شهرية ..مستقلة

الأسباب العلمية للشيخوخة

دكتور ضاحي النجار

0

أكسير الخلود

آلية عمل الماكينة الكيموحيوية التى تنسخ المواصفات الوراثية  ال  dna أثناء عملية الانقسام الخلوى ليس بوسعها أن تعمل من دون أن تحذف جزءاً من التيلومير مما يفضى إلى تآكله بالتدريج ،وما لم تمتلك الخلية ماكينة كيموحيوية للتعويض فإن صاحبها ذاهب للشيخوخة والموت لا محالة .

ولا يحدث تعويض إلا فى حضرة الإنزيم البانى للأطراف  ” التيلوميريز ” Telomerase ، فهذا الإنزيم المعجز  هو الذى يمكنه ترميم الأطراف البالية للكروموزومات وإعادة تطويل التيلوميرات ،وهو يسلك فى الخلايا كأنه أكسير الحياة الخالدة . فلولاه فى الكائنات الدقيقة وحيدة الخلية لكانت قد اندثرت منذ أمد بعيد . ولولاه لما حازت هذه المخلوقات حياة الخلود. ولما كان بمقدورها مواصلة الانقسام .

هذا كله صحيح …ولكن هل نعثر للتيلوميريز على أى دور فى جسم الإنسان ؟

من المثير للدهشة أن الخلايا الجنينية – فيما قبل مرحلة التمايز الخلوى – تصنع إنزيم التيلوميريز بصورة روتينية وآليه مع قدرتها على التكاثر السريع والانقسام ،ولكن ما أن يكتمل تكوين الجنين حتى يتم كبت وإيقاف تشغيل الجينات التى تصنعه فى كل أنسجته فيما عدا أنسجة معدودة ..ويشبه تأثير إيقاف تشغيل جينات التيلوميريز بأنه البداية لعمل ساعة توقيت حياة الإنسان فتحصى التيلوميرات بدءا من هذه اللحظة عدد الانقسامات فى كل خط من الخلايا، وعند نقطة معينة تصل الخلايا إلى أقصى  ما حدد لها ، وتدعى إلى السكون..ولقد حاول بعض الباحثين حفز الخلايا على مواصلة الانقسام فأخذوا عدداً منها وأضافوا إليها صانعات التيلوميريز وزرعوا الخلايا فى مستنبت معملى وراحوا يراقبون؟؟

كانت دهشتهم حينما وجدوا أن الخلايا راحت تنقسم وتنقسم بلا هوادة ،وعلى نحو نشيط مفعم بالحيوية والشباب، ولعلها مازالت فى أطباق الزرع تعيش حتى اليوم دون أن تشيخ..أوليس هذا برهاناً على إمكانيات جبارة للإنزيم  تبدو بلا حدود !!

الخلود .. للجنس والسرطان

خلايانا إذن غير خالدة لأنها تفتقر بالفعل إلى إنزيم التيلوميريز . ولا يوجد الإنزيم سوى فى الخلايا التى تتطلب ديمومة غير عادية . ولأجل ذلك فهو يوجد فى خلايا النسيج التكاثرى “التناسلى” Germ-line cells – مثل الطلائع الأولية للحيوانات المنوية والبويضات – وهذا هو الذى يحافظ على ديمومة النوع فى كافة الكائنات عديدة الخلايا ،وهى وحدها التى نجحت فى ألا تبدأ قط فى تشغيل ساعة توقيت الموت، أى أنها لم توقف تشغيل الجينات صانعات التيلوميريز .

ولكن ألا يوجد أنزيم الخلود فى أنواع خلوية أخرى بالأبدان ؟

الإجابة :نعم ..لأنه يوجد بوفرة فى الخلايا السرطانية المدمرة ،فهي فى الأصل خلايا عادية أوقفت تشغيل الجينات الصانعة منذ مرحلة الجنين ، وتمكنت للأسف من إعادة تشغيلها مرة أخرى . ولهذا فإن هذه الخلايا المشوشة قوية جدا لا تفقد تيلوميراتها أبدا، بل أنها تعكف أولاً بأول على إنقاذ تيلوميراتها المتقاصره والمحافظة عليها مما يغذى  نزعتها فى الانقسام على نحو غير محدود ..وذلك هو الخلود المرعب !!

هذا السيناريو يشير إلى بعض جوانب الحكمة من وراء فقدان خلايانا إنزيم الخلود، وفقدانها القدرة الدائمة على الانقسام..فلعل هذه الآلية العجيبة فى الخلق لا تستهدف بالضرورة جعلنا هرمين بقدر ما تستهدف حمايتنا من السرطان اللعين “…” نعم لقد أصبح كل شئ واضحاً فنفس الآلية التى تستطيع مساعدتنا فى مقاومة السرطان هى التى تحول دون إطالة حياة الإنسان .

الشيخوخة المبرمجة ؟

ثمة سؤال ظل يلح على عقول العلماء زمناً طويلاً: هل الشيخوخة الطبيعية مبرمجة فى جيناتنا ومحكومة بساعة بيولوجية محددة التوقيت داخل خلايانا أم أنها ناتجة عن عمليات الهدم التى تصيب خلايانا نتيجة التعرض لما يحيط بها وبنا من بيئة فيزيقية ؟

الحقيقة أن توالى الحاجة إلى إجراء عمليات الترميم لابد أن يستهلك طول التيلومير، وأن يجعل الخلايا بلغة التيلومير “مسنة ” أكثر مما تكون عليه عند غياب عوامل الخطر البيئية.

من المحتمل إذن أن الشيخوخة المبكرة التى تباغت البعض قبل الأوان لا تعود بالدرجة الأولى إلى وراثة تيلوميرات قصيرة من الآباء بقدر ما تعود إلى التلف الناتج عن العوامل البيئية التى تحفز إنتاج المزيد من الشقوق الحرة Free radicals المؤذية .

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق