شهرية ..مستقلة

سيناريوهات الحروب المقبلة

0

الاحتشاد العسكري غير المسبوق ينذر باشتعال حرب يصعب السيطرة عليها؟؟

الأمن القومي العربي ينهار..وأصحابه غائبون عن المشهد!

قوات  وميليشيات تفرض سطوتها..واسرائيل ما زالت المصدر الأول للخطر!

مناطق النزاعات تحولت الى “حقول تجارب” للأسلحة الجديدة التي تنتجها الدول الكبرى!

 اعداد – العزب الطيب الطاهر

تواجة المنطقة العربية حالة احتشاد عسكرى غير مسبوقة  فيما يشبه اشتعالا لنيران غير قابلة للسيطرة عليها..فثمة قوات من كل صوب وحدب تنتشر من الشرق والغرب ومن محيط دول الجوار , ووصل الأمر الى انتشار ميليشيات مذهبية وطائفية ليست من أبناء العرب فحسب  ،وإنما من العجم أيضا من دول آسيوية :باكستان وأفغانستان وجمهورية سوفيتية سابقة  بل هناك ميليشيات جاءت الى سوريا من شيعة الهند  ،الى هذا الحد أصبح دفتر أحوالنا العربى مسودة صفحاته ببقع الدماء وصورالضحايا التى  تشير الى  مئات الألوف من شبابنا ورجالنا ونسائنا وعجائزنا وبالطبع أطفالنا، فضلا عن صور المدفوعين للهجرة قسرا الى خارج حدود الوطن ,الذين يتعرضون لأسوأ أشكال الحط من الكرامة الإنسانية ،ثم جاءت الضربة الثلاثية بمشاركة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على مواقع سورية لتضيف المزيد من علامات الاستفهام على مخاطر الاحتشاد العسكرى الأجنبى فى المنطقة بكل ما تحمله من تداعيات وآثار على خارطة الصراع فى هذا البلد العربى المهم .

الحروب الأهلية والطائفية والمذهبية تشهر سيوفها فى المنطقة منذ أكثر من سبع سنوات ،غيرأنها فى السنوات الأخيرة تدفقت اليها عناصرممن يسمون بالمقاتلين الأجانب من أوربا وغيرها للالتحاق بتنظيم داعش الذى أعلن دويلته فى المنطقة فى مساحات شاسعة بسوريا والعراق ,صحيح أنه تم القضاء على هذه الدويلة , بيد أن ظلالها وخلاياها النائمة ما زالت تفرض سطوتها وآثارها ودماءها  ،وهو ما تزامن معه تشكيل التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة ويضم 40 دولة  ،والذى انتشرت قواته وقواعده الجوية فى كل من سوريا والعراق ،والبلدان فيهما أيضا قوات من إيران وتركيا  ,والأخيرة احتلت منطقة بأكملها شمال سوريا هى عفرين وتستعد للإنقضاض الى مناطق أخرى  ،وروسيا تفرض سيطرتها العسكرية الصارمة على مناطق عدة فى سوريا منذ العام 2015 ,ما أدى الى قلب المعادلة العسكرية لصالح النظام الذى يستقوى ليس بالوجود العسكرى الروسى ،ولكن بدعم وإسناد إيرانى ومليشيات أخرى أهمها ميليشيا حزب الله .

فى اليمن يبدو الاحتشاد العسكرى الخارجى واضحا وملموسا ،فهناك التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية  ،والذى يضم الى جانبها تسعا من الدول العربية ….وإيران من ناحيتها تقدم دعمها وإسنادها لميليشات الحوثيين الى حد تزويدهم بصواريخهاالبالستية التى باتت تهدد الأمن الوطنى للسعودية بعدما وصل عدد الصواريخ التى أطلقت عليها  – حتى كتابة هذه السطور – الى نحو 120 صاروخا ،ورغم التعامل معها الا أنها تعكس جانبا من حالة الاحتشاد العسكرى .

وفى ليبيا ..الأوضاع ربما أقل فى معدل سيولتها العسكرية ,فليس ثمة وجود عسكرى أجنبى واسع النطاق ..هناك قوات بريطانية وإيطالية وربما فرنسية فى مواقع محددة ،لكن الاحتشاد العسكرى منوط بالداخل المنقسم بين مؤسستين عسكريتين , والعديد من الميليشيات المسلحة وبعضها لديه نزوع إرهابى تم تقليص مخاطره فى بعض المناطق , لكنه متفاقم فى مناطق أخرى؟!

فى ضوء كل هذه المعطيات..الى أى مدى يهدد هذا الاحتشاد العسكرى الأجنبى الأمن القومى العربى  ؟وكيف يمكن التخفيف  من حدة آثاره  ؟وما هى التداعيات المرتبطة به؟

هذه الأسئلة وغيرها ..طرحناها  فى “الزمن “على خبيرين استراتيجيين يجمعان بين الرؤية النظرية والعمل الميدانى  ومتابعة الواقع الراهن بكل مفرداته ..وهما واللواء الدكتورمحمد مجاهد الزيات مستشار المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط ,وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية ..واللواء الدكتور ناصر سالم مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، والرئيس السابق لجهاز الاستطلاع بالمخابرات الحربية المصرية…وهنا حصيلة الحوارين.

…..

اللواء الدكتورمحمد مجاهد الزيات  لـ” الزمن “

الضربة الثلاثية استهدفت تطويع  الأسد للقبول بالحل السياسى بعد مكاسبه العسكرية الهائلة

مناطق الأزمات أصبحت مجالا خصبا لاختبار قدرات الأسلحة الحديثة التى تنتجها الدول الكبرى

الصراع بين إيران  واسرائيل فى سوريا سيظل مفتوحا لكنه لن يصل إلى حرب شاملة

المنطقة العربية مرشحة لحروب محدودة ..والتصعيد متوقع مع إيران

أرفض إرسال قوات عربية الى سوريا لأنها ستصطدم مع قوى إقليمية مما يفاقم التوتر العسكرى

قدم اللواء الدكتور محمد مجاهد الزيات  فى حواره الى ” الزمن ” رؤية تحليلية لدلالات الضربة الثلاثية الأمريكية البريطانية الفرنسية الأخيرة ضد سوريا ويراها أنها مقدمة لتطويع الخيار السياسى لدى نظام الرئيس بشار الأسد بعد ما حققه من تحولات عسكرية هائلة خلال العامين الأخيرين ..الحوار تطرق الى مفردات عديدة ضمن الملف..تاليا نص الحوار :

الضربة الثلاثية

– كيف تقرأ الضربة العسكرية الثلاثية ضد سوريا ؟ هل تأتى فى سياق أن الخيار العسكرى بات هو الخيار الذى سيتم التركيز عليه للتعامل مع أزمات المنطقة ,لاسيما أن كل الأطراف سواء إقليمية أو دولية تلجأ الى هذا الخيار سواء فى سوريا ,أو فى غيرها من مناطق الأزمات ؟وهل أضحى ذلك جزء من عملية احتشاد عسكرى شاملة فى المنطقة العربية ؟

* لا أظن ذلك ,فلايمكن أخذ هذا الكلام على عواهنه أوببساطة متناهية ,لأن ثمة تداخلا بين الأهداف السياسية والاستراتيجية والأدوات العسكرية لتنفيذ هذه الأهداف , فعلى سبيل المثال فإن جميع الأطراف المتورطة فى المستنقع السورى لديها حضور عسكرى واضح لكنها جميعا تؤكد أن الخيار العسكرى ليس هو الخيار الأمثل لحل الأزمة وإنما هوالخيار  السياسى , غير أنه يمكن القول أن اللجوء الى القوة العسكرية  ,يرمى الى تطويع المواقف السياسية واكتساب أوراق ضغط للمساومة بها عند الجلوس على مائدة التفاوض , أو عند التوجه لترجيج الخيار السلمى , فالولايات المتحدة الأمريكية أدركت أن الواقع الميدانى العسكرى فى سوريا لم يعد فى صالحها  أو للقوى الإقليمية المؤيدة لها , بل أصبح فى صالح الأطراف الأخرى, وعلى رأسها الحكومة السورية المدعومة من روسيا وإيران وبعض الفصائل الأخرى التى تسمى بالقوى الرديفة , كما أنه لم يعد هناك وجود  للمعارضة العسكرية التى  كانت تنفق عليها العديد من الدول مليارات الدولارات, بهدف إسقاط النظام السورى , لكنها لم تتمكن من ذلك  ,فتم تجميع كافة  قوات التنظيمات المسلحة فى محافظة إدلب وفى الشمال السورى ,وبالتالى لم تعد ثمة إمكانية للحل العسكرى فى سوريا ,بيد أن الممارسات العسكرية التى تجرى  ,ومن ضمنها الضربات العسكرية الثلاث التى شنتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ,كانت تهدف بالدرجة الأولى  لتطويع المواقف السياسية لمختلف أطراف  الأزمة عندما تتوجه  الى جنيف للجلوس على طاولة المفاوضات السياسية .

ما يجرى فى الشمال

أما ما جرى فى الشمال السورى , خاصة من جانب تركيا  ,فيمكن توصيفه بأنه موقف عسكرى بحت يقوم على استخدام القوة المسلحة الغاشمة فى مواجهة الأكراد فى المنطقة  ,وردا على التحالف الأمريكى الكردى لإقامة إقليم كردى مستقل, فضلا عن كونها عملية خلط أوراق بين الطرفين ,  ومن ثم فإنه لم يعد -وفق رؤية أنقرة  لتنفيذ أجندتها السياسية والاستراتيجية – سوى اللجوء الى الحل العسكرى ,وأن هذا الموقف فى حد ذاته لايصلح  معه الحل السياسى .

أما على صعيد الوضع فى ليبيا ,فإن  أسس الحل السياسى لم تنضح بعد ,وهو ما يعنى أن الحل العسكرى ما زال هو المطروح, على عكس الأزمة السورية ,حيث أن كل طرف يعمل على استيعاب قدرات ومواقف الطرف الآخر ,ومن ثم فإن أى حديث عن حل سياسى فى ليبيا غيرمطروح فى هذه المرحلة الراهنة  ,بعد فشل كافة الجهود السياسية التى  بذلت على مدى السنوات المنصرمة ,لأن التوازن العسكرى على الأرض  ما زال غير محسوم , فهناك تمركز لقوات فى مناطق  معينة, لكن دون أن تتمكن من  فرض السيادة على كامل الدولة .

وعلى صعيد العراق , فإن الحل العسكرى كان حاسما فيما يتعلق بالقضاء على تنظيم داعش الإرهابى ,غيرأن الصراع الجارى بين القوى السياسية على اختلافها , والقوى الكردية والنفوذ الإيرانى لايخرج عن كونه ممارسات سياسية.

فعلى سبيل المثال فإن النزاع الذى وقع بين الحكومة العراقية والأكراد  فى الصيف الفائت ,بدأ سياسيا من خلال إجراء استفتاء ومحاولة إعلان استقلال إقليم كردستان العراق عن الدولة الاتحادية ,وجاء موقف الحكومة العراقية رافضا لهذا الاستفتاء وما ترتب عنه من مخرجات وتداعيات , ثم تبعه تدخل القوات الحكومية لاستعادة السيطرة على المناطق التى كان يصفها الأكراد بأنها مناطق متنازع عليها وساهم الدور الكردى فى التصدى لتنظيم داعش الإرهابى فى خضوع هذه المناطق لسيطرة قوات البشمركة الكردية عليها , غيرأنه لم تقع مواجهة عسكرية فى مناطق أخرى  ,والذى جرى هو فرض السيطرة الحكومية على كامل الأراضى العراقية خارج إقيلم كردستان , بما فى ذلك المعابر الحدودية والمطارات .

مواجهة اسرائيلية إيرانية

– لكن ثمة من يتوقع حربا أو بالأحرى مواجهة إيرانية إسرائيلية فى سوريا  ,وقد بدأ فى الأفق بعض نذرها فى الفترة الأخيرة   ,من خلال التهديدات المتبادلة بين الطرفين ؟ الى أى مدى تعتقد فى إمكانية ذلك ؟

* بصورة أساسية ,يمكننى القول أن النزاع أو الصراع بين إيران واسرائيل سيبقى مفتوحا ,ولكن ليس بوسع أحد أن يحدد  أين تجرى المواجهة بين الطرفين ؟ إن إيران  كانت تركز على تكثيف حضورها العسكرى فى خاصرة اسرائيل من خلال حزب الله فى لبنان , بيد أنه مع تصاعد الأزمة فى سوريا وإنخراط طهران طرفا أساسيا فيها  ,عملت على توسيع تمركزها العسكرى فى مناطق عديدة بها , بعضها قريب من منطقة الجولان المحتل  ,وبالتالى فإن الميدان المرشح لأى مواجهة عسكرية محتملة بين الجانبين هو سوريا  ,لكنى لا أتصور أن تشهد هذه المواجهة تحركات للقوات البرية لأى من الطرفين , أو الوصول الى  حد احتلال قوات أحدهما لأراضى الآخر ,وأنما سيبقى الأمر قاصرا على توجيه ضربات جوية لمواقع يخشى منها أن تكون منطقة قواعد عسكرية يشن منها حملات على اسرائيل,  وهو خيار مطروح بالفعل ,لكنه مرهون بتطورات الأزمة السورية فى حد ذاتها , فإإذا تم التوصل الى حل سياسى لن تكون هناك  حاجة للحديث عن قوات أخرى  على المستوى العسكرى ,لكن ربما يبقى النفوذ السياسى  كما هو , فحزب الله كان وجوده محصورا فى منطقة أو مناطق معينة فى لبنان ,لذلك فإنه عندما كانت تقع مواجهات بينه وبين إسرائيل , فإن لبنان كله يتحول الى مسرح عمليات خاصة من قبل الجانب الإسرائيلى ,غيرأنه بعد إنخراط حزب الله فى المشهد السورى اتسعت مساحة المواجهة  بين الطرفين بامتداد سوريا .

روسيا والضربة الثلاثية

– رصد المراقبون أن الضربات العسكرية الأمريكية البريطانية الفرنسية لسوريا , لم تمتد الى مناطق النفوذ الروسى , كما أن روسيا لم تبادر بالرد على مصادر النيران, وفق تصريحات لمسئولين روس قبل توجيه هذه الضربات ,,كيف تفسر ذلك ؟

* لم يصدر أى تصريح رسمى من موسكوبشأن الرد على مصادر النيران ,إلا من السفير الروسى فى لبنان وهو مالايعتد به , لكن روسيا أكدت – قبل توجيه الضربة  – أنه إذا تعرضت المناطق التى توجد بها قوات ومعدات روسية للقصف أو للضرب,سوف تبادر بالرد على مصادر النيران , وهذا لم يحدث ,فالضربة – كما تابع الجميع  – كانت حريصة على عدم التعرض الى المناطق التى يقع فيها الوجود العسكرى الروسى أو حتى التمركزات أو المواقع العسكرية التابعة للنظام السورى القريبة من هذه المناطق  ,وفى تقديرى أن هذه الضربة كانت شكلية بحتة وتركزت على مبانى  ومنشآت زعم أنها تنتج أسلحة كيماوية وقد تم ضربها غير مرة منذ العام 2015 ,لكنها – أى الضربة – كانت تحمل رسائل سياسية  مؤداها أنه يتعين لأن يكون للدول الثلاث التى قامت بها  – وهى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا- حضور وفعالية  فى أى تطورات خاصة بالأزمة السورية ..وإذا كانت التنظيمات العسكرية الإرهابية التى تم إخراجها من المناطق المحيطة بدمشق وفى مقدمتها الغوطة الشرقية ومن مناطق استراتيجية  أخرى فى سوريا ,بالذات فى الشمال وكانت الولايات المتحدة وقوى إقليمية أخرى تراهن عليها ,إلا أن هذه الأطراف ما زالت تمتلك  القدرة على التأثيروالتفاعل داخل هذه الأزمة بحيث يكون لها رأى فيما ستشهده من تطورات مقبلة .

اختبار الأسلحة الحديثة

– هل تعتقد أن مناطق الأزمات العربية باتت مجالاخصبا لاختبار قدرات أسلحة حديثة تنتجها أطراف دولية وإقليمية منخرطة فيها , مثل الولايات المتحدة وروسيا ،وكذلك إيران؟

* أجل ,المنطقة العربية وأزماتها المشتعلة أضحت بالفعل ميدانا لصراع بين أجندات إقليمية ودولية كبيرة  ,يأخذ مستويات متعددة سواء على الصعيد السياسى أو العسكرى أو الطائفى , وبالتركيز على المستوى العسكرى فإن مصانع الأسلحة فى الدول المنتجة تبحث عن معارك تجرب فيها أحدث ما أنتجته  ,والرئيس الأمريكى دونالد ترامب نفسه أعلن أن الصواريخ التى ستضرب بها سوريا ستكون من أحدث أنواعها وطرازاتها فى الولايات المتحدة  ,واسرائيل تتحدث عن أنها حصلت بالفعل على اثنين من هذه الصواريخ الأكثر  حداثة للتعرف على قدراتها وتحليها وإجراء اختبارات عليها  ,كما أن روسيا أعلنت أنها اختبرت أحدث منتجاتها من الأسلحة والعتاد فى سوريا  ,والأمر نفسه يحدث فى اليمن فكما نلاحظ هناك عمليات إنتاج وتجريب لصورايخ  أرض أرض إيرانية الصنع لم تجرب من قبل متعددة الطرازات والأحجام والمسافات يتم إطلاقها على الأراضى السعودية .

حرب واسعة النطاق

– الى أى مدى لديك قناعة بأن حربا واسعة النطاق ستندلع فى المنطقة العربية  فى ظل حالة الانفلات العسكرى الراهنة وعدم القدرة على السيطرة على الأزمات التى انطلقت  فيها قبل ثمانى سنوات  تحت ما يوصف بالربيع العربى ,وما هى أطرافها ومسرح عملياتها فى إطار ما نراه من احتشاد عسكرى فيها خلال الفترة الأخيرة ؟

* لا اعتقد أن حربا واسعة النطاق سوف تقع ,فالأطراف الرئيسية خاصة الدولية حريصة كل الحرص على الحيلولة دون الوصو ل الى هذه المرحلة فروسيا والولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى لاتبدى نزوعا باتجاه اندلاع مثل هذه الحرب , بيدأن حروبا على مستوى أقل نطاقا أو بمعنى أدق محدودة مرشحة للوقوع ولكنها مرتبطة بتطورات أخرى ..فلو أعلنت واشنطن  إنسحابها من الاتفاق النووى الذى أبرمته إيران مع مجموعة (5 +1 ) عام 2015 وفق ما أعلنه الرئيس ترامب ,فإنه من المحتمل أن تشهد المنطقة تصعيدا فى معدل التوتر مع إيران, لاسيما أن اسرائيل تدفع باتجاه توجيه ضربات لإجهاض مشروعها النووى وبرنامجها الصاروخى ..وفى هذه الحالة أتصور أن تنشب حرب إقليمية يمكن أن تطال مناطق  أخرى  تخضع للنفوذ والتمركز الإيرانى للرد على اسرائيل والولايات المتحدة فهل تتجه المنطقة بالفعل الى هذا الحد ؟ أظنه سيكون تطورا من الصعوبة بمكان ,وألفت فى هذا الصدد الى أن الرئيس ترامب كان قد أعلن أنه يعتزم توجيه ضربة قوية وحاسمة لسوريا ومواقعها العسكرية فضلا عن المواقع الإيرانية  ,إلا أن المؤسسة العسكرية الأمريكية أبلغته  أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تدفع الأمور الى حرب واسعة النطاق لايمكن السيطرة عليها  ,بل وتهدد المصالح الأمريكية والغربية  فى الوقت نفسه!

نقطة الإنطلاق

– وفق منظورك ما هى الخطوات المطلوبة لتخيف آثار هذا الاحتشاد العسكرى فى المنطقة وإجهاض تمدداته الإقيليمية والدولية ؟

* إن نقطة الإنطلاق الرئيسية فى هذا الشأن  -حسب قراءتى –تبدأ من الأزمة السورية ,وهو ما يستوجب من  الأطراف الإقليمية , الوعى جيدا لما تريد تحقيقه من أهداف وفى الآن ذاته قيام الجامعة العربية  بممارسة دور أكثر فعالية فيها  ,غير أن وقائع السنوات السابقة منذ اندلاع هذه الأزمة فى عام 2011 أنها – أى الجامعة – تبنت موقفا محايدا وليس منحازاالى جانب النظام  بعد أن جمدت عضويته فيها وفى مؤسساتها المختلفة ,ما جعلها غير مؤهلة للقيام بهذا الدور المحايد ،الأمر الذى تجلى  فى نتائج القمة العربية الأخيرة التى عقدت بالمملكة العربية السعودية منتصف شهر أبريل الماضى , والتى كشفت  عن إنحياز واضح الى وجهة النظر المعادية للنظام السورى  , وبالتالى فإنه يصعب على الجامعة أن تبادر بالقيام بدورها على هذا الصعيد.

وفى تقديرى أنه لم يعد أمام القوى الإقليمية  المعنية ,وعلى رأسها الجامعة العربية ,إلا التوجه لبلورة حل سياسى للأزمة السورية وليس حلا عسكريا  ,وألا تبادر بإرسال قوات عسكرية , لأنها فى هذه الحالة ستصطدم مع القوى الإقليمية الموجودة فيها ومع قوات النظام السورى ما يفاقم من وتيرة استخدام الخيار العسكرى  ,ولكن لو تم التركيز على الحل السياسى  فإنه سيقود الى بلورة تغيير فى المشهد السياسى ما سيؤدى الى تراجع منسوب الخيار العسكرى , بل وتتراجع  معه مبررات التمركز العسكرى  لقوى إقليمية  غير عربية فى الأراضى السورية  ,وهو ما يشكل فى حد ذاته عاملا من عوامل الاحتقان العسكرى ليس فى سوريا فحسب , ولكن فى مناطق أخرى ,غير أن ذلك مرهون بالسلوك الأمريكى تجاه إيران فى المرحلة المقبلة والممارسات الإسرائيلية  تجاه سوريا , والوجود العسكرى الإيرانى وغيرها من أطراف وميليشيات  ,فضلا عن استمرارالوجود العسكرى التركى فى الشمال  ,وهو ما يشير الى عمق التداخلات والتقاطعات بين الأجندات الإقليمية والدولية فى سوريا  الأمر الذى يصعب معه التنبؤ بمسارات الأزمة وخياراتها المستقبلية .

مشاركة مصرية وسعودية

– بما أنك أشرت الى إرسال قوات عربية الى سوريا تحدثت الأنباء من واشنطن أن الرئيس الأمريكى ترامب طلب من المملكة العربية السعودية إرسال قوات والتى أعلنت بدورها عن استعدادها لإرسال قوات ضمن التحالف الإسلامى العسكرى ضد الإرهاب كما أنه وجه الطلب نفسه الى الحكومة المصرية..فى رأيك هل هذه الأمكانية واردة ؟

* فيما يتعلق بمصر  فإن ثمة موقفا ثابتا لقيادتها السياسية أكدته غير مرة تجاه الأزمة السورية وكانت آخر تجلياته فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام القمة العربية الأخيرة ،وهو الموقف الذي يقوم على ضرورة تماسك الدولة السورية والمحافظة على مؤسساتها وعلى الخيار السياسى حلا وحيدا فيها..ولكن فيما يتعلق بمن يتحدثون عن إرسال قوات عربية الى سوريا  فأين تتمركز هذه القوات وتقف الى جانب من أطراف النزاع؟.. فالحديث عن مكافحة الإرهاب فى سوريا وهم كبير جدا وفق قناعتى ؟!فعلى سبيل المثال ما زالت هناك تمركزات لتنظيم داعش جنوب دمشق  ,واللافت أن الضربات الأمريكية طالت مناطق عديدة بالقرب  منها  ,لكنها لم تتعرض لها , كما أن عناصر التنظيم الإرهابى التى أبعدت عن مدينة الرقة تركتها القوات الأمريكية فى منطقة البادية  ,وهى التى قامت مؤخرا بالهجوم على مدينة الميادين وقتلت أعدادا من القوات الحكومية ما اضطرها الى الاستعانة بالطيران العراقى الذى وجه ضربة مميتة لهذه العناصر.

والسؤال المحورى فى هذا الشأن ما هى طبيعة مهمة هذه القوات العربية  عندما يتقرر  إرسالها الى سوريا  ؟هل ستكون قوات حفظ سلام ؟ فما هى الأطراف التى ستفصل بينها  ؟هل ستفصل بين قوات النظام وعناصر تنظيمى النصرة وداعش الإرهابيين لاسيما أن هذه القوات هى معادية للنظام بالأساس؟!

فى تقديرى أن هذه محاولة من قبل الولايات المتحدة لجر الدول العربية واستنزافها فى سوريا على نحو يكرر تجربة فيتنام عندما خرجت منها وتركت القوى المحلية تتصارع فيما بينها , إن إرسال قوات عربية الى سوريا ينطوى  -وفق قناعتى -على خطر كبير يتعين الانتباه بشدة الى تداعياته .

مخاطر الأمن القومى

– هل كل هذه التداعيات تشكل  تهديدا خطيرا للأمن القومى العربى ،خاصة أن القادة العرب تحدثوا عن ذلك فى قمتهم الأخيرة بالظهران ؟

* نعم ..وفى تقديرى فإنها تنطوى على تهديد عضوى كامل للأمن القومى العربى ,فما يحدث فى اليمن تهديد للأمن القومى المصرى والسعودى والخليجى , وما يحدث فى ليبيا تهديد للأمن القومى المصرى والجزائرى والتونسى ,ومايحدث فى سوريا تهديد للأمن القومى العربى على إطلاقه  ,ولكن للأسف الحديث عن التصدى لهذا التهديد ما زال خارج السياق المطلوب؟؟

فعلى سبيل المثال كانت  ثمة دعوة لتأسيس قوة عربية مشتركة بل وتمت الموافقة عليها فى القمة العربية التى عقدت بشرم الشيخ فى مارس من العام 2015 لكن أطرافا  بعينها أجهضتها دون أن نعلم لمصلحة من ,وبالتالى فإنه لن تكون هناك منظومة للأمن القومى العربى قبل الاتفاق على أساسيات فى مقدمتها تحديد طبيعة التحديات الرئيسية والمخاطر  الرئيسية التى تواجهه ..فإذا تم التوافق على تحديد العدو الرئيسى سيكون بناء استراتيجية المواجهة والتصدى  أمرا قابلا للتحقق .

من العدو الرئيسى؟؟

– هل تحولت فى تقديرك خانة العدو الرئيسى للأمن القومى العربى من إسرائيل الى إيران وأطراف إقليمية أخرى ؟

* هذا ما تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل الضغط باتجاهه لتوجيه الأنظار الى عدو آخر وهو إيران على نحو يقلص الاهتمام بالقضية الفلسطينية ويقود الى تراجعها فى سلم الأولويات العربية , غير أن القمة العربية الأخيرة تنبهت الى ذلك  ,وأعادت التأكيد على أن هذه القضية هى القضية المركزية للدول العربية  , والتمسك بثوابت الموقف العربى فيما يتعلق بعملية السلام  الذى ينطلق  من المبادرة العربية للسلام التى تم إقرارها فى قمة بيروت 2002 .

– هل يمتلك العرب القدرة على توفير آليات حقيقية لحماية أمنهم القومى لاسيما بعد انهيار جيوش مهمة مثل الجيش العراقى والسورى وحتى اليمنى..ولم يتبق سوى الجيش المصرى ؟

* أعتقد ذلك لو بدأنا بالحد الأدنى الذى يمكن أن يحظى باتفاق وبنوع من التوافق بين الأطراف العربية المؤثرة   

– ماالذى تعنيه بالحد الأدنى  ؟

* أعنى به تحديد المخاطر القائمة والاتفاق على مستوى التنسيق  المشترك ونظرتنا للأطراف الإقليمية الأخرى فى المنطقة وتقييمنا لطبيعة النظم السياسية وليس شرطا  ضروريا أن يكون هناك إجماع  كامل ،وإنما تقر هذه التوجهات “بمن حضر”  من الدول العربية  بهدف بناء تحالف عربى يضع محددات لحركته فى ضوء ما هو متاح من توافق على قضايا بسيطة فى البداية من قبيل تأسيس قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب ،وبلورة مواقف محددة تجاه النزاعات والصراعات والحروب القائمة فى المنطقة العربية  لاتخضع لإملاءات أطراف بعينها.

فعلى سبيل المثال يمكن الدعوة لجولة مفاوضات سياسية لإنهاء الأزمات العربية سواء فى سوريا أو اليمن أو ليبيا بمشاركة أطراف عربية بعيدا عن الأطراف الإقليمية والدولية التى تعمل على إطالة أمد هذه الصراعات والنزاعات والأزمات، الى جانب التفكير فى كيفية إيجاد رؤية للصراع العربى الصهيوني، وكيفية إنجاز مصالحة وطنية فلسطينية حقيقية ومساندة الجهود المصرية فى هذا الشأن مع ممارسة الضغط على حركة حماس التى ما زالت تعرقل  الاتفاق الذى تم إبرامه فى شهر اكتوبر الماضى بالقاهرة ..وفى سوريا لماذا لاتسعى الأطراف العربية بجدية للإنخراط فى الأزمة والتعامل مع النظام بحسبانه صاحب قرار ومؤثر فى المعادلة لاسيما بعد التحولات العسكرية التى حققها خلال الأعوام الأخيرة دون تجاهله أو محاولة عزله مع تبنى موقف أكثر حزما ضد التدخلات والتمددات التركية العسكرية فى الشمال السورى ,كما أن التجاوب العربى الجيد مع النظام السياسى فى العراق والدفع  باتجاه تطويره أمر من شأنه أن يحد من النفوذ الإيرانى فيه ,والأمر نفسه فى اليمن التى باتت فى حاجة الى حراك عربى مؤثر  يمكن أن يغير  من المعادلة الحالية ويدفع بأطراف الأزمة فيه  الى المضى قدما فى خيار التفاوض والحوار السياسى فى ظل عدم  قدرتها على الحسم العسكرى .  

 – هذه خيارات سياسية هل يمكن تطويرها الى خيارات على الصعيد العسكرى ؟

*يمكن أن تتطور هذه الخيارات السياسية الى خيارات عسكرية بشرط أن يتم  بالضبط تحديد العدو الذى يمكن أن يتم توجيهها اليه ..وهذا السؤال هو الذى ما زالت الإجابة عنه تبدو من الصعوبة بمكان؟!

……

اللواء الدكتورناصر سالم ل” الزمن “

  أما اللواء الدكتور ناصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الاسبق بالمخابرات الحربية والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية  فإنه يبدأ حواره مع  ” الزمن “بتحليل المخاطر التى تهدد الأمن القومى العربى وكيفية التصدى لها, متناولا  كافة التطورات العسكرية فى المنطقة برؤية عميقة شمولية , داعيا لإعلاء المصلحة القومية العربية  ,بدلا من الحرص على المصلحة الوطنية فحسب  ,معتبراأن ذلك الى جانب تجاوز مسببات الانقسامات  كفيل بأن يضع العرب على سكة السلامة  ,أو هكذا يأمل ويحلم ونحن نحلم ونأمل معه بالطبع, وفيما يلى نص الحوار:

استباحة الامن القومي

–  إلى أى مدى يبدو الأمن  القومى العربى مستباحا , وكيف يمكن التصدى للمصادر التى تهدده ؟

* بادى ذى بدء أود أن ألفت الى مرتكز يبدو بديهيا يتمثل فى أن جوهر الأمن القومى العربى ينهض على أساس توافر درجة عالية من درجات التوحد والتعاضد والتكامل الحقيقى بين الدول العربية على نحو يفضى الى أن نتصرف كأمة عربية واحدة  ،بمعنى أن يتم حشد وتوظيف   كل إمكاناتنا ومقوماتنا فى اتجاه يحمى أمننا القومى ..وفى تقديرى أن أهم المخاطر التى تهدد هذا الأمن هو اختلاف  وتباين وانقسام بعض الأنظمة العربية بشأن ما يمكن وصفه بالقضايا المصيرية  ،وهو ما يقود الى عدم وحدة الهدف ..وبالتالى عدم وضوحه.. فعلى سبيل المثال، ما يحدث فى سوريا ،فنحن كعرب تعددت واختلفت وانقسمت مواقفنا، ولم يتبلور فيما بيننا توافق على منهج واحد للتعامل مع أزمتها التى اندلعت منذ أكثر من سبع سنوات، فدول عربية فى منطقة الخليج تبنت توجها معينا بينما  اختارت مصرتوجها آخر، ومن ثم لم يعد هناك هدف لاستعادة سوريا كدولة للمصفوفة العربية ،ولاشك أن إخراج دولة عربية بحجم سوريا من هذه مصفوفة الأمن القومى العربى ينطوى على انتقاص من قدراتنا   سوريا  يوسع المسافات فيما بيننا ،فبدلامن امتلاكنا القدرة على توحيد جهودنا باتجاه هدف واحد أصبحت لدينا أهداف متناقضة فبعض الدول الخليجية تساند التنظيمات المعارضة للنظام بينما دولة مثل مصر تتبنى موقفا مع الدولة السورية بشعبها ونظامها ومعارضتها ،وذلك سعيا للمحافظة على  مؤسساتها ,فى ظل قناعة مؤداها بأن خصم القدرات السورية  ,من إجمالى القدرات العربية هو بالضرورة خصم من كفاءة  وفعالية الأمن القومى العربى , وللأسف فإنه لم يعد لدينا  كعرب توافق على الصعيد السياسى حتى  وفق منهجية الحد الأدنى ،ولم نعد على كلمة سواء وعلى قلب رجل واحد ،وفيما يتعلق بالاقتصاد ثمة إصرار على إهدار إمكاناتنا وقدراتنا فيما لايخدم قضايانا وتفعيل أنساق من التعاون من شأنها بناء منظومة إنتاجية واستثمارية متكاملة ،أما على الصعيد العسكرى أين نحن ؟ وهل بوسعنا إرسال قوات عربية  الى سوريا لفرض  السلام والتسوية السياسية فيها ،بالعكس إن فرقتنا فى الملف السورى بالذات أتاحت الفرصة لثلاث  دول من خارج النطاق العربى ،وهى روسيا وإيران وتركيا تتحكم فى مفاصل دولة عربية بحجم سوريا ,وهو مايمكن  أن ينتقل الى دول عربية أخرى… والتساؤل المحورى هنا هو أين نحن كعرب بعد أن غبنا أو تم تغييبنا عن هذا الملف ؟ ولم يعد لنا وجود أو تفاعلات إلا عبر الخلافات المستعرة فيما بيننا ولاشك أن كل ذلك ليس فى مصلحة الأمن القومى العربى بل يشكل تهديدا وتحديا كبيرا له  ,وألفت فى هذا الصدد الى دور سلبى لدولة مثل قطر وأتساءل عن الفائدة التى تعود عليها من ممارساتها التآمرية ضد عدد من الدول العربية وفى مقدمتها مصرتحديدا ؟فهل ثمة جدوى  تجنيها من قيامها بتقديم الإسناد والدعم للإرهاب :تنظيمات وشخصيات ورموزا  لتنمية قدارته التدميرية والتخريبية , فضلا عن أدوارها فى ليبيا وسوريا .

ممارسات قطر

– هل أفهم من ذلك أن ممارسات قطر هى خصم من رصيد الأمن القومى العربى  ؟

* ليس خصما ,بقدر ما هو تدمير للأمن القومى , لقد تحدثت مع بعض المفكرين العرب متسائلا: ماهى تلك الضغينة التى تحملها قطر ضد مصر للحد الذى يدفعها للتآمر عليها بهذا القدر من الكراهية ؟ فأجمعوا على أنه فى الأساس ليس ثمة شئ يبررهذه الضغينة ؟ ما جعلنى استخلص نتيجة مؤداها أن قطر تعمل لصالح أجندة أجنبية ،ولااستبعد فى هذا الصدد أن تنفيذ مثل هذه  الأجندة ضد مصر أوغيرها من الدول العربية لاثمن له سوى بقاء أميرها فى السلطة  ،ولو لم ينفذها فإنه سيغادرها على الفور مثلما حدث مع جده وأسلافه .. أليس ذلك يمثل خصما من القدرات العربية؟؟

الأمر نفسه أتساءل عنه بالنسبة للسودان ,فكيف تنحاز الى جانب أثيوبيا في ملف سد النهضة ,ولاتقف الى جانب مصر أو على الأقل تقف على الحياد رغم أنه من المنطقى ألايكون هناك حياد فى أى قضية تتصل بالأمن القومى العربى ..ولا أود أن أصف ذلك بالتفريط الذي يبلغ حد الخيانة  لأنه فى مواجهة أى طرف أجنبى لابد أن نكون معا.

وأشير على هذا الصعيد إلى أن رسالة الدكتوراة التى حصلت عليها كان موضوعها “بناء استراتيجية ردع عربية  من خلال استخدام مكامن القوة الشاملة ” واستندت فيها الى الآية القرآنية الكريمة “لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم  جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون  ” – ويمكن وضع تحت كلمة “جميعا ” عشرات الخطوط – فهم أدركوا تماما أن سر قوتنا فى  وحدتنا فعملوا  – وما زالوا – على تفريقنا  ,وثمة وثيقة فى هذا الشأن تم إعدادها فى العام 1907 بعنوان  وثيقة “السير هنري كامبل بنرمان ” ,وهو رئيس وزراء بريطانيا فى الفترة من  1905 وحتى 1908 , تدعو الى  تفتيت الوطن العربى وتقسيمه وضمان تخلفه من خلال إقامة دولة اسرائيل والتمهيد لاتفاقية “سايكس بيكو ووعد بلفور” فيما بعد ..وغيرها من إجراءات  أفضت جميعا الى الحالة التى ما زلنا نعيش فيها حتى الآن  من حروب ونزاعات داخلية والتصدى لأى خطوة وحدوية.. فعندما أعلنت الوحدة المصرية السورية فى العام 1958  تم إجهاضها بعد ثلاث سنوات ..وفى ضوء كل من أشرت اليه من معطيات أقول  بوضوح: أن الأمن القومى العربى يتعرض لمؤامرة وبفعل فاعل!؟

مكامن الخطر

– ما هى مكامن الخطر  ومصادر التهديد للأمن القومى العربى   فى رأيك ؟

* لاأرى أخطر من فرقة وانقسام العرب , فالتوحد هو سر قوتهم وهو ما أدركه الآخرون فعملوا على تجريدهم منها ،ونتيجة لذلك تستغل الأطراف الخارجية هذه الوضعية لتحقيق مصالحها فى المنطقة وتجبرهم على دفع فاتورة تدخلاتها فيها مثلما حدث فى حربى الخليج الأولى والثانية وغيرها بحجة الدفاع عن أمن الدول العربية خاصة الخليجية منها؟؟

– هل تعتقد أن الضربة العسكرية الأمريكية البريطانية الفرنسية الأخيرة ضد سوريا هى فى سياق بات مطروحا بقوة بأن الخيار العسكرى هو الخيار الذى من شأنه حسم الأزمات الراهنة فى المنطقة العربية ؟

* هذه الضربة هى إعادة إنتاج لما جرى فى العراق منذ 2003 وحتى الآن ,وبروفة لما سوف يحدث فى غير دولة عربية إن لم ننتبه كعرب ,وهى لاتخرج عن المخطط التقسيمى للمنطقة الذى بدأ مبكرا منذ العام 1907 ثم تجلى بقوة فى المخطط الذى أعده الصهيونى الأمريكى برناردفى  لويس وقدمه للكونجرس 1980 والذى أقره بالفعل ويقوم على تفتيت الدول العربية الى مجموعة من الدويلات ،فالسعودية   تقسم الى خمس دويلات  , والأمرنفسه بالنسبة لمصر بينما سوريا  تقسم الى 4 دويلات , وتقسيم كل من العراق وليبيا  الى ثلاث دويلات ؟؟

وجاء تطبيق هذا المخطط الجديد مع اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربى  ,بعد أن أطلقوا من قبل مخطط “الفوضى الخلاقة” الذى لم يستسيغه العرب بسبب مفردة الفوضى ذات الإيحاءات غير المقبولة ..فماذا أثمرت هذه الثورات ؟لاشيئ سوى تفتيت الدولة الوطنية ..ولكى يستمر بنجاح  فإنه لابد أن تبقى الأطراف المتنازعة والمنقسمة متقاربة فى  ميزان القوى  بحيث لاتطغى إحداها على الأخرى فتستولى عليها أو تطويها تحت جناحها ,ومن ثم تتمكن من استعادة وحدة الدولة مرة أخرى ,وهو ما لا ترغب فيه القوى المخططة لتقسيم المنطقة.

ولاحظ معى أن هذا  السيناريو تم تطبيقه فى العراق ،فعندما ارتفعت أسهم السنة  عملوا على إعلاء شأن الشيعة ،والذى عندما تجاوز الخطوط الحمر قاموا بزراعة تنظيم “داعش ” الذى تمكن من السيطرة على مساحات هائلة من الأراضى العراقية فى يونيو 2015  مستنفذا قدرات الجميع- سنة وشيعة- على مدى سنوات ثلاث .

ولو توقفنا عند أبعاد الضربة الثلاثية سنرصد مجموعة من المعطيات: أولها – أن ألمانيا  وهى عضو فى حلف الناتو كانت شريكة مع روسيا فى تجريد سوريا من خلال تسلم كل المخزون الكيماوى الذى كان بحوزتها  فى العام 2015 , ما يعنى أن كل المعلومات متاحة عنه أمام الولايات المتحدة وغيرها من دول الناتو – بما فى ذلك المعامل والمنشآت التى  كانت تقوم بإنتاج هذاالسلاح – وقناعتى أن أمريكا والدول الغربية كانت تتلكأ لضرب سوريا مستغلة هذه الذريعة، فقد وجهت ضربة لمطار الشعيرات ردا ما قيل أنه استخدام النظام السورى للأسلحة الكيماوية فى “خان شيخون” ثم جاءت الضربة الأخيرة  على نفس النمط  بعد ما أثير عن استخدام الكيماوى فى “دوما” بالغوطة الشرقية قبل أن يتم التحقق من ثبوت ذلك عبر خبراء المنظمة الدولية للأسلحة الكيماوية.

وتحليلى لما جرى أن هذه الضربة جاءت لوقف تمدد النظام السورى  واستعادة قدرته على إدارة الدولة بعد أن كان لايسيطر إلا على مايعادل 25 فى المائة من أراضيها من خلال تحقيقه إنجازات عسكرية على الأرض أدت الى  تقليص مساحات الأراضى التى كانت بقبضة التنظيمات المسلحة ..وبدأ يعمل على استعادة وحدة البلاد بعد فشل  هذه التنظيمات فى الاحتفاظ بما لديها وإجبار عناصرها على التوجه الى مناطق أخرى سواء فى أدلب أو الشمال أو البادية  ،وبالتالى فإن هذه الضربة جاءت بهدف إعادة النظام الى المربع الأول على نحو لايتمكن معه من استكمال مشروع استعادة الدولة السورية، وتعزيز هدف تقسيمها وتفتيتها .

دور النظام السلبى

– لكن ألا ترى أن النظام السورى بقيادة بشار الأسد مارس دورا سلبيا لدفع بلاده الى خيار التقسيم  ؟

* ليس النظام بمفرده ولكن  للأسف كل السوريين – نظاما ومعارضة- رهنوا أنفسهم لقوى خارجية فباتت تتحكم فى مساراتهم ،فالرئيس بشار الأسد استقوى بروسيا وإيران وميليشيات شيعية فى مقدمتها حزب الله اللبنانى  ،ومن العراق ومن دول آسيوية عديدة ..بينما استقوت المعارضة بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وبعض دول الخليج ،مما أدى الى ضياع سوريا وتفتيتها الى مناطق للنفوذ قد تمهد – لاقدر الله – الى تقسيمها الى دويلات.

وفى تقديرى لو أن النزاع استمر بين السوريين أنفسهم من دون الاستقواء بأطراف أخرى لما وصلنا الى النتائج الراهنة على الأرض  ،والتى تخصم من رصيد وحدة واستقلال وسيادة الدولة السورية… إذن بقدر الاستقواء بالأطراف الدولية بقدرماحدث من دمار فيها ,إذن النظام ورئيسه بشار مسئول عما آلت اليه الأحوال, وكذلك المعارضة  مسئولة ,فقد كان بوسعها تأجيل مطلب التغيير حتى تمتلك أدواته السلمية  على نحو كا ن من شأنه أن يجنب البلاد الدخول فى دوامة الدم .

الخيار السياسى

– هذا الاحتشاد العسكرى فى غير أزمة عربية سواء  الذى تشارك فيه أطراف هذه الأزمات أو من أطراف إقليمية أو خارجية كيف يمكن تفسيره  هل هو يعكس نزوعا الى استبعاد الخيار السياسى للتعامل مع هذه الأزمات وتبنى الخيار العسكرى ؟

* ما يبدو أن ما يجرى على هذا الصعيد هو تبنى الحل العسكرى ولكن عبرما يسمى بالحرب بالوكالة وبالذات بين قوتين ما زالتا الأعظم – هما الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية – وأكاد أجزم بأن ثمة اتفاقا ضمنيا بينهما لاقتسام مناطق الصراع والنفوذ فى الوطن العربى ؟!

ودعنى ألفت فى هذا الصدد الى أن واشنطن لن تسعى الى القضاء على إيران لأنها تمثل الفزاعة التى تدفع دول الخليج الى الإرتماء فى أحضانها ،والأمر نفسه ينطبق على موقف روسيا تجاه إيران فهى تتحالف معها فى سوريا وتتحسب لخطواتها فى أزمات عربية أخرى  ما ظهر واضحا فى استخدامها حق “الفيتو” قبل فترة لمنع إدانة طهران بمساندتها ميليشيات الحوثيين فى اليمن، وهو موقف ينطوى على علامات استفهام على الرغم من التقارب الكبير بين روسيا والمملكة العربية السعودية   الذى أسفرت عنه زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو فى شهر أكتوبر الماضى.

وفى هذا السياق لن تندفع كل من الولايات المتحدة وروسيا الى الصدام المباشر بينهما فى المنطقة لأن أى صدام بين قوتين نوويتيين يمثل نهاية العالم ,لأن كل طرف  لديه من الأسلحة النووية ما يكفى  لتدمير الطرف الآخر  فى حال بادر بتوجيه الضربة الأولى من خلال ما لديه من غواصات فى المحيطات والبحار لاتتوقف عن الحركة على مدار الساعة بإمكانها إطلاق الصواريخ المحملة بالروؤس النووية .

– هل يفسر ذلك تجنب مصادر النيران الأمريكية والبريطانية والفرنسية أى مواقع روسية فى سوريا خلال الضربة الثلاثية ,وفى الوقت نفسه عدم قيام القوات الروسية بالرد عليها مثلما هددت موسكو قبل هذه الضربة ؟

*لقد أبلغ الأمريكيون والقوى الغربية الأخرى روسيا بمسار الضربة والمواقع التى ستشملها ،وهو ما أدى الى عدم الرد الروسى على مصادر النيران ،وقد توقعت ذلك قبل أن يتم توجيه الضربة فى إطار قناعتى بإدراك الطرفين لمخاطر أى صدام مباشر.. ففى أوج الأزمة كانت وزارة الدفاع الروسية على اتصال متواصل مع هيئة الأركان الأمريكية ،وبوتين كان على اتصال ترامب ,ولعلك تتذكر التصريحات التى أدلها بها الرئيس الروسى قبيل هذه الضربة  ،والتى أشار فيها الى ماتمتلكه بلاده من صواريخ عابرة للقارات تحمل روؤسا نووية  متعددة بمدى يصل الى 11 ألف ميل،  فضلا عن امتلاكها منظومة  من الغواصات  النووية – وبعضها بدون غواصين- منتشرة فى المياه الدولية ،والتى يمكن استخدامها فى الرد على أى اعتداء على بلاده أو أصدقائها ما جعل الرئيس الإيرانى حسن روحانى يعلن مؤخرا أن بلاده تقبع ضمن حماية المظلة النووية الروسية!!

المنطقة العربية ..لماذا ؟

– لماذا تشهد المنطقة العربية  بالذات  هذا الوجود العسكرى المكثف فيها سواء من أطراف إقليمية أو دولية ؟

*  لاشك أن ذلك يعكس رغبة هذه الأطراف فى فرض مشاريعها للهيمنة عليها ,وفى الآن ذاته  يكرس حضورها فى المسرح الدولى مستغلة أزمات المنطقة لتحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية ،فعلى سبيل المثال فإن الوجود العسكرى الروسى فى سوريا جاء فى سياق ثلاثة أهداف أولها :الاحتفاظ بموقع قدم فى البحر الأبيض المتوسط من خلال قاعدة طرسوس، وثانيها : للتصدى لمشروع أمريكى غربى  لضرب  أحد أهم مرتكزات الاقتصاد الروسى المتمثل فى تصدير الغاز الى أوربا عبر أوكرانيا  من خلال السعى الى إقامة أنبوب لتصدير الغاز  القطرى عبر العراق  ثم سوريا ثم الى أوربا كبديل عن الغاز الروسى  .

أما السبب الثالث فيكمن فى اكتشاف المرامى الحقيقية من زرع تنظيم داعش فى سوريا والعراق ،والتى تتمثل بالدرجة الأولى فى استخدامه  كسلاح أقوى فى  ضرب وإسقاط وتفتيت روسيا  مثلما تم إسقاط الاتحاد السوفيتى إبان الحرب الباردة  ،لأنه وفق المخطط أنه بعد نجاح التنظيم فى فرض قبضته على سوريا والعراق  سيتمدد الى الجمهوريات الآسيوية التى كانت تابعة للاتحاد السوفيتى السابق ..ومن ثم التوغل فى الأراضى الروسية!

ولعلك ترصد أن الولايات المتحدة – التى تقود التحالف الدولى ضد داعش – لم تقم بسوى سبعة آلاف طلعة طيران على مواقع التنظيم فى سوريا  والعراق خلال سنة واحدة ,فى حين أنها قامت ب 110 آلاف طلعة خلال 42 يوما أثناء حرب الخليج الثانية ،وهو ما أدى الى توسيع مساحات الأراضى التى خضعت لسيطرة داعش فبعد أن كانت 250 الف كيلو مترمربع بلغت الى 300 الف كيلو مترمربع ،وهو الأمر الذى تنبهت اليه روسيا فسارعت بتوجيه ضربات مكثفة للتنظيم  ,خاصة فى سوريا مما أسهم فى القضاء عليه فى معركة مستمرة حتى الآن .

– هل توافق على الرأى الذى يقول أن تكثيف الحضورالعسكرى الدولى بالذات , يأتى ضمن الرغبة فى تجربة فعالية أحدث الأسلحة والعتاد العسكرى الذى تمتلكه هذه الأطراف فى  صراعات المنطقة ؟

* أوافق تماما على ذلك ،وهذا ما حدث بالفعل، فمسرح العمليات المتسع فى المنطقة العربية يستخدم لإختبار الأسلحة الجديدة  ،والأهم من ذلك أنه يستغل لاستخدام الأسلحة المخزنة لدى الدول الكبرى التى اقتربت صلاحيتها من النهاية ،وبالتالى تحصل على أثمانها من  أطراف الأزمات الإقليمية”…..”  ففى حرب تحرير الكويت استعانت القوات الأمريكية بمدمرتين مصنوعتين من الخشب ،أظن أنهما من بقايا الحرب العالمية الثانية بهدف إخراجهما من الخدمة بعد أن يتم دفع كلفة مشاركتهما فى العمليات العسكرية ،حتى ولو على نحو غير جوهرى؟؟؟!!

التداخل الإيرانى السورى

– ألا تلاحظ تداخلا إيرانيا اسرائيليا فى سوريا ؟فهل يمكن أن يصل الأمر الى حد الحرب بين الطرفين فى ضوء المناوشات التى وقعت بينهما فى الفترة الأخيرة فضلا عن تهديدات رئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو  بالتصدى للوجود العسكرى القريب من حدود الدولة العبرية ؟

*فى تقديرى أن اسرائيل لن تلجأ الى استخدام قدراتها العسكرية المباشرة ضد إيران فى سوريا ما دام هناك طرف أو أطراف  أخرى تقوم بهذه المهمة ،وهو ما تجلى بوضوح فى الضربة الثلاثية الأخيرة ضد المواقع السورية ،والتى يمكن النظر اليها بأنها موجهة ضمن أهدافها العديدة الى تقليص النفو ذ الإيرانى .

– لكن هل يمكن أن ترد إيران على  أى هجوم اسرائيلي على مواقعها فى سوريا مع ملاحظة أنها لم ترد حتى الآن على قصف قاعدة ” تى فور ” والتى تمثل مرتكزا لوجودها العسكرى فيها ؟

* الرد الإيرانى لن يكون  – فى تقديرى – مباشرا سواء داخل الأراضى السورية أو من داخل أراضيها  ،ولكنها ستلجأ الى استخدام قدرات حزب الله وغيره من ميليشيات شيعية أخرى ،ولا أتوقع حربا شاملة بين الطرفين فى مسرح العمليات السورى  ،وإن لم يخل الأمر من اشتباكات محدودة بوساطة ضربات صاروخية ،بمعنى أنه مثلما كان حزب الله يوجه صواريخه المصنوعة فى إيران الى أراضى دولة الاحتلال قبل سنوات فإن  إيران  يمكن أن توجه إليها صواريخها  من سوريا “…”ولكن فى إطار محكوم من قبل الولايات المتحدة وروسيا ..ودعنى أصل بخيالى الى القول: أن هناك مركز عمليات مشتركة فى سوريا يضم قيادات أمريكية وروسية وإيرانية وتركية وفرنسية وبريطانية تتولى مهام التنسيق لتوجيه العمليات العسكرية بدون أن يؤثر طرف على آخر …غيرأن هذا المركز للأسف لايضم سوريين أو عربا؟؟؟؟!!

بشار واسرائيل

– لدى سؤال يحيرنى :هو لماذا لايرد نظام بشار الأسد على الغارات الجوية والضربات الصاروخية الإسرائيلية على مواقع حكومية إلا مرة واحدة عندما تصدت دفاعاته الجوية لمقاتلة اسرائيلية وأسقطها قبل فترة وهو ما اعتبر تغييرا فى قواعد الاشتباك ؟  

* لاشك أن اسرائيل تحصل على ضوء أخضر من الروس عندما توجه ضرباتها الى الأراضى السورية  ما عدا مرتين التى بادر فيهما السوريون بالرد عليهما  ،إحداهما تلك التى تم فيها إسقاط إحدى مقاتلاتها ،والثانية كانت تلك العملية التى قامت بها الطائرات الاسرائيلية عبر الأجواء اللبنانية ،والتى يمكن وصفها بأنها كانت من نوع عمليات الاستطلاع بقوة لرسم خارطة إلكترونية لكامل الأراضى السورية والكشف عن مواقع الدفاع الجوى والرادارات ومراكز القيادة فضلا عن المنشآت  الأخرى ،والتى كانت من بين ضمن أهداف الهجوم الأمريكى البريطانى الفرنسى فيما بعد ,وهى خلاصة توصلت اليها بحكم خبرتى كرئيس سابق لجهاز الاستطلاع بالمخابرات الحربية المصرية .

لاحربا شاملة

– بشكل عام هل المنطقة العربية مرشحة لحرب  شاملة بعد سبع سنوات من اشتعال الأزمات والحروب الأهلية والطائفية والمذهبية فيها ؟

* فى تقديرى لن تنشب حرب على نحو شامل  إلا ضد طرف يكون محليا فى المنطقة العربية بمعنى أن يكون هدفها القضاء على دولة بعد دولة  ،أى تفجيرها من الداخل وفق التخطيط الأمريكى الصهيونى ،فهم على سبيل المثال يرغبون فى تفجير مصر اليوم قبل الغد؟!!

– على الرغم من كل ما يظهرونه من مساندة وحرص على العلاقات التى توصف بالاستراتيجية وتبادل الرسائل الإيجابية من قادة مصر مع قادة الغرب لاسيما مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ؟

*إن ترامب يرغب فى حل القضية الفلسطينية على حساب سيناء ومصر رافضة تماما لهذا المخطط .

– هل يدخل هذا المخطط ضمن مايسمى بصفقة القرن الأمريكية لحل القضية الفلسطينية وفق الوصف الدارج إعلاميا ؟

–  نعم ..وبداياته تعود الى  مستشار الأمن القومى الاسرائيلى السابق الجنرال الإسرائيلى المتقاعد  “جيورا إيلاند ” ،والتى ترتكز على ضم مناطق من سيناء الى قطاع غزة فى إطار تصور عبثى لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ،وهو ماقبل به الرئيس الأسبق محمد مرسى لكن مصر فيما بعد  أكدت رفضه تماما ..فلايمكن لها أن تقبل بالتفريط فى أى جزء من أراضى سيناء “مهما كانت الإغراءات أو الضغوط “، ووفقا لهذا المخطط فإنه كان مطروحا أن يتم اقتطاع مساحة 720 كيلومتر مربع بينما مرسى تطوع بأن يمنحهم 1500 كيلو متر مربع, ومن ثم يحاولون استغلال أى فرصة لإضعاف مصر لإجبارها على القبول بهذا المخطط  ،وهم يبدون فى المرحلة الحالية أشبه بالميكروب المتحوصل الذى يتحفرلأى مرحلة تقل فيها مناعة مصر للقيام بالإنقضاض عليها ،ولكنها ستظل قوية ما دام شعبها وجيشها وقيادتها فى حالة توحد وتكتل وتعاضد ،وهو ما تؤكد عليه قيادتها السياسية دوما .

– هل ذلك يعنى أنه لن تقع أى حرب شاملة فى المنطقة ؟

* يمكن أن تقع هذه الحرب فى حال قيام اسرائيل بعدوان شامل على دولة عربية فإن جميع الدول العربية ستبادر الى المشاركة فى التصدى لهذا العدوان!

– هل هذا وارد ؟

* بالطبع غير وارد لأن اسرائيل قوية بما يكفى ،وكل أهدافها فى المنطقة تحققت بدون أى أعباء عسكرية بفعل إنخراط العرب فى حروبهم الداخلية التى استنفذت كل قدراتهم على التصدى لأى عدو خارجى ،وفى تقديرى أن ميزان القوى فى المنطقة سيظل فى صالح اسرائيل لمدة عشرين أو ثلاثين عاما مقبلة ..ومن ثم فهى تلتقط أنفاسها حاليا وتعمل على تقوية جيشها وأنساقها الداخلية لمحاولة التهام ما تبقى من فلسطين والفلسطينيين وبعد ذلك تبدأ فى التفكير فى الإنطلاق خارج حدودها .

-هل أفهم من ذلك أنك على قناعة بأن اسرائيل هى الخطر الرئيسى للأمن القومى العربى ؟

* بالتأكيد ما زلت على هذه القناعة فهى  المهدد الأول وبؤرةالإنفجار ومركز الزلزال لأى تهديد للأمن القومى العربى بل هى تبدو أشبه ب”القرصان الثالث  “،وهو تعبير اقتبسته من الكاتب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل  ،والذى  كان يترقب  فى الحروب والصراعات القديمة صراع القرصان الأول والقرصان الثانى متحفزا ثم ينقض على المهزوم ويحصل على حصيلته من سفن ومنتجات وغنائم ..فهناك الإيرانيون والأتراك يتصارعون فى المنطقة  ويعملون على تفتيت دولها بينما اسرائيل تترقب نتائج ذلك فتحصل على الغنيمة والمتمثلة فى الدول المتفتتة والضعيفة سعيا لتحقيق أهدافها فى إعلان اسرائيل الكبرى وفق مخططها القديم ،وتلك حقيقة أتمنى أن ينتبه اليها العرب جميعا حتى لايسقطون فريسة لمخططاتها الرامية الى القضاء عليهم جميعا .

– فى رأيك ما هو المطلوب عربيا لتخفيف  حدة آثار هذا الاحتشاد العسكرى فى المنطقة ؟

* البداية تكون على مستوى كل دولة من الدول التى تشهد الأزمات الراهنة من  خلال أن تتناسى أطرافها كل خلافات فيما بينها ويجلسون على طاولة الحوار السياسى لبلورة الحلول المطلوبة ورفض الاستقواء بالقوى الخارجية وهى دعوة أوجهها بداية للأطراف السورية وليأخذوا درسا من تجربة اللبنانيين الذين ظلوا فى حرب أهلية لمدة تزيد عن عشرسنوات لكنهم اجتمعوا فيما بينهم فى مدينة الطائف السعودية وتوصلوا الى اتفاق سياسى أنهى الحرب وأعادهم الى الحوار السياسى وهو ما زالوا يتعايشون وفق نصوص هذا الاتفاق وهو نموذج قابل للتكرار  فى أى دولة أخرى

ومن الأهمية بمكان فى هذا الصدد أن تعمل الدول العربية على إعلاء المصلحة القومية على المصلحة الوطنية لأن مشكلتنا الدائمة تتمثل فى  ارتفاع منسوب النزوع الوطنى  على حساب القومى ،وذلك يتطلب البدء فى بناء مؤسسات عربية تكاملية تقود الى إدخالنا مسارايشبه مسار الاتحاد الأوربى لكى نحشد جهودنا وطاقاتنا وإمكاناتنا وفى الوقت نفسه تحافظ كل دولة على خصوصيتها الوطنية ,وفى تقديرى أن الوقت حان لإنشاء القوة العربية المشتركة التى باتت ضرورة قصوى للمنطقة لكى تكون قوة ردع أكثر منها قوة دفاع أو هجوم .

– هل تعتقد فى إمكانية إرسال قوات عربية لتحل محل القوات الأمريكية ؟

* بشرط واحد أن تكون هذه القوات تحت علم الأمم المتحدة وموافقة الحكومة السورية الشرعية.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق