شهرية ..مستقلة

ديمقراطية القطيع .. تقطيع!

0

بقلم – محمد علي إبراهيم

ليس كل ما يلمع ذهبا .. ولا كل ما يبرق برقا ..للأسف مازلنا شعوبا لا تتعلم دروس التاريخ ..عقولنا استبدلناها بأذاننا  ..نختار هلاكنا بأيدينا. ثم نجلس نبكي ونعيد الكره من جديد!! 

الديمقراطية في سوقنا بضاعة أتلفها الهوي .. ينادي عليها ملوك الطوائف وأباطرة المال ورؤساء أحزاب فاسدة وأخري تدعي الصلاح .. ديمقراطية العرب وبالذات في انتخاباتهم أسهم في بورصة أشبه بمناطحة الثيران .. كل طائفة وحزب وجماعة تمتلك قطعانا تطلقهم لمنازلة الآخرين .. أسهم أو قطعان أو أفراد منصاعون تماما لأفكار صاحب القطيع سواء كان رجل مال أو دين أو سياسة أو كاريزما .. ديمقراطيتنا فريدة لأنها تدربنا علي الاقتناع بفكر واحد وعقل أوحد .. في لبنان والعراق وتونس والجزائر جرت انتخابات .. ظهر المرشحون وسمعتهم الشعوب .. لا يختارون من يقتنعون به ولكن من أهلوه ودربوه وبرمجوه لانتخابه..

وأحيانا تتحول الديمقراطية إلي رشوة .. تصدر من صاحب القطيع أو الحزب .. هو مستعد لبيع تابعيه أو “قطيعه” إلي من يملك المال .. ولا يخفي علي أحد علاقة المال بالنجاح الانتخابي .. في لبنان والعراق تحديدًا كان التنافس علي شراء “القطعان” .. أو بالأصح الناخبين .. كل لورد سياسي وملك طوائف وامبراطور يعرض لائحته “المضمونة” لمن يدفع ..  من يسدد المهر يحصل علي الأصوات.. هكذا فاز حزب الله بالكثير من مقاعد البرلمان اللبناني .. يقولون عن لبنان أنه أكبر ديموقراطية عربية وأنا أزعم أنه سوق نخاسة كبير يبيعون فيه الشعب أو الناخبين لمن يدفع أكثر.. نحن نُباع ونرفض أن نعترف بذلك .. اللبنانيون والعراقيون والتونسيون يبيعون أنفسهم لمن يدفع أكثر أو يبيعهم من يملك عقولهم ، فنحن لم نصل بعد لمرحلة المعرفة والذكاء السياسي كي نميز بين الغث والسمين .. بين أوامر “المعلم” وصبيانه وبين إعمال العقل للمصلحة.

طالما المال دخل من باب بورصة الانتخابات في بيروت وبغداد وتونس فالعقل يخرج من الشباك .. ليس هناك حرج أن يأتي المرشحون بالمال من سفارات إيران أو قطر أو تركيا لشراء الأصوات .. بورصة الديمقراطية في بعض البلدان أشبه بسوق المال في وول ستريت بنيويورك .. السهم الانتخابي يبدأ مرتفعًا لمرشح حزب الله مثلا وينافسه علي استحياء تيار المستقبل .. ثم يظهر مرشح التيار الوطني الحر لميشيل عون قادما من الخلف محققا أصواتا مرتفعة كحصان أسود ، رغم أن الجميع يعرفون أن وراءه إيران مثل تيار المقاومة..

بورصة الانتخابات المال فيها يوحد الشيوعي والثوري والسني والشيعي والدرزي والماروني .. وتسألني هل هناك برامج سياسية ومبادئ حزبية وأقول لك موجودة ..  ولكنها لم تنفع لبنان حين غاب عنه رئيس ولم تنقذ العراق من التقسيم.

في لبنان كما في العراق ومثل مصر أيام الإخوان كان تسويق المرشحين لدخول الجنة واتقاء عذاب النار .. العملة هي البرنامج .. اترك أفكارك العظيمة علي باب بورصة الانتخابات .. العراقيون واللبنانيون وغيرهم لا تلزمهم أفكار .. ادفع تنجح .. معادلة بسيطة .. في لبنان مثلا هناك ديمقراطية التقطيع .. حيث يقيم كل امبراطور طائفة مهرجانا لتقديم المرشحين الذين اشتروا الأسهم في القائمة التي طرحها

 .. سيخطب المرشحون ويقولون كلامًا مبهما .. لن يهتم أحد .. القائمة اكتملت وصارت جاهزة للمناطحة أو للعراك .. وتصدر الأوامر بعد اكتمال البرلمان .. ابدأوا التقطيع في الخصوم .. الغريب أن اللوائح بها متحالفون وزملائهم مختلفون ويتصارعون في دائرة أخري..

المفروض أن الانتخابات هي ألف باء السياسة أو الديمقراطية .. لكنها في لبنان والعراق التصويت ليس علي السياسة بل علي المال والتحالف .. ليس هناك شيء اسمه سلامة الاختيار ولكن الخروج بأقل الخسائر .. ديمقراطية لبنان والعراق وتونس هي ديمقراطية القطيع لتقطيع القطيع الآخر .. لا تستطيع أن تناقش مرشحا في أفكاره لأنها غالبا تناقض رؤي من اختاروه أو دفعوا له .. الناخب يختار طائفته أو عشيرته والممول يدفع لمن سينجز له مصالحه في البرلمان .. ديمقراطية شيلني وأشيلك .. ديمقراطية ليس فيها كرامة فقد مرغ المرشحون أنوفهم علي عتبات ملوك الطوائف وأباطرة المال فكيف سينظر إليهم المواطنون .. أبناء دوائرهم لن يهمهم أن نجحوا أو سقطوا فهم في النهاية لا يمثلونهم!

المواطنون ربما يغفرون لمن كان عاطلا عن العمل أو مفلسا أن يتسول لدي أصحاب الوجاهة والزعامة لإيجاد فرصة عمل لسد الرمق ، أما هؤلاء المرشحون أبناء العائلات والأصول فليسوا مضطرين لإذلال أنفسهم  ولا التناطح مع غيرهم في نظام سياسي عقيم يدور في حلقة مفرغة بين مصالح الطائفة أو الجماعة أو المذهبية وبين سطوة المال وقوته.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق