشراكة وإرساء قواعد الحكم الرشيد وبناء التنمية

الخروج من المعادلة الإقليمية والدولية يعني تحول العروبة الى “يوتوبيا ” لاعلاقة لها بالواقع!

استمرار تردى الأوضاع الحالية يعني بأن تقسيما جديدا لعدد من الدول العربية يلوح فى الأفق؟

“الأزمات والنزاعات فى المنطقة العربية هى محصلة لظهور الفراغ الاستراتيجي الذي – وللأسف- ما زال ساريا وإن تغيرت خططه وأدواته ،الأمر الذى دفع القوى العالمية الكبرى الى محاولة إعادة رسم خرائط المنطقة وتحصيل الغنائم  وصولا الى شرق أوسط جديد  من خلال العمل على تفتيت تلك الدول واستنزاف ثرواتها ومقدراتها “.

..وتاليا إحدى خلاصات الحوار مع الدكتور عمر الحسن المفكر السياسى والدبلوماسى السابق رئيس مركزالخليج للدراسات الاستراتيجية والسياسية الذى يتخذ من لندن مقرا رئيسيا له فإلى تفاصيله :

– كيف تقيم  قدرة العرب فى المرحلة الراهنة على التعاطى مع جملة من التحديات والمخاطر  التى تحاصرهم على مختلف الصعد ؟  

* الأمر المؤكد أن  الدول العربية تواجه بالفعل  تحديات ومخاطر عديدة، منها الداخلي، ويأتي على رأسها مشكلة الفقر الذي تمتد تداعياته السلبية إلى كُل ما بوسعه المساهمة في نهوض المجتمعات وتقدمها وازدهارها، فلا تقتصر تأثيراته على الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية فحسب إنما مجموعة متشابكة من التأثيرات كفيلة بتدمير أي مجتمع، خاصة أن أكثر من 70 مليون عربي يقعون تحت خط الفقر، ويعيش أكثر من ثلثي السكان في الأقطار منخفضة الدخل. ومع تزايد الهوة بين الفقراء والأغنياء، تتعثر الكثير من مسيرات وخطط التنمية.

كما تُعَد مشكلة البطالة من التحديات الخطيرة بعد أن وصل عدد العاطلين حوالي 22 مليونا من إجمالي 120 مليون عامل ،وأسباب هذه المشكلة هي طبيعة المنطقة العربية، فهي من أعلى المعدلات السكانية العالمية، بالإضافة إلى تواجد العمالة الأجنبية المنافسة، والعمالة المنزلية، الأمر الذي يزيد من تفاقم المشكلة ، ومن ثمّ يُمثل “إصلاح التعليم” تحديا آخر يرتبط بالتحدي السابق لعدم مواكبة النظام التعليمي لمتطلّبات سوق العمل، فضلا عن أن الدول العربية تعاني من غياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي المناسب، والوحدات الإشرافية الكفؤة، والموارد البشرية المختصة .

خطر الطائفية

وتأتى “الطائفية” كتحد يفرض نفسه ،  فمع  نجاح ثورة الخميني في إيران عام 1979م تشكلت أول نعرات انتشار الطائفية والمذهبية في العالم العربي، حيث أحيت طهران المذهبية على أساس عنصري، فضلا عن ضعف أو غياب “منظمات مجتمع مدني فاعلة” تغطي مساحات واسعة ومجالات متعددة في الواقع الاجتماعي، وتحديات أخرى تتعلق بقضايا الحريات العامة وحقوق الإنسان والتنمية البشرية المستدامة و”انتشار الفساد” وكلها قوضت وأضعفت قدرة الدول العربية على تحقيق التنمية، خاصة أن تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كانا مطلبا أساسيا قامت من أجله الثورات، والعديد من التحديات الأخرى مثل قضيتي الأمن الغذائي والمائي، حيث أصبحت أزمة المياه فتيلا لاشعال النزاعات الإقليمية في المنطقة.

موجات الإرهاب  والتكفير

أما التحديات الخارجية، فيأتي على رأسها الإرهاب الذي ظهر بصور واضحة منذ اندلاع ما سُمي بـ”الربيع العربي”، الأمر الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وقد رافقت موجة الإرهاب موجة تكفيرية غير مسبوقة، منطلقة من خلفيات عقائدية ،كما تعد الجريمة المنظمة العابرة للحدود إحدى أهم التحديات لارتباطها بالإرهاب، فقد تصاعدت وأصبحت تشكل تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار على الصعيدين الوطني والدولي، وتمثل هجوما مباشرا على السلطة السياسية والتشريعية، بل وتتحدى سلطة الدولة نفسها، وقد ساعدت التغيرات العالمية على زيادة حجم هذه التنظيمات الإجرامية، خاصة في ظل العولمة الاقتصادية وثورة الاتصالات والمواصلات، وانعكس ذلك على زيادة أنواع الأنشطة التي تمارسها عبر الدول .

الخطر الإسرائيلى

ويبرز “الخطر الإسرائيلي”، كأحد المخاطر المشتركة، خصوصا بعد فشل عمليات السلام، وقرار “ترامب” الأخير  بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم قيامه بنقل سفارة بلاده إليها،وهو ما أفضى الى تفجير مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد نجاح إسرائيل في اختراق وحدة العرب، والتسلل بين صفوفهم بكل الوسائل التي تجيدها، وهو نتاج  ضعف العرب، وليس بسبب قوتها العسكرية والإعلامية .

 ومن أهم التحديات التي تواجه المنطقة أيضا محاولات إيران التدخل في شئون الدول العربية بهدف الهيمنة عليها من خلال عملائها وأذرعها وتصدير ثورتها للعمل على زعزعة أمنها واستقرارها، ومحاولة بث النزعة الطائفية  بين أبنائها وتقديم التمويل الدائم لجماعاتها في هذه الدول، أو إرسال قوات عسكرية وميليشيات تعمل لصالحها، كما يحدث في سوريا والعراق، أو بتدريب عناصرها  وتزويدها بالسلاح كما يحدث في اليمن .

وهناك تحديات أخرى تهدد أمن واستقرار المنطقة كذلك من بينها مشكلة اللاجئين، حيث أدّت الحروب في سوريا والعراق إلى تشريد نحو 12 مليون سوري و4 ملايين عراقي حتى يونيو 2016م، وفي ظل غياب سياسات فاعلة لمواجهة هذه الأزمة، ستكون لها انعكاسات مستقبلية خطيرة على استقرار المنطقة.

مصروتونس  

 -هل سنوات الربيع العربي هي المسئولة عن الوضعية التي وجد العرب أنفسهم فيها خلال السنوات السبع المنصرمة؟

*يمكن القول أن ثورتي تونس ومصر اتسمتا بالأسلوب السلمي، وبالطابع الوطني، ورفضتا محاولات التدخل الخارجي، وعدم بروز مخاطر التقسيم والتدويل بينما في  البلاد العربية الأخرى في كل من سوريا واليمن وليبيا بدت الصورة مخيبة للآمال، حيث دخلت كل منها في صراع دموي، وعانت شعوبها نتيجة ذلك أضعاف معاناتهم السابقة .

وكان للحكومات والمعارضة دور في هذه المعاناة، والسبب استخدام العنف ومحاولة الاستقواء بالخارج، فضلاً عن غياب المشروع الوطني وانعدام الرؤية  لما بعد الثورة ما رسخ لوجود مؤامرات وتوجهات إقليمية ودولية تكالبت على هذه الثورات .

ثورات أم مؤامرات

– لكن، هل أخفقت الثورات في إحداث اختراق لهذه الوضعية من خلال امتلاك مشروع حضاري حقيقي أم أنها كانت عبارة عن مؤامرة خارجية لفرض أجندات معينة في مقدمتها ما يسمى “الإسلام المعتدل” لتبوء مقاليد السلطة وفق المنظور الأمريكي؟

*يمكن القول أن بعض ثورات الربيع العربي أدت إلى انهيار الدولة، وهو ما شاهدناه في كل من ليبيا وسوريا واليمن، حيث اشتعلت حروب بالوكالة لقوى إقليمية ودولية، اتخذت الشكل الطائفي .

وكانت “نظرية المؤامرة” هي الأشهر تداولاً خلال السنوات السبع الماضية بقيادة خارجية  إيرانية وأمريكية وإسرائيلية وغيرها أدت دورا فاعلا، ليس في عرقلة عملية التحوّل فحسب، وإنما عبر المساعدة في خلق منظمات عسكرية غير حكومية أشعلتها كل من إيران وحزب الله في سوريا ولبنان والعراق، فضلاً عن جماعات إرهابية أخرى بدعم تركي قطري .

هذه القوى سمحت  بتحوُّل المنطقة إلى ساحة مفتوحة  لمشاريع بعض القوى الإقليمية والدولية، مثل ما حدث مع سوريا  وليبيا، بالإضافة إلى الأدوار السلبية لقوى الثورة المضادة، فإن هذه القوى استعملت معايير مزدوجة في التعامل مع الانتفاضات الشعبية، فلم ترحب بها مثلا في تونس ومصر، بينما شجعتها في ليبيا وسوريا، لدرجة تدخلها عسكريا، فيما لم تقدم الدعم الكافي للمعارضة .

محور الصراعات

 – الى أى مدى تعقتد أن المنطقة العربية  تواجه ما يسميه البعض فراغًا استراتيجيًا ؟

*أزمات المنطقة العربية التي نشأت عقب ثورات ما يسمى الربيع العربي -حتى وإن بدت منفصلة جغرافيًا أو  تختلف من حيث مسبباتها- هي محصلة لظهور الفراغ الاستراتيجي الذي  كان محور الصراعات الجارية في المنطقة، والذي مازال قائمًا وساريًا وإن تغيرت خططه وأدواته على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي ،فقد سارعت القوى العالمية الكبرى إلى رسم الخرائط وتحصيل الغنائم من الناحية السياسية كنتيجة مباشرة لهذا “الفراغ”، ومن ثمّ وجدنا محاولات لإعادة رسم شرق أوسط جديد من خلال التركيز على حزمة من السياسات لاستنزاف دول المنطقة وتفتيت جيوشها، إما عبر المواجهة المباشرة، أو استخدام أطراف بعينها ،وكل هذه المخططات للتفتيت والتقسيم والصراعات يدفع فاتورتها دول المنطقة العربية، خاصة بعد أن نجحت هذه القوى في توظيف العوامل الدينية والعرقية فجاءت بمشاريعها وأجندتها ومخططاتها التخريبية لتركب موجة الأحداث واستغلت ما يحدث لتحقيق أهدافها، ويعزز من ذلك الدراسة التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” التي قامت بها معاهد وجامعات سياسية أمريكية، ومراكز عسكرية توضح حقيقة وجود مخطط يقضي بتفتيت وتقسيم دول عربية قبل حلول عام 2015 م.

   هل ترى صحة المقولة التى تذهب الى أن بناء  نظام أمني العربي مازال حلما مؤجلاً برغم أن الحاجة تشتد إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى؟

*بالفعل،  ثمة حاجة ملحة حاليًا لتحقيق نظام أمني عربي.. وحتى يتحقق ذلك على كل دولة عربية أن تدرك أن المخاطر التي تهدد أشقاءها هي تهديد لها أيضا ،فأحداث المنطقة العربية تثبت أن الخطر مشترك مما يستوجب التعاون لمجابهته على غرار نموذج منظمة “الأمن والتعاون الأوروبي”،وهذا يحتاج إلى جهد لحلحلة مواطن الخلل .

وينص الفصل الثاني من ميثاق جامعة الدول العربية التي تمثل العمود الفقري الخاص بالنظام الأمني القومي العربي على مبدأ الأمن الجماعي، والأمر ذاته بميثاق مجلس التعاون الخليجي في الفصل الرابع منه..لكن الأولى لم تنجح في أن تتحول إلى آلية عربية مشتركة لتوحيد الرؤى حول الموضوع ،فمثلاً اتفاقية “الدفاع العربي المشترك” لسنة 1950م  لم تؤد إلى إنشاء جيش عربي وقوات حفظ سلام عربية .

ومع ذلك لا ننسى دور الجامعة العربية في إنهاء بعض الأزمات العربية كالحرب الأهلية اللبنانية 1975 م وأزمة اليمن الشمالي والجنوبي عام 1972م، وبغض النظر عن النقاش الذي يمكن أن يدور حول مدى فاعلية الوسائل المتبعة في حل هذه النزاعات، فإن الاعتراف بالمجهود من طرف الجامعة هو مسألة لا جدال فيها، ولهذا يظل دورها مرهونا بمواقف الدول الأعضاء وتوافر الإرادة اللازمة لتفعيل العمل العربي المشترك .

أما المنظومة الخليجية التي شكلت قوات درع الجزيرة عام1986م، فقد استطاعت الاقتراب من تحقيق هذا الهدف وظهر دورها جليا في عملية تحرير الكويت 1991م من الاحتلال العراقي، ومساعدة البحرين في حماية المواقع الحيوية والمنشآت الاستراتيجية أثناء أحداث فبراير 2011م، فيما لم تصبح قوة ردع حقيقية رغم دورها الإيجابي .

التصدى للإخفاقات

   – كيف تنظر الى ما يمكن أن يمارسه العرب  من أدوار تتسم بالفعالية  فى التصدى لما تواجهه المنطقة من تحديات ومخاطر وإخفاقات ؟ 

*يبدو أن التوافق والتضامن العربي قد غاب في ظل ساحة صراع وتنافس بين قوى إقليمية ودولية،و لذلك أصبح ضروريا أن يكون هناك تفكير استراتيجي يتجاوز المشاكل المحلية من خلال تفعيل آليات الدفاع عن الأمن القومي العربي، وتفعيل الاتفاقيات العربية والتعاونية المبرمة بين الدول العربية ،جنبًا إلى جنب مع ضرورة تدشين مراكز الأبحاث عهدا جديدا من التنوير الفكري والسياسي جوهره مواجهة الأفكار المتطرفة والطائفية، وإعلاء قيمة العقل والتفكير النقدي، والاجتهاد في تقديم التصورات والبدائل للقضايا العربية الكبرى ،وذلك في سبيل أن تكون هذه المقاربات فعالة مستندة إلى أسس علمية سليمة ومتسقة مع الشعوب ومطالبها ،كما ينبغي بناء توازن إقليمي جديد للقوى لمصلحة كافة دول المنطقة ما يمكن أن يجعلها قادرة على فرض إرادتها بمعالجة مواطن الخلل فيها دون إهدار ثرواتها. فضلا عن مواجهة التهديدات والأخطار وحماية أمنها القومي للبقاء كرقم في المعادلة الإقليمية والدولية من خلال عقد اتفاقيات أمنية مع الدول التي تعاني من الاضطرابات للإمساك بزمام المبادرة وتحقيق نظام أمن إقليمي يحقق السلم والاستقرار، فكلما زاد التوافق العربي كلما أصبح العرب بالفعل قوة يصعب تجاهل مصالحها.

   – هل ثمة دور مرتقب للنخب الحاكمة ومنظمات المجتمع المدني  للوصول الى الحكم الرشيد المطلوب في الدول العربية؟ وما هى مرتكزات هذاالحكم الرشيد؟

*يشير الحكم الرشيد إلى الكيفية التي يجب أن تمارس بها السلطة إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية من أجل تحقيق التنمية، ويسري ذلك علي كل من القطاعين العام والخاص، وقد أدركت الدول العربية أهمية الحكم الرشيد لتحقيق التنمية، فقد أشارت وثيقة القمة العربية السادسة عشرة المنعقدة في تونس سنة‏2004‏م- والتي أعلنت متابعة جهود الإصلاح ووضع استراتيجية للتنمية العربية- إلى الحكم الرشيد والمبادئ التي يقوم عليها‏ .

وتحاول النخب الحاكمة تفعيل سياسات الحكم الرشيد من خلال السعي إلى توفير بيئة سياسية وإطار تشريعي ملائم يسمح بالمشاركة ،إضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات تعمل على  تسهيل تقاطع الفعل السياسي والاجتماعي عبر تعبئة الجماعات حتى تقوم بالمشاركة في الأنشطة ، حيث تعمل على  تنفيذ حملات توعية مستمرة لتعزيز أطر التعاون والتفاعل ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع وأفراده من خلال توفير المعلومات فيما يتعلق بالقضايا المحورية ذات المساس المباشر بحقوق الإنسان وحرياته ،وتشتمل محددات الحكم الرشيد على مجموعة من الأبعاد الرئيسية تتمثل فى  البعد السياسي المرتبط بطبيعة السلطة السياسية وشرعية تمثيلها،  ثم البعد التقني المرتبط بعمل الإدارة ومدى كفاءتها، والبعد الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بطبيعة بنية المجتمع المدني، ومدى استقلاليته عن الدولة، وطبيعة السياسات العامة في المجال الاقتصادي والاجتماعي .

تداعيات سلبية

  – كيف يمكن حماية الدولة الوطنية التى تعرضت للكثير من التداعيات السلبية خلال السنوات السبع الماضية ؟

*بالتأكيد، الدول العربية تواجه العديد من التهديدات الخارجية التي تؤثر بشكل مباشر في أمنها القومي،ولكن من المؤسف أنه مؤخرا أصبح هناك تهديد داخلي مباشر يغذيه التباين الطائفي، ومع تردي الأوضاع العربية حاليًا هناك تخوف بأن تقسيما جديدا لعدد من الدول العربية يلوح في الأفق، أو أصبح محققا كانفصال جنوب السودان2011م .

وبهذا نجد أن الخطر الرئيسي يتمثل في استغلال الانتماءات الطائفية والعرقية والقبلية من قبل أطراف خارجية ترى في وجود الوطن العربي ككتلة خطرًا على مصالحها، سواء تلك المتعلقة بالموارد الطبيعية أو التجارة الدولية، أو النفوذ الإقليمي، الأمر الذي يتجسد فيما تقوم به إيران من الحروب التي شنّتها أو دعمتها أو أشعلتها، أو حاولت إشعالها في المنطقة العربية، كالعراق وسوريا واليمن والبحرين، والميليشيات العسكرية الطائفية التي أنشأتها وغذّتها مذهبيًا وشجّعتها على ارتكاب جرائم في أكثر من مكان، وعلى رأسها “حزب الله” اللبناني، وعشرات الميليشيات المذهبية والعرقية الأخرى.

 فضلا عن عامل آخر لا يقل خطورة يتمثل بوجود إسرائيل في المنطقة، ومخططها الذي يرتبط بإعادة هيكلة الحدود بين الدول العربية وتقسيمها إلى “دويلات” تقوم على أساس طائفي،وهو ما يتضح من الدراسات المنشورة في المؤسسات التعليمية العسكرية والأمنية في إسرائيل والترويج لهذه الأفكار في الدوائر الأمنية الأمريكية ،والتي ظهرت أيضا في دراسات أكثر تحديدًا بشأن كل دولة عربية على حده.

وهذا يعيدنا إلى الوثيقة التي نشرتها مجلة “كيفونيم” الإسرائيلية، والتي أصدرتها المنظمة الصهيونية العالمية 1982م حيث كانت بعنوان “استراتيجية إسرائيلية للثمانينيات”، وتنص على تقسيم معظم الدول العربية على أساس طائفي وعرقي. ويبدو أن هذه المخططات على وشك التحقق في العراق وسوريا وليبيا واليمن .

  مقومات التكامل متاحة

ومن جهة أخرى، يحمل العرب كل مقومات التكامل  لكن يجب أن يتم استغلالها على نحو أمثل، وإن لم يحدث فستتحول العروبة إلى “يوتوبيا” لا علاقة لها بالواقع في ظل التحديات الراهنة،فهناك الكثير من الحلول من أجل قيام الدولة الموحدة أهمها إنشاء دولة المواطنة التي تقوم على إصلاحات سياسية حقيقية تقبل بالتعددية وتسمح بالشراكة السياسية وتعمل على إرساء قواعد الحكم الرشيد وإيجاد قدر معقول من التنمية، وهذه ليست معجزات سياسية غير ممكنة التحقق، بل مطالب شرعية للمواطنين يمكن تحقيقها من خلال تضافر شعبي عربي  ينظر إلى التنوع العرقي والطائفي الذي تعيشه بعض الدول العربية كمصدر قوة وليس مصدر ضعف في إطار دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون.

لا لإضعاف الجامعة العربية

  – تتعرض الجامعة العربية لانتقادات من دوائر عديدة.. فكيف يمكن فى رأيك تفعيل دورها وفعاليتها خلال الزمن الآتى ؟

الجامعة العربية رمز من رموز العمل العربي، وأي إضعاف لدورها هو إضعاف للمنظومة العربية بأكملها، وبالتالي فقد أصبح إصلاحها ضرورة ماسة، وأحد مطالب الشعوب العربية بعد أن بقيت رهينة أفكار فترة التأسيس. وهذا الإصلاح نجد أساسه في العمل على تعديل ميثاق الجامعة، حيث كشفت الممارسة عن قصور في ميثاقها وهيكلها التنظيمي.

فبعد مضى أكثر من سبعة عقود على تأسيسها عام 1945م، تغَيرت خلالها الظروف الداخلية والإقليمية والدولية الدافعة لإنشائها، بالإضافة إلى المتغيرات والتحولات التي تشهدها العلاقات الدولية، بات تطوير وتحديث هذه المنظومة من حيث المفاهيم وآليات العمل، ضرورة ملحة لتحسين الأداء وبلوغ الأهداف المرجوة ،وقد كان واضعو الميثاق على دراية بهذه الحقيقة فضمنوه المادة 19 التي نصت على مبدأ التطوير وحددت آلية تعديل الميثاق. 

 ومن هنا، كان لابد من تقديم مبادرات وأفكار واقتراحات لتطويره ليكون أكثر انسجاما مع طموحات وتطلعات الشارع العربي، والتي منها؛ ضرورة إصلاح نظام اتخاذ القرارات من خلال التوسع في إعمال قاعدة الأغلبية، سواء البسيطة أو المطلقة، مع جعل القرارات التي تحظى بموافقة الأغلبية مُلزمة للجميع، ولا تقتصر على من قبِلها فقط. بالإضافة إلى إدخال نظام لمعاقبة الدول وحرمانها من المشاركة في الاجتماعات، ومن ممارسة حق التصويت، إذا ما انتهكت ضوابط السلوك الإنساني الدولي في دعم الإرهاب أو التدخل في الشئون الداخلية للدول من أعضاء الجامعة أو من خارجها، يضاف إلى أهمية ذلك تقنين التعيينات في الجامعة، واقتصارها على الكفاءات التي تحتاجها فضلا عن ضرورة  تطوير آلية فعالة وملزمة لتسوية النزاعات بين الدول الأعضاء في نطاق الجامعة، بعد أن كشفت الاحتجاجات التي شهدتها الدول العربية عن العديد من أوجه القصور في أدائها حيث عجزت عن لعب دور بارز فيها، فتركت أزمات اليمن وسوريا وليبيا يتم حلها من خلال الأمم المتحدة؛ ولهذا أصبحت ساحة مفتوحة للتدخلات الدولية، ولمشاريع بعض القوى الإقليمية والدولية ،فضلا عن ضرورة تفعيل مجلس السلم والأمن العربي، وعدم تجاهله وإعطائه صلاحيات واسعة باعتباره أحد الآليات المهمة للجامعة العربية، والذي يمكن أن يلعب دورا في حل الخلافات العربية وتسويتها. وفي هذا الإطار تأتى مبادرة مصر بإنشاء قوة عربية مشتركة قادرة على الدفاع والردع، هدفها حفظ وصيانة الأمن القومي العربي، والذي قرر مجلس الجامعة في 29 مارس 2015 م الموافقة عليها، وإعداد بروتوكول يحدد تعريفا لمهامها كأحد الحلول التي تبنتها مصر لعودة الجامعة لمكانتها حتى يكتسب العمل العربي المشترك الفاعلية المطلوبة.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق